من لا يعلم جيدًا سيكولوجيا حزب الله في التعاطي مع العواصف السياسية، سيكون مستغربًا من موقف الحزب في الفترة الأخيرة تجاه السقوف السياسية العالية في مختلف الملفات. حتى وسط بيئته، التي تعلم جيدًا أن الحزب لم يهدأ منذ بداية الأزمة الاقتصادية، هناك من يسأل عن موقفه من كل ما يجري، فهل هو الهدوء الذي يسبق عاصفة الحزب؟
بمراجعة تاريخية ليست ببعيدة، أظهر الجناح السياسي لحزب الله برودة أعصاب عند كل مرة ينتقل فيها خصوم الحزب الى مستوًى أعلى في المواجهة معه. وقد تكون ردة فعل رئيس حزب الكتائب أوضح مثالٍ على ردةِ فعلٍ غير مفهومة تجاه خطاب نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم، وكان واضحًا لأي مراقب سياسي أن تعليق الجميل على كلام الشيخ قاسم لم يكن في المضمون، إنما بنيّة مسبقة لمهاجمة كل ما يصدر عن الحزب، حتى لو تحدث حزب الله بلغة وصفتها وسائل إعلامية بأنها من نفَسِ ما عُرف بثورة الرابع عشر من آذار، وقد حمل قاسم في خطابه شعاراتها، وأبرزها الحديث عن لبنان السيد الحر والمستقل. طبعًا، ورغم رفع السقف من قبل الجميل، لم ينجرّ الحزب الى ردٍّ على الرد.
ليس هذا فحسب، فإن استقالة وزير الإعلام جورج قرداحي والتي أتت عكس رغبة الحزب، لم تدفع به إلى مواجهة ضمن معركة انقسام الآراء حول جدوى الاستقالة من عدمها. وقد أثبتت الاستقالة نفسها ما كان قد تحدث به الأمين العام السيد حسن نصر الله.
كما أن الاستقالة لم تغيّر في الخطاب الخليجي والسعودي على وجه التحديد تجاه لبنان، لا بل إنها ترافقت مع بيانات عالية اللهجة طالبت بحصر السلاح ضمن الدولة، الأمر الذي يعتبره حزب الله شأنًا داخليًا بحتًا. ورغم ذلك، لم يعلّق الحزب ببيانٍ رسمي.
حتى الهستيريا التي ضربت رئيس الحكومة نجيب ميقاتي على أثر المؤتمر الصحفي الذي عقده ناشطون من جمعية الوفاق البحرينية المعارضة تجاه ارتكاباتِ نظام آل خليفة، لم تلقَ هي أيضًا تعليقًا رسميًا من المقاومة التي ومع اندلاع الثورة في المنامة وضعت مظلومية الشعب البحريني كما اليمني على سلم أولوياتها، ليستكمل وزير الداخلية بسام المولوي حفلة الجنون مطالبًا الأمن العام بترحيل النشطاء البحرينيين الذي عقدوا المؤتمر الصحفي، ضاربًا ميزة لبنان باعتباره مركزًا للحريات حول العالم. هذا الموقف ولغاية تاريخ كتابة المقال لم يواجه ببيان رسميٍّ هو أيضًا من حزب الله.
وبالعودة الى ملفات لبنان الداخلية، وعلى رأسها ملف المحقق العدلي طارق البيطار، الذي أصدر طلب ملاحقة بحق النائب علي حسن خليل، فهذا الأمر أيضًا لم يعلق عليه الحزب ببيان رسمي، رغم اعتباره معركة كف يد البيطار معركته هو، وقد أخذ على عاتقه بالتنسيق مع حركة أمل قرار تعطيل انعقاد الحكومة لغاية حل هذا الملف.
الى ذلك، كان مشروع قانون الكابيتال كونترول، وما يمثّل من صك براءة للذين هرّبوا أموالهم الى الخارج، ورغم ارتباطه بملف التفاوض مع صندوق النقد الدولي، إلا أنه كان مجرد مشروع أسقطه حزب الله بالتصويت في اللجان المشتركة، دون أن يستعمله مادة في المواجهة السياسية التي يقودها حلفاء الحزب وخصومه على السواء.
وقد كاد الدولار يلامس الثلاثين ألفًا لأول مرة في تاريخ لبنان، ورافق هذا الارتفاع غياب رسمي عن أي إجراء سوى اجتماعات حاكم مصرف لبنان رياض سلامة للجم الارتفاع، والذي لم تستمر فعاليته سوى لبضع ساعات، هذا الأمر أيضًا لم يدفع حزب الله نحو أي مواجهة في السياسة.
كل ذلك وأكثر دفع البعض الى السؤال عن موقف الحزب، والى استغرابهم غياب أي موقف رسميٍّ له. بيدَ أن حزب الله ليس من عادته الغياب عن كل الاستحقاقات التي ذكرت سابقًا، لكن معرفة عقليته جيدًا تدفع نحو خلاصة واحدة: هذا الهدوء الذي يظهره حزب الله يستبق عاصفة مواقف وإجراءات سيتخذها الحزب في اللحظة المناسبة، ولن تكون بعيدة مع تسارع التطورات المحلية والإقليمية.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.