بين الغيورين على الإعلام المقاوم، الذين لا يرتضون له نقدًا، وبين متصيّدي هفواته وأخطائه، يبقى الإعلام ميدانًا أساسيًا في كلّ معركة تخوضها المقاومة اليوم. ويشمل هذا الميدان، بالإضافة إلى منصاته الكلاسيكية، كالتلفزيون والإذاعة والصحافة المكتوبة، وسائل التواصل والمنتديات الافتراضية التفاعلية. وبذلك لا يعود جنود المعركة الإعلامية هم حصرًا الإعلاميون والصحافيون، بل يصبح كلّ ناشر لخبر أو لصورة، وكلّ متفاعل مع المنشور شريكًا في الميدان، سواء عرف دوره أم لم يعرفه.
من هنا يمكن لأسئلة عديدة أن تطرح حول دور الإعلام المقاوم في هذه المرحلة بالذات، ومنها:
- هل خطابنا الإعلاميّ يواكب المرحلة ويجيد التعامل مع ظروفها ومعطياتها؟
- هل يؤدي إعلامنا دوره بشكل كافٍ، على الأقل مقارنة بالدور الوازن الذي لعبه هذا الإعلام في حرب تمّوز؟
- ما هي الأسباب التي تجعل الإعلام مسؤولًا في هذه المرحلة؟ أين يقصّر؟ وما هي أسباب التقصير؟
- ما هي النتائج المتوخاة من الإعلام المقاوم كمنصّة حربية بكلّ معنى الكلمة؟ وما هي إمكانياته المتوفرة لأداء هذا الدور؟
بالعودة إلى خطاب السيد حسن نصر الله في افتتاح اللقاء الإعلامي الوطني بعنوان “مؤتمر فلسطين تنتصر: تجديد الخطاب الإعلامي وإدارة المواجهة” في شهر تموز 2021، تحدّث السيّد بالتفصيل عن دور الإعلام وعن أهمية الخطاب الإعلامي وتجديده في سبيل إدارة المواجهة بناءً على الأدوات المستجدّة فيها ولمواكبة التطوّرات الحاصلة في مجال الإعلام.
تحدّث السيّد يومها عن أهميّة وضرورة تجديد الخطاب الإعلامي مع تطوّر أدوات وأساليب المواجهة الإعلامية، تمامًا كما يتمّ تجديد وتحديث أدوات وأساليب المواجهة العسكرية والأمنية والسياسية، واضعًا بهذه المقارنة الميدان الإعلامي بموازاة ميادين الأمن والعسكر والسياسة، مما يعني حكمًا أن هذا الميدان هو ميدان أساسيّ تجري فيه مواجهة مفصلية تؤثر بشكل مباشر على نتائج المعركة ككلّ. وهنا، يصبح كلّ حديث عن لا جدوى العمل الإعلامي أو عن عدم فعاليته توهينًا حقيقيًّا قد يترك أثارًا سلبية على كلّ مجريات الأمور على الأرض، ويصبح أيضًا الإصرار على عدم محاكاة كلّ التطورات والاكتفاء بالخطاب الإعلامي التقليدي حصرًا نوعًا من العناد المضرّ ببقية ميادين المواجهة.
من الظلم القول إن خطاب الإعلام المقاوم مقصّر في ميدان المواجهة الأساسي، والمتمثّل بالتصدّي للدعاية الأميركية والماكينة الإعلامية الهائلة التي يوظّفها الأميركي ويدعمها ويحدّد لها مساراتها وخططها وأهدافها، إلّا أن هذا اللاتقصير لا يعني بالضرورة أن سبل المواجهة المعتمدة لدينا توظّف الإمكانيات الكبيرة الموجودة في سبيل تحقيق أعلى درجات التصدي، بل هي تكتفي إلى حدّ ما بالإمكانيات المعتمدة منذ سنين طويلة رغم ظهور وتطور إمكانيات تواكب العصر.
تغيّرت في هذه المرحلة أدوات المواجهة بحيث أصبحت مرتبطة بكلّ ما يدخل في تفاصيل أيامنا. وتشمل هذه الأدوات الأعمال الفنية الهادفة والبرامج التواصلية والتفاعلية بالإضافة إلى الحملات الإعلامية (على كلّ مستويات الإعلام) الموجّهة والتي تستهدف فئات معيّنة أو تتمحور حول مواضيع محدّدة. هذه الأدوات ما زالت شبه غائبة في خطابنا الإعلامي وفي خططنا للمواجهة في ميدان الإعلام، رغم توفّر إمكانياتها المادية والبشرية وبوجود مبدعين ينتظرون فرصًا في هذا المجال.
في حرب تموز، تمكّن الإعلام المقاوم، وبشكل خاص قناة المنار، من لعب دور أساسيّ في استهداف الصهاينة خلال الحرب، وفي تثبيت روح الهزيمة لديهم بعد الحرب وإلى اليوم. ويمكن القول إن هذا الإنجاز الإعلامي المقاوم الذي عكس النّصر الإلهي وواكبه وساهم بتثبيته هو أحد أسباب الهبّة الأميركية لاستخدام الإعلام الموجّه والتركيز على هذا الميدان في حربهم على المقاومة.
اليوم، نخوض تمّوزَ آخر بأدوات مختلفة: حصار اقتصادي، سعي إلى عزل سياسي، تنميط وتشويه وشيطنة. بالمقابل، وقد نجد لنا عذرًا في وهن الدعاية الأميركية وهشاشة مستخدَميها ومستخدِميها، لم يطوّر إعلامنا عملًا يوازي بقدراته وبأثره تلك القدرات التي أظهرها في تموز ٢٠٠٦، تحت النار.
الإعلام مسؤول اليوم ليس فقط في مواجهة الأميركي وأدواته، بل في تثبيت كلّ نصر تحقّق سابقًا عبر رصّ الصفوف بما يخص الخطوط العريضة المتعلقة بشكل المواجهة المتغيّر، وهو مسؤول تجاه جمهور المقاومة بالدرجة الأولى، الذي يحتاج إعلامًا يعكس صورته وواقعه وتطلعاته ولا يكتفي بالوسائل التقليدية التي تبقى ضرورية كمنطلق لكل تجديد، التجديد الذي يشبه أهل المقاومة فلا يُسقط عليهم صورة أو عملًا لا يحاكيهم ولا يغيّب إمكاناتهم الواعدة أو يؤطّرها في جمود الإعلام التقليدي.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.