برز خلال العقدين الماضيين نوع جديد من الإعلام، تعزّز بظهور مواقع التواصل الاجتماعي في ظل تطور الإنترنت وتزامنًا مع تقدم التكنولوجيا، الأمر الذي قلب الطاولة على الإعلام التقليدي، وصار القرن الواحد والعشرون عصر وسائل التواصل الاجتماعي.
بعد أن كان الاتصال الجماهيري عبر الصحف والتلفزيون، دخلت المنصّات الإلكترونية كإعلام بديل خصوصًا في الساحة اللبنانية في السنوات الأخيرة.
تدرج هذه المنصّات، التي كان السبّاق إليها منظمات المجتمع المدني ومن لفّ لفيفها، نفسها تحت عنوان “المستقلّة”، لكن عند الغوص فيها، يُكشف أنّها مستقلّة عن طرف مقابل انحيازها الكامل لطرف آخر، ومموّلة من سفارات أوروبية، وأميركية، وخليجيّة وجمعيّات سوروس وغيرها، حسب التقسيم والبرنامج وآلية ووظيفة كل منصّة.
تختلف المنصّات بالأسماء، وبالمحتوى، لكن كلّه يصبّ في الحضن الأميركي – “الإسرائيلي” – الخليجي، ضد إيران وحلفائها في الشرق الأوسط، وفي طبيعة الحال بما أنّها منصّات لبنانية من حيث الإدارة وفريق العمل فهي تصبّ ضد حزب الله لتكون في نفس المسار مع الضغوطات الاقتصادية والمالية والتشويهية ضد هذا الحزب والشعب اللبناني.
هيَ مع حقوق الإنسان كافّة، لكنّها مع التنمّر على اللبنانية زهراء قبيسي لأنها مع حزب الله، هي أيضًا ضد الحروب والظلم والتعسّف، لكن قصف اليمن وأطفاله بالنسبة لها مبارك ويستحقّ التهليل، هي ضد أنظمة الاستبداد والديكتاتورية والتخلّف والرجعيّة، لكن دول الخليج ربّ الديمقراطية والاموال والنفط فلا تعيرها اهتمامًا من هذه الناحية.
عالميًا، تتناول هذه المنصّات مواضيع التلفزيونات العربية المرتهنة التي تنشر مثلًا اعلانات مدفوعة من الولايات المتحدّة الاميركية لتسليط الضوء على قرارات وحكم رئيس كوريا الشمالية الاستبدادي (هكذا يصورونه)، أو تشويههم للصين أو مثلًا ينشرون فيديو أو خبرًا عن تصرف يمثّل ١٪ من الشعب الايراني ويضخّمونه. هؤلاء ليسوا قاصرين عن تأليف الأخبار، وللصدفة أنّها تشوّه سمعة الانظمة والدول المناهضة للاستكبار الاميركي. هؤلاء عندما يتعلّق الامر بدول الخليج أو الدول الاوروبية في مواضيع ضخمة تستحقّ النشر وتسليط الضوء وتزلزل أنظمة وحكّامًا يكتبون مثلًا عن ثقب طبقة الاوزون أو عن قطّة ماتت في غابات الامازون. “الحاجة للمال قذرة”.
أمّا في لبنان، فهؤلاء يدبّجون عشرات المقالات لو ظهر مواطنٌ على التلفاز يشتم حزب الله، وينظّمون حملة إعلامية من أجل «بوست» على «فايسبوك»، ويجعلونه محور السياسة اللبنانية، عدا عن محاولتهم لتبسيط موضوع التطبيع مع العدو “الإسرائيلي” واعترافهم بـ”إسرائيل”، وعن ترويجهم لكذبة الاحتلال الايراني، الذي لا يستطيع على الاقل أن يزوّد المازوت لطائرته في مطار بيروت، وعن عمالتهم في الكشف عن أبناء بلدهم الذين موّلوا الحزب الذي حرّر وحمى البلد، وعن استهدافهم لكل كيانات الحزب بما فيها الكشّافة التي يبدو أنها تسبب لهم القلق، أو اتهام الحزب بأي اغتيال حصل أو سيحصل، وكأن الحزب الذي يشارك في إعادة صنع الإقليم، يكترث لشخص يلقى أجره لقاء كلامه، أو أنّهم يحرّفون وينقلون ثوانيَ من خطاب كامل لأمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله، أو أحد مسؤولي الحزب لينشروه ويبنوا عليه ويهاجموا فيه الحزب، أو اتهامه بحماية المنظومة وأنه سبب الأزمة الاقتصادية في البلد دون أيّ دليل، فقط افتراءات وكذب، وممنوع أن ينتقدهم أو يفنّد أكاذيبهم أحد.
ببساطة وباختصار، هذه المنصّات الليبرالية اللامشبوهة بل المعرّاة، تستهدف شبابنا وتؤثر بفئة ليست قليلة منهم. هي لا ترى المواطن أو القارئ سوى مجرّد مستهلك لكل ما يُعرض عليه من توجيهات وتوجّهات ولما يتعرّض له من إغراءات، وهي بدورها تقوم على أكمل وجه بتغيير المفاهيم الانسانية السائدة والقيم الاجتماعية المسلّم بها، بالإضافة الى محاولاتهم خرق العقائد السياسية والدينية.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.