في دوامة من الاحداث المتسارعة كانت عملية الاستشهادي ابو زينب شماليّ مستعمرة المطلة المحتلة.
فخلال الانسحاب الصهيوني، منذ مطلع العام 1985، من غالبية المناطق اللبنانية المحتلة والانكفاء الى المنطقة المسماة بالشريط الحدودي، كان أركان العدو يتباهون بنجاح الاجتياح الصهيوني للبنان، والذي أسموه “عملية سلامة الجليل”، مع الابقاء على “شريط” حدودي يؤمن الحماية لشمالي فلسطين المحتلة. وأعلنت سلطات العدو عن اجراءات امنية مشددة في الشريط المحتل ومنعت أي شخص من قيادة سيارته بمفرده خوفًا من العمليات الاستشهادية.
ومن ناحية أخرى، ورداً على الانتفاضات الشعبية المتتالية في المناطق المحتلة أعلن العدو سياسة “القبضة الحديدية”.
وفي أثناء انسحابها كانت إسرائيل”تعمل على تصفية قادة المقاومة واقتلاع القرى التي تمثل معاقل حصينة للعمل المقاوم”، وذلك ضمن السياسة المعروفة إسرائيليًا وأميركيًا في ملاحقة وضرب “الأصوليين والمتطرفين” سواء عبر استهداف قواعدهم أو قياداتهم، فقد كانت ترى أن “التصفية الجسدية لرؤساء المنظمات هي الطريقة الفاعلة”، وبعد محاولة اغتيال القيادي الوطني مصطفى معروف سعد في صيدا جاءت عملية تفجير حسينية بلدة معركة ما أدى إلى استشهاد عدد من المواطنين بينهم الشهيد محمد سعد والشهيد خليل جرادي وهما من القادة الميدانيين للعمل المقاوم.
لم تكن دماء مجزرة “معركة” قد جفت بعد حتى كان بعد ظهر يوم الجمعة 8 آذار 1985 عندما حصلت عملية أخرى مشابهة لعملية الاغتيال في “معركة” ومحاولة الاغتيال في صيدا، لكن هذه المرة كانت المجزرة مروعة أكثر والحصيلة اكبر والاستهداف أخطر.
في هذه العملية كان المستهدف “الهدف الثمين” للمخابرات الأميركية والإسرائيلية، ألا وهو العلامة السيد محمد حسين فضل الله، والمجزرة كانت فظيعة والحصيلة كانت على الشكل التالي” حوالي 80 شهيداً بينهم أكثر من 40 امراة، والجرحى حوالي 260. تدمير أربعة مبان، وتضرر 20 بناية ضمن دائرة شعاعها 200 متر، وتدمير اكثر من 20 سيارة وتضرر حوالي 30 سيارة أخرى.
في تلك الدوامة اتخذت المقاومة قرارًا سريعًا بالرد المثقل بالرسائل والدلالات، فكانت عملية الاستشهادي “أبو زينب” النوعية التي أصابت للعدو “عش عصافير” بسيارة مفخخة واحدة أطاحت كل الادعاءات الصهيونية المتبجحة وكانت خير رد على جرائم العدو.
نعم، عند الساعة الثانية من بعد ظهر العاشر من شهر آذار، من العام 1985، وعلى بعد مائة متر من شمالي مغتصبة المطلّة في مكان يُطلَق عليه اسم باب التينة، وبينما كانت قافلة عسكرية مؤلفة من سبع قطع، تحمل عشرات الجنود الصهاينة، ظهرت سيارة بيك آب محمّلة بـ 900 كيلوغرام من المتفجرات، سارت ببطء متوجّهة نحو القافلة، واقتحم أبو زينب بجسده الطاهر القافلة المعادية محدثاً انفجاراً هائلاً، هزّ المنطقة بأسرها، وأُحضِرت رافعات ضخمة إلى مكان الانفجار لرفع قطع السيارات المحترقة وبقاياها، ليعترف الناطق العسكري للعدو بالعملية وأنها أسفرت عن مقتل 12 جندياً وجرح 14، متكتمًا على الخسائر السياسية والمعنوية والامنية التي لا يمكن احصاؤها.
طار صواب العدو مذهولًا من أن السيارة كان فيها راكبان اثنان لتعود المعلومات وتتحدث أنه الى جانب البطل منفذ العملية كانت تجلس دمية “مانيكان” للتمويه وخداع جنود العدو!
طبعًا تكتمت المقاومة لمدة سنوات طوال على الهوية الحقيقية للشهيد أبو زينب لاعتبارات عدة حتى تم الاعلان عن هويته بعد انجاز التحرير واندحار العدو عن أرضنا، وهو الشهيد عامر توفيق كلاكش الذي سطر ببطولته وصمود أهله وتعرضهم للتنكيل والاعتقال اسطورة من أساطير نأمل أن نوفق للحديث عنها في فرصة لاحقة.
للشهيد المجد والخلود ولنهج المقاومة النمو والانتصار…
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.