ما زال كاتب الدّراما العربي لا يفقه ضرورة الملاءمة بين بيئة النّص الأجنبي الذي يقتبس منه والبيئة العربية التّي سيعرض فيها العمل المُعرّب، مما يؤدي لاستيراد عادات وتقاليد ومفاهيم غريبة عنا كشرقيين، ويولد الكثير من الجدل والنّقاش بين متقبل لتلك المفاهيم، والتي معظمها يكون هدّامًا لمجتمعنا المحافظ، وبين معارض يرفض هدّ التحصينات الاجتماعية التي توارثها على مدى عمر من السّنين.
مع بداية الترويج لفيلم “أصحاب ولا أعز” بهذه التّوليفة الجميلة من الممثلين “منى زكي، جورج خباز، عادل كرم، إياد نصار، نادين لبكي، فؤاد يمين، ديامان بو عبود” تحت إدارة المخرج ” وسام سميرة” بتجربته الإخراجية الأولى، سارعت لمشاهدة النسخة الأجنبية من الفيلم “perfect strangers”، وأثناء المشاهدة افترضت أن القائمين على العمل سيقومون بإضافة بعض التغيّرات على الفيلم ليصبح ملائمًا للمشاهد العربي، ولكن ما إن عرضت المنصّة الأميركية نتفلكس الفيلم حتى تبيّن أن ” أصحاب ولا أعز” هو نسخ حرفي عن النسخة الإيطالية، مما أدى لردّة فعل صادمة عند الجمهور العربي، لأن ناقل النص لم يراعِ الاختلافات الثقافية بين المجتمع الغربي والعربي.
لعلّ وسام سميرة لا يدرك أن العذرية لا تزال من المقدّسات عند معظم الشعوب العربية، ليس عند الأهل فقط، بل عند الفتيات أنفسهن، فنقل دون إدراك مشكلة مراهقة ترغب بإقامة علاقة غير شرعيّة مع حبيبها بتشجيع من الوالد. ولعلّ سميرة لا يدرك أيضًا أن إقامة علاقة جنسيّة قبل سن 18 حكمها حكم الاغتصاب في القانون اللّبناني حتى برضى الطّرفين.
وهنا نطرح سؤالًا للمدافعين عن الفيلم: لو كانت الفتاة ترغب بالزّواج في سن 17 وبموافقة الأب هل كانت ستبقى القضية حرية شخصية، أم ستتحول لقضية زواج قاصرات؟
لا يمكن اعتبار فيلم “اصحاب ولا اعز” فيلمًا اجتماعيا، بل هو فيلم يناقش قضايا جنسيّة من ألفه حتى يائه، بداية من رغبة المراهقة بإقامة علاقة خارج إطار الزواج وصولًا لقضايا الخيانة والمثليّة، حيث إن الهواتف لم تكشف عن أي مشكلة اجتماعية يعاني منها أحد المدعوين على العشاء، وكأن مشاكل العالم العربي تنحصر في الجنس. كان بإمكان صنّاع الفيلم استغلال فكرة الفيلم لطرح قضايا يعاني منها شبابنا العربي وكذلك عائلاتنا العربية، أو كان بإمكانهم نقل المجتمعين على الطاولة إلى بيئة أخرى؛ فعلى سبيل المثال جعلهم عربًا في بلد أجنبي تبدلت فيه مشاكلهم لتصبح مشابهة للبيئة الغربية.
من جهة أخرى تساءل الكثيرون حول دور منصّة نتفلكس وهدفها من عرض فيلم يستفزّ الشّارع العربي ويهدّد قيمه، وعاد الجدل حول نظرية المؤامرة والنيل من عادات وثقافة الشعوب العربيّة. ولو دققنا جيدًا بإنتاجات نتفلكس لوجدنا معظم إنتاجاتها تدعم الصهيونية وتلمّع صورة العدو الإسرائيلي. كما أن ” اصحاب ولا اعز” يطرح مواضيع العلاقات غير الشرعية والمثليّة، وهو ما يرفضه الشارع العربي، مما يجعلنا نشكك بنيّة نتفلكس بإنتاج مثل هذه الأفلام.
لا يمكننا أن ننكر أن ما طرحه فيلم “أصحاب ولا أعز” من قضايا هي موجودة فعلًا في عالمنا العربي، ولكن المشكلة تكمن في طريقة المعالجة وكيفية تناول تلك القضايا خاصّة مشكلة المثليّة الجنسية حيث اعتبر الكثيرون أن الفيلم يروج للشذوذ الجنسيّ، علمًا أن السينما المصرية كانت قد تناولت قضية الشذوذ في الكثير من إنتاجاتها، وكان من أبرزها فيلم “عمارة يعقوبيان” حيث جسد الممثل “خالد الصاوي” دور الصحفي الشاذ. إلّا أن الفيلم لم يحظَ بهذا الكم من الانتقادات، حتى أن النسخة الفرنسية من الفيلم عُرضت في مصر عام 2016 ونال الفيلم نسب مشاهدة عالية في السّينما المصرية، ولم يواجه أي انتقادات وهذا ما يدفعنا لنسأل: هل ما يحصده فيلم “أصحاب ولا أعز” من انتقادات هو من ضمن الحملة الإعلانية للفيلم؟
باختصار، إن ما قدّمه فيلم “أصحاب ولا أعز” من قضايا هي قضايا حقيقة ونلاحظها في عالمنا العربي، إلّا أن المشكلة تكمن ببلاهة الاقتباس الحرفيّ التّي قام بها صنّاع العمل.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.