بعيدًا عن السرديات الغربية التي تضع كل العرب أو المسلمين في خانة الإرهاب، الإرهاب هو السعيُ لزهق الأرواح وإلحاق الأذى بكل معارض لعقيدةٍ ما. هي عقيدة تنبع من اعتقاد الشخص أنّه هو من القلّة المصطفاة في العالم وأنّه أفضل الناس، ثمّ انطلاقًا من هذه القاعدة يبيحُ لنفسه قتلَ جميع من لا يعتنق عقيدته بل يعتبر عمله تقرّبًا إلى الله به يدخل الجنة وبه ترتفع درجاته في الدار الآخرة.
هنا ينبغي ذكر أمرٍ يتجنّب العديد من الناس الخوضَ فيه، هذا الفكر لا يقتصر فقط على هذه القاعدة، بل يذهب للعقيدة التي تنطلقُ أساسًا من جملةِ مسائل خلافية في العقيدة الإسلامية تتعلّق بالتكفير الشمولي لكل من لا يؤمن بها بغضّ النظر عن مذهبه. هذا التمايز يختلف عن التمايز بين الفرق الإسلامية والمذاهب، كالتمايز بين المدرسة الأشعرية والماتريدية أو المذاهب الفقهية كالحنفيّة والمالكية والشافعيّة أو الأصولية والإخبارية، بل هي مسائلُ خالفت فيها هذه الفرق إجماع علماء المسلمين سنةً وشيعة، فجاءت عقيدتهم بتحريم زيارة القبور والتوسّل والتبرّك والنداء مثلًا باعتبارها شركًا بالله يجعل من يقوم بها كافرًا حلال الدمّ. فهذه الفرق لا تنظر للاختلاف على أنّه مذهبي بين السنّة والشيعة، بل يرونه اختلافًا بين المسلمين، ويعنون بذلك أنفسهم، وباقي البشر جميعًا، وينظرون بذلك للسنّة والشيعة بنفس العين.
كيف يتغذّى التطرّف؟
تُعاني بلادنا من نقصٍ كبير بعدد رجال الدين الصادقين، فتارةً ترى مرائيًا وتارةً ترى جاهلًا يرى في العمامة منصبًا وجاهًا فقط. ومن باب آخر تعاني البلاد من جهلٍ كبير بين عامّة المسلمين في التعاليم الإسلامية، فأغلب الناس لا يعرفون غير أركان الصلاة والوضوء والصيام.
تتغذّى هذه الفرق على عدة عوامل منها الجهلُ، سواء في الدين أو علوم الدنيا، ومنها الفقر والعوَز، ومنها أوضاع البلاد المترديّة ومنها انتشار الكراهية بين الناس. زِد على هذه الأمور غياب الحملات المضادة، فالعقيدة تحارب بالعقيدة، وفي لبنان قلّ من اهتمّ بالتدقيق بمناهج المدارس خاصةً تلك التي تملكها بعض الجماعات الإسلامية، ويندر اهتمام الدولة وحتى دار الفتوى بمراقبة خطَب بعض مدّعي المشيخة لا سيّما أولئك الذين يجاهرون بمدرستهم العقائدية المعروفة التوجّه والتعليم المتطرّفيْن.
هناك أجيالٌ ترعرعت على عقائد خاطئة، لا يفقهون بالدين الّا القليل، ومعلوماتهم مستقاة ممّن يدعي المعرفة الفقهية الدينية، فتغذّوا على هذه العقيدة التكفيرية الشمولية، وقد يساقون بخطوة تالية نحو التطرّف.
تستطيع بسهولة إيجاد من يحبُّ القتال في لبنان، وتاريخنا يشهد لهذا، فكيف إن أقنعت شخصًا أنّ فعله هذا جهادٌ لنصرة دين الله ومحاربة الكفّار تيمنًا بالصالحين الذين سبقوه، وأنّه عندما يُقتل سيكون شهيدًا يعيش في حياة أبديّة من النعيم الدائم وحور العين والغلمان المخلّدين، حيث لا مرض ولا شقاء ولا تعب ولا ملل؟
من العوامل أيضًا اعتبار الشخص نفسه يدافع عن نفسه، فعندما يقتنع العديد من الناس – وهنا نتكلّم عن لبنان خصوصًا – أنّ هناك من يعتبر قتله فعلًا مجيدًا ويتباهى بقدرته على قتله متى أحبّ سيصبح أشدّ استعدادًا للقتال إذ يعتقد أنه هو المظلوم الذي يدافع عن نفسه. هذا الخطاب نشط خاصةً بعد أحداث السابع من أيار عام 2008، وبعد خطاب الأمين العام لحزب الله الذي أعلنَ فيه السابع من أيار “يومًا مجيدًا” من أيام المقاومة، هذا الخطاب ساعد العديد من الخطباء على إقناع مجنّديهم أنّ الشيعة هم من يعتبرون قتلَ السنيّ فعلًا مجيدًا ويعتبرون السنيّ كاليهوديّ، وهذا كان من أبرز ما اعتمد عليه العديد في خطابهم في السنوات التي لحقت عام 2008 حين نشطت بعض الجماعات الإرهابية محاولةً جرّ السنة في لبنان لمشروعهم الذي بدأ بسوريا.
بعد ابتداء الحرب السورية امتدّ هذا الخطاب ليأخذَ طابعًا طائفيًا بحتًا، فاقتنع العديد من الناس أنّ الحرب السورية هي حرب بين العلويّ والسنيّ يساند الشيعيّ فيها العلوي لقتل وذبح أهل السنّة في سوريا وصولًا لإبادتهم وتهجيرهم واحتلال أراضيهم. ونظرًا لتاريخ الجيش السوري في لبنان والذاكرة الجماعية في بعض المناطق اقتنع العديد من الناس أنّ هذه هي المعادلة حتى بين من لا يعتنق أيّ عقيدةٍ إرهابية. فاليوم في لبنان مثلًا، غرق بعض الناس في هذه الدعايات حدّ اعتبار الحشد الشعبي ميليشيا إيرانية شيعية بينما هي قواتٌ نظامية في عتادها الآلاف من المقاتلين العراقيين السنّة. هذا كمن يعتقد أنّ الحوثيين هم شيعة وأنّ الحرب السعودية عليهم هي حرب بين السنة والشيعة ولا يكترث حتى بالبحث عنهم في غوغل.
ما مدى تجاوب الأفراد مع التطرف؟
إن كان علينا التكلّم بواقعية وموضوعية، لا يعتبر المجتمع اللبناني لا سيّما السنّة فيه بيئة خصبة للإرهاب. قد ينجرّ بعض الناس لهذا الخطاب ولكن لن تتعدّى نسبتهم الـ1%. الخطورة أنّ هؤلاء ومع قلّتهم يستطيعون إشعال حرب يأخذون فيها المدنيين رهائن وقد تستمرّ أشهرًا طويلة.
سبل معالجة الإرهاب
العقيدة تُحارب بالعقيدة، وهي تتطلب نيةً جديّة مشتركة من الدولة ودور الإفتاء. وبعد الأحداث الأخيرة ينبغي أن توجد خطة مشتركة بين لبنان وسوريا والعراق والأردن ومصر وغيرها من الدول التي عانت من هذه الجماعات والتي كانت شبكاتها مشتركة تتنقّل بين هذه الدول. ملفّ التطرّف هو أشدّ أهمية من ملفات الكهرباء والنفايات وغيرها، بل هو من مستوى ملف النفايات، فينبغي رمي هذه الأفكار ودفنها كما فُعل قبل مئات الأعوام حتى إعادة إحيائها من قِبل قوى الاستعمار. سرطان هذه المنطقة هذه الفرق التي تتغلغل في بلادنا وتختبئ بغطاء الدين لخراب شبابنا خدمةً لأهداف رؤسائها في الغرب.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.