“دار” مختلفة في معرض بيروت للكتاب

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

في أيّام المعرض، تكتسي بيروت بثوب يشبه لونها في الذاكرة العربية الجماعية العتيقة. ترتدي الكتب التي تتأنّق لاستقبال زوّارها بلهفة بعد غياب لثلاث سنوات متتالية. معرض بيروت العربي الدولي للكتاب محطّة تستوجب التوقّف عندها طويلًا ولا سيّما في هذا العام.

بين دور النشر التي تصطف بترتيب في قاعة “سي سايد للمعارض” (بيال سابقًا)، لا يمكن لزوّار المعرض إلّا التوقّف عند “دار”: وجوه شابّة متحمسة تحمل في صفحاتها مزيجًا إبداعيًّا متنوّعًا، تشبه الكتب، وتجربة مختلفة خاضها فريق متكامل في ميدان الكتابة وأنتجت لهذا العام ٦ إصدارات تنضمّ إلى مجموعات “دار” في الأعوام السابقة.

“دار” هي حلم على حد تعبير المدرّب الرئيسي في ورشة الكتابة الإبداعية الأستاذ والزميل عبد الرحمن جاسم: “الفكرة أن نستمر، رغم كلّ المعوّقات، رغم كورونا والأوضاع الاقتصادية والسياسيّة المتأزّمة في لبنان. حافظنا على الحلم، وإصرار تلامذتنا كان أقوى من التراجع أمام الأزمات المختلفة”. هذا الإصرار الذي عبّر عنه جاسم أدّى إلى انتاج ستة كتب متنوعة دفعة واحدة، “ست تجارب مختلفة” سيجري توقيعها تباعًا في أيام المعرض.

تتحدّث مديرة “دار”، الدكتورة تهاني نصّار عن هذه التجارب بالتفصيل، وتبدأ مع تجربة “بريتيوم” (كلمة مأخوذة من اللاتينية والسريانية وتعني “الثمن”). “بريتيوم” رواية تقارب مفهوم الخير والشرّ بنطاق فكرة أن لا شيء مجانيّ، وأن لكلّ حلم ثمنًا أيًا كان -ولهذا هي بريتيوم- وهي أوّل رواية عربية يقوم بكتابتها فريق أو “دائرة” مؤلّفة من خمسة كتّاب هم من تلامذة “دار”: حسين شكر، جيهان حمّود، محمد الصغير، بشرى زهوة ونور يونس.

الإصدار الثاني في سلّة دار لهذا العام هو “خماسيّات: ٣٥ صباحًا وأنتظر”، وهو مجموعة تعيد الألق لفن أدبيّ بات مفقودًا في أيّامنا هذه وهو “الخماسيات”. هنا، تناوبت الكاتبتان المتدربتان في “دار” آلاء شمس الدين ومريم علي على كتابة خمس قصص تدور حول فكرة واحدة.

تكمل نصّار الحديث عن إصدارات “دار” لهذا العام وتتوقّف عند “بيروت اكس او”، الرواية التي اشتركت في كتابتها الطالبتان في “دار” وسام رحال وفاطمة شاهين. وبالمناسبة هي المرة الثانية التي يحلّ فيها اسم بيروت في أغلفة “دار”، بعد “أنا أسكن ضاحية بيروت الجنوبية”، وتقول نصّار “استخدام اسم بيروت مقصود لأن العنوان يتحدّث عن بطلتي الرواية، وعن بيروت المدينة الخاصة التي يأتي الناس من بقاع الارض كافة ليحلموا فيها وعندها. وريتاج ومريم لا تشذّان عن هذا الخط أبدًا”.

أمّا الإصدار الرابع، فهو “اختلاج” (والاختلاج هو الرجفة في القلب ما قبل الشعور بحدّ ذاته). يتحدّث جاسم عن هذا “الاختلاج”: هي مجموعة تضمّ في طياتها رواية قصيرة (novel)، مع الإشارة إلى تحفظي على هذه التسمية، هي “لاءات حبيبة” كتبتها سارة حمزة مع زميلاتها من الجيل الثالث في “دار” (جيل نحن الكتابة)، هلا ضاهر وغدير تقي ودانيا النجار اللواتي قمن بكتابة قصص قصيرة خاصة بهن، وجمع هذه القصص كان “اختلاج”.

أمّا بالنسبة إلى القصص القصيرة الكلاسيكية والتي اشتهرت بها “دار” فلها في هذه السلّة كتابان هما: قلوب من ورق وذاكرة ملوّنة، وهما مجموعتان مختلفتان من القصص المكتوبة بتوقيع الطلاب والطالبات في المجمع الإبداعي: علي نجم، زهراء سويدان، فاطمة الزهراء عمار، سهى شحادي، ألكسندرا الخطيب، منى داوود، أليسار حمدان، رجاء وهبي، آلاء السبلاني، فاطمة حيدر، زينب رضا، راغدة حمية، مايا نور الدين، فادية لوباني، نجوى دعجة، فرح رمّال، نسرين الرجب، سارة الشامي وهبة الحسيني.

إصدار هذا العدد من الكتب الحافلة بالاحتراف لم يكن أمرًا سهلًا سواء بالنسبة لدار أو للكتّاب فيها. فخلف الرفوف والصفحات ثمة عمل شاق يسمّى بالعمل المجهول والذي لا يعرف عنه معظم القراء. تشرح تهاني نصار تفاصيل هذا العمل بهدف إظهار حجم ونوعية الجهد الذي بُذل طيلة العامين السابقين والذي أدّى إلى نتيجة يُحتفل بها في حفلات التوقيع: “عامان من العمل المتواصل الذي يؤديه الكتّاب و”مجموعة نون” (المجموعة المسؤولة عن إصدار الكتب في دار-المجمّع الإبداعي) بشكل متكامل. من كتابة النصوص إلى إنهائها وثمّ مراجعتها وتنقيحها وصولًا إلى تدقيقها اللغويّ المحترف وبعدها إدخالها إلى المسار التقني. جميع هذه المراحل تتطلب وقتًا وجهدًا ومراجعات متواصلة تتعلّق بالمضمون وبالشكل وبالعنوان وبالغلاف وبالحرص على الوصول إلى نتيجة تشبهنا”.

هذا الجهد الذي عبّرت عنه نصّار، الأستاذة الجامعية الفلسطينية، هو جهد مكلف ماديًا، ولا سيّما مع ارتفاع الأسعار الهائل الذي يشهده لبنان والذي رفع بشكل هائل تكلفة طباعة الكتاب، أي كتاب. علمًا أنّ “دار” لا تأخذ تمويلًا من أحد، لأن كلّ جهة مموّلة لها شروطها الخاصة التي يتمّ فرضها على الجهة المتموّلة، وأهل الدار يريدنوها مؤسسة “تقاوم” على طريقتها، وبالتالي فإن احتمال الخضوع لشروط المموّلين ليس واردًا على الإطلاق. ولأن لكلّ موقف ثمنًا، تقول نصّار “حاولنا تخفيض النفقات قدر الإمكان” فيما يؤكد جاسم أن أسعار إصدارات “دار” لهذا العام تراعي الناس والقدرة الشرائية المتدنيّة: “من يرغب بالقراءة ولا يملك ثمن الكتاب سنقدّمه له مجانًا فقناعتنا تقول إن الثقافة لكلّ الناس”.

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد