لعل لأغلب القوى السياسية في لبنان مرجعيات وعلاقات خارجية يُحرّكها الخارج كما يريد وفقاً لمصلحته. لكن لم نعهد أن نرى صورة معاكسة، أي كيف تستفيد القوى الداخلية من علاقاتها الخارجية لمصلحة لبنان، إلا في زمن حزب الله الذي خبرناه بتجربتين: الحرب العسكرية والحرب الاقتصادية.
الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله تحدث كثيرًا عن عطاءات حلفائه وتحديدًا إيران وسوريا، من البدايات وحتى تحرير الجنوب عام ٢٠٠٠ مرورًا بانتصار تموز ٢٠٠٦ وصولًا الى التحرير الثاني عام ٢٠١٧.
خلال هذه السنوات لم تقتصر التقديمات فقط على الدعم العسكري، كانت هناك مساهمة بإعادة الإعمار خاصة بعد حرب ٢٠٠٦ وعروض إيرانية إنمائية عديدة لم تقبل بها الدولة اللبنانية خوفًا من الأميركي. لكن مع اشتداد الأزمة الاقتصادية والمعيشية في البلد خاصة بعد السابع عشر من تشرين الأول عام ٢٠١٩ وإعلان الحرب الاقتصادية على لبنان وفرض الحصار الأميركي ومقاطعة العديد من الدول الغربية والعربية، وتحديدًا الخليجية، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، كان لا بد من التعاطي بطريقة مختلفة مع العروض الإيرانية المتكررة، حتى وصل الأمر بالسيد نصر الله إلى القول بعد إخفاء المحروقات من السوق اللبناني إنه سيجلب المحروقات الايرانية الى مرفأ بيروت “وخلّي الدولة اللبنانية تمنع”.
السياسة التي اعتمدها الأمين العام لحزب الله للخروج من الأزمة مبنية على ثلاث ركائز: مخاطبة شعبه وإيضاح الصورة لهم، وطرح الحلول الداخلية وإيجاد بدائل، والاستعانة بحلفائه للوقوف الى جانب لبنان في حين أن حلفاء باقي القوى تُعاقب وتُحاصر البلد وتمنع مد يد المساعدة إليه من سواها (يعني لا بترحم ولا بتخلّي رحمة الله تنزل). واللافت أن هذه القوى لم تدفعها الأزمة في البلد الى تغيير أدائها، فبقيت على رضوخها وخوفها ولم تجرؤ على معارضة الولايات المتحدة وغيرها، وأكثر من ذلك مارست الأخيرة الضغط والحصار الداخلي. هذه المرة كان على حزب الله حسم قرار المواجهة الذي أخذه على عاتقه كعادته بعدما تخلّت الدولة عن مسؤوليتها مرة جديدة فصدر قرار كسر الحصار ودخلت قوافل المازوت الإيراني الى لبنان عبر سوريا في وضح النهار، ولم يجرؤ أحد على اعتراضها لا خارجيًا ولا داخليًا، قوافل أنقذت الشعب اللبناني من خنوع الدولة وظلم المحتكرين، وكانت خطوة كلّفت حزب الله في مرحلتها الأولى أكثر من ١٠ ملايين دولار بين هبات مجانية بلغت مليونين وستمائة ألف دولار وكلفة فارق المازوت المدعوم التي بلغت سبعة ملايين وسبعمائة وخمسين ألف دولار.
هذا بالإضافة الى كلفة المرحلة الثانية التي تبدأ مع بداية كانون الأول حيث سيُقَدَّم المازوت للتدفئة للقاطنين في القرى الواقعة على ارتفاع 500 متر فوق سطح البحر وما فوق، وسيكون السعر للبرميل الواحد أقل بمليون ليرة عن السعر الرسمي، وسيتم التوزيع عبر البلديات.
هذه التكلفة لن تقتصر على ما يبدو على المحروقات؛ فمن المنتظر أن يغرق السوق اللبناني بالدواء الإيراني الذي أصبح متوفرًا كما المواد الغذائية الإيرانية لتخفيف معاناة الناس.
وبالإضافة الى كل هذه التقديمات لم تتوقف العروض الإيرانية عبر الدولة رغم تجاهلها لها، والتي كان آخرها العرض الذي قدّمه وزير خارجية ايران حسين أمير عبداللهيان خلال زيارته الى لبنان، والذي يتضمن إنشاء معملين لتوليد الطاقة الكهربائية خلال ثمانية عشر شهراً وبالليرة اللبنانية، بعد أن أُصيب لبنان بالعتمة الشاملة، فلا دولة تجاوبت ولا شارع لبناني تحرّك.
وحتى مد الغاز والكهرباء الى لبنان سيتم عبر سوريا حليفة المقاومة، وكذلك النفط العراقي الذي قُدِّم من خلال التنسيق مع الأخيرة.
إذًا، نحن أمام نموذج مختلف وجديد على الساحة اللبنانية، نموذج يُعلِّم كيف يتعامل القادة لإنقاذ بلادهم من الأزمات أو لمواجهة الحروب مهما كان نوعها. التجارب كثيرة والصور واضحة ومن ينكرها أو لا يراها أعمى البصر والبصيرة.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.