تمهيد:
اتخذت الحرب المفروضة على سورية هيئة حرب العصابات أو ما يعرف بقتال الشوارع، خصوصًا قبل التدخل الأميركي والتركي المباشر على أراضيها والذي جاء محملًا بالتقسيم.
ولأن انتشار المعارضة المسلحة بين الأبنية السكنية وداخل المدن يحتاج إلى خلق حواضن اجتماعية لتضمن أمنها وبقاءها واستمرارها، فقد استعانت بحملات إعلامية ضخمة، ليس فقط لتجنيد الأفراد ضمن صفوفها، بل لأدلجة المجتمعات لتحقيق أهدافها.
تلك الوقائع التي هدفت إلى تشتيت طاقات مؤسسة الجيش وتقييد قدرتها على التصدي وشيطنة دورها الوطني فرضت على الدولة السورية اتخاذ حلٍّ مناسبٍ تمثّل بإحداث القوات الرديفة.
ما هي القوات الرديفة؟ وما أهداف نشأتها؟
اعتمدت القوات الرديفة في تكوينها على عنصرين:
الأول: العنصر الوطني كوحدات الدفاع الوطني وفوج المغاوير ولواء الباقر وكتائب البعث وغيرها.
الثاني: القوات الحليفة المتمثلة بالمقاومة اللبنانية وقوات الحرس الثوري الإيراني وغيرها.
حيث كانت بمختلف تشكيلاتها تحت إشراف الجنرال الحاج قاسم سليماني.
يعود الهدف من نشأة القوات الرديفة إلى سببين رئيسيين:
الأول: استجلاب المعارضة المسلحة عددًا كبيرًا من الأفراد من خارج سورية للقتال ضمن صفوفها، وتلقيهم الدعم العسكري والمالي واللوجستي الكامل عبر الحدود السورية التركية والأردنية وغرف عمليات الموك.
الثاني: لم يكن الجيش السوري متمرسًا على خوض هكذا نمط من المعارك، كما أنه يصعب على أي جيش نظامي مهما بلغت قوته وجهوزيته التعامل مع معارك حرب العصابات لأنها لا تعتمد على متانة الترسانة العسكرية وحجم أدواتها، بل ترتكز على سرعة الحركة وخفتها وسهولة تنقل وحداتها وقدرتها على المناورة وليس التمركز في نقاط وحدود ثابتة كما هو شأن قطاعات الجيوش النظامية. كما يصعب أيضًا على أي دولة أن تقوم بمفردها بمجابهة عدد كبير من المقاتلين المدربين والمجهزين يتدفقون من كامل حدودها ويتحصّنون داخل الأرياف والمدن. فكان لا بد للجيش السوري أن يستعين بذراع أكثر مرونة في التحرك والمواجهة وأكثر قدرة على تحقيق اللياقة والنوعية والدقة المطلوبة للتعامل مع كمائن المعارضة المسلحة داخل مناطق ذات كثافة سكانية ومنشآت اقتصادية وبنى تحتية ومرافق عامة.
وقد راهن السيد الرئيس بشار الأسد على قدرة الجيش السوري إلى جانب القوات الرديفة على تحقيق كل تلك الإنجازات الميدانية التي حققتها، وقد أشارت الوقائع والمجريات والمعادلات وموازين القوى إلى أنه كسب الرهان.
ما الذي ميز القوات الحليفة عن العنصر الوطني؟ وما الدور الذي شغلته وفقًا لذلك؟
كانت حصيلة التجربة المتراكمة الممتدة منذ عام 1982 عند اجتياح لبنان إلى حرب تموز عام 2006، فيما يخص المقاومة اللبنانية، وحرب الثماني سنوات أو ما يسمونه معارك “الدفاع المقدس” فيما يخص قوات الحرس الثوري الإيراني، هي ما ميز القوات الحليفة عن العنصر الوطني الحديث العهد بالعمل العسكري والميداني، ما جعل الدور المناط بها أكثر أهميةً في تحقيق التقدم العسكري الذي شهد توسعًا ونجاحًا واضحًا في مناطق مدينة حلب وريفها الشرقي والجنوبي، وكذلك دير الزور والميادين والبوكمال.
لم يقتصر دور هذه القوات في تلك المناطق على مساندة الجيش السوري عسكريًا، بل عملت أيضًا على حلّ خيوط الاحتقان المجتمعي الذي حاولت المعارضة المسلحة تعقيدها في البيئة المحيطة لتكسب شرعية تمترسها داخل تلك المجتمعات.
وقد حققت القوات الحليفة نجاحًا مهمًا في إصلاح تلك البيئة من خلال أهم ثلاث خطوات تجلّت بـ:
الأولى: سياستها في محاربة المشروع وليس الأفراد، وهذا ما أكّد عليه الجنرال قاسم سليماني في فيديو له انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي صرّح من خلاله بقوله: “أيها الأخ العربي الذي يترصدني وأترصده، قسمًا بالله إن استشهدت بيدك فسأشفع لك”.
الثانية: من خلال تقديمها العديد من الخدمات التي افتقدها سكان تلك المناطق بفعل وجود المجموعات المسلحة، وأهمها:
- ترميم المدارس ومساعدة الكادر التعليمي.
- تأمين المياه والآبار
- تقديم الدعم المادي واللوجستي
- توفير فرص عمل ودعم المشاريع الصغيرة.
وذلك بعيدًا عن أي تمييز على أساس طائفي أو مذهبي أو عرقي، الأمر الذي ساعد في عودة الحياة سريعًا إلى تلك المناطق وتخفيف أعباء مخلفات الحرب على الأهالي فيها.
الثالثة: توفير بعض البرامج لرفع آثار الحرب عن تلك البيئة من الناحية النفسية ومساعدتهم في تجاوز عقبات الغزو الثقافي الذي تعرضوا له وتصويب البوصلة أمامهم وإيضاح الرؤية تجاه العدو الخارجي الذي تسبب بنكبتهم.
الخاتمة
وصلت تأثيرات الحرب على سورية -خلال أكثر من عشر سنوات- إلى أبعاد كثيرة أهمها البعد الثقافي والايديولوجي اللذين يعتبران المحرك الرئيسي للمجتمعات، إما باتجاه وأد الفتن وتحقيق الاستقرار والازدهار والإعمار، أو باتجاه إشعال الفتن، واختلاق الفوضى والعنف.
ونلاحظ أن لدى الدول الصديقة باعًا طويلًا في ترتيب وتحصين جبهتها الثقافية، وتغذية قاعدتها الشعبية بمقومات التلاحم والتفاهم والتراحم والتخادم، وقد أثبتت جدواها وجدارتها اليوم في ظل تمكنها من مواجهة الضغوطات الخارجية المضنية سواء تلك التي تتعلق بالملف النووي الإيراني، أو قضية سلاح المقاومة في لبنان الذي يعتبر صمام الأمان للبنان والمنطقة ككل.
فلا بد من الاستفادة القصوى في سورية من تلك الخبرات والقدرات لدى الحلفاء من أجل إعادة ترميم وتمتين المنظومة القيمية بما يكفل مواجهة الضغوطات الاقتصادية والسياسية للعبور بسورية وفق قيمها الدستورية ونهجها الممانع والمقاوم نحو سورية العزيزة والقوية بوحدتها وسيادتها واكتفائها الذاتي الذي يحقق لها الاستقرار والأمان ورغد العيش والمجتمع الموحد على ثوابته وقيمه الأصيلة.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.