بعد فشل الرهانات والخيارات بالتخلّص من حزب الله على الصعيد العسكري والأمني والسياسي، يشهد لبنان في السنوات الأخيرة معركة إعلامية – فكرية خبيثة وضخمة على مواقع التواصل الاجتماعي موجّهة نحو جمهور المقاومة، اشتدّ وطيسها وكشّرت عن كامل أنيابها بعد حراك ١٧ تشرين، مستغلّةً الأوضاع المعيشية والاقتصادية الصعبة، وتجسّد ذلك بمنصّات مموّلة علنًا من بعض الدول الغربية والعربية، ومنها ما لا تزال تتسابق الى تقديم أوراق اعتمادها وتبنّيها.
قد تبدو منصّة Political Pen لصاحبها “بيار نحّاس” الأكثر خبثًا من بينها، فهي تعمل على استراتيجية التضليل والتزوير المعلوماتي (هو ساحة قتال القرن الحادي والعشرين بحسب عالم الأعصاب جايمس غيوردانو). آلية العمل بالنسبة لهذه الصفحة بسيطة جدًا، تقوم على تقديم سرديّة معيّنة حول حزب الله أو حلفائه أحيانًا، فتعيد تكرارها طوال الوقت بطرق وأوجه مختلفة، الى أن تصبح حقيقةً مهما بلغ كذبها.
بدهاء، يعمل نحاس على ٣ أهداف: أولًا، عزل حزب الله عن الهوية اللبنانية عبر بثّ خطاب الكراهية وتأليب الرأي العام ضد الحزب، والشواهد كثيرة، مثلًا تقتبس الصفحة من الخطاب الاخير للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الجزء المتعلق بالمئة الف مقاتل، وتقوم بإظهاره على أنّه تهديدٌ للبنانيين، بكثيرٍ من الخبث والبساطة.
ثانيًا، تعمل الصفحة على إظهار حزب الله على أنه سبب الأزمة الاقتصادية بحمايته للسلطة، وتقدّم الحل للمتابعين عبر خلاصة مختصرة: التخلص من الحزب يعني التخلص من السلطة.
ثالثًا، يستقطب الحساب المشبوه الرماديين والعدد الممكن من بيئة الحزب، مستعينًا بإشكاليات تترك لهم التشكيك بخيارات الحزب، كيف؟ ببساطة تنشر نصف الحقيقة وتحرفها أو تقتبس ما يمكن أن تستغله من خطابات واحداث وتضعها في قالبٍ تستثمره بمواجهة حزب الله.
ليس هذا فحسب، يضع نحّاس (صاحب المنصّة المذكورة) مع فريق عمله المنظّم (معروفي الأسماء والخلفيات) ثقل مجهوده على صفحته على تطبيق انستغرام التي وجدها أرضًا خصبةً بدون منافسٍ أو مواجه، مستغلًا تواجد ونشاط المراهقين والشباب، خصوصًا بين اعمار ١٥-٢٤، مُستفيدًا ممن بدأ يتشكل وعيه، أو بدأ يتابع الأخبار مع بداية احداث ١٧ تشرين، مع علمه بكسلهم في متابعة التلفاز أو التدقيق في الأخبار، لذا يعتقد بيار أنه يستطيع ضخّ الأفكار وتشكيل الوعي الذي يعمل عليه بأريحيّة تامة، وهذا ما فعله ويفعله دون رقيب أو حسيب.
يسوق نحاس لصفحته باستخدام خطابٍ قريبٍ من الشبان، يقول لهم إني أفهم وجعكم، وأخاطبه وأنا واحدٌ منكم، وسأكون الناطق باسمكم. محترفٌ هذا الرجل في لعب دور المنافق على أكمل وجه، عبر اظهار مظلوميته مدعيًا نقاء الحقيقة والمنطق.
أيضًا وأيضًا، يراسل بيار نحاس متابعيه خصوصًا الذين يملكون عددًا كبيرًا من المتابعين، لتنسيق الدعم والترويج على أنّ منصته ستقول ما لا يستطيعون قوله.
طبعًا، من باب الصدفة! يستهدف صاحب حساب political pen حزب الله فقط، ومن بين عشرات الانتقادات للحزب، يمرّر انتقادًا خفيفًا لحزب آخر. لا يريد بيار الاكثار من خصومه! وهو يستعمل أسلوب الهجوم الناعم والمبطن، من خلال نشر فيديو قديم مجتزأ للحزب يعود الى عشرين او ثلاثين عامًا للوراء، ويورط متابعيه بالحكم عليه طارحًا سؤال “ما رأيكم” او “تعليقكم”، كسؤالٍ بريءٍ وعفوي لا دخل له بما يُكتب وكأنه ليس من يسلط الضوء عليه، أو يورط جيلًا كاملًا بالحكم على خطابٍ مزوّرٍ ومحرّف.
ليس ذلك فقط، بل هو مهتمٌّ أيضًا بتسليط الضوء على الأصوات الشيعية المعارضة، كالمعمّمَين صبحي طفيلي وعلي الأمين، نديم قطيش، ديما صادق، رياض قبيسي وغيرهم، ثم يكرر ما ينشره هؤلاء ولو نشر ذلك أكثر من مرة، المطلوب أن يشكّل حديثُهم استفزازًا وبلبلة. هدفه اثارة النعرات وتجييش الناشطين ضد الحزب وتبيان الشخصيات اعلاه عين المنطق والحقيقة، والترويج لأفكارهم على انها المعيار في تحديد الرأي العام من أي قضية تطال حزب الله.
يدّعي بيار نحاس أنه من جيش العقل والمنطق والدفاع عن الحقوق والحريات والتعبير والنسوية، لكنّه عند “القطعة” وقلّة التفاعل، ينمّط الشيعة المؤيدين للمقاومة ويصفهم بالـ”جهلة والأغبياء” وينشر فيديوهات تظهرهم على أنهم خارج الطبيعة.
كلنا نتذكر كيف يقوم النسوي نحاس بنشر فيديوهات لزهراء قبيسي، وهي معروفة الانتماء، للاستهزاء بها، واطلاق الشتائم والتعرّض لكرامتها وكرامة من تتّبعهم سياسيًا، في خطة لتهشيم بيئة الحزب.
تطول سرديات هذا الرجل الفلتة، فهو يحاول تعيير المقاومة بأنّها لا حاجة لها طالما أن لبنان في ازمةٍ اقتصادية وسياسية، في المقابل، يعيش الكيان الغاصب مرتاحًا. هو اختار المقارنة بخبثٍ بين صورتي لبنان المأزوم والكيان الصهيوني المتقدم! الغاية باتت واضحة، الترويج لفكرة السلام والتطبيع لتصبح مألوفة لدى متابعيه.
لم يكتفِ بيار بالهجوم السياسي، بل أيضًا هدفه “هدم الاديان”، مشروعه طويل ومتشعب، يستهزئ مثلًا بالحجاب و العقائد الدينية، ويتناولها بنقاشٍ “علمي” لإقناع الآخر بأنها أفكارٌ رجعيّة وعليه بتركها. لا يقتصر مجهوده في هذا السياق على منشورٍ من هنا أو صورةٍ من هناك، فهو أطلق مؤخرًا حواراتٍ ولقاءاتٍ عبر تقنية zoom، أو حتى على مجموعته عبر تطبيق واتساب.
يخاف بيار (الذي كان يعتزّ بمعرفة صالح نهاد المشنوق) ممّن يدحض كذبه أو يفضح مشروعه أو ممن يشكل تهديدًا لأهداف صفحته التي استثمر بها لأربع سنوات، فيقوم بين الفترة والاخرى بإحصاء (yes/no) عبر حسابه على انستغرام، لاستطلاع الآراء حول حزب الله، ومن يصوّت لصالح الحزب أو امينه العام يقوم بحظره. هو لا يريد رأيًا آخر عنده. حتى أنه بدأ في الآونة الاخيرة بخطوات استباقية، لحماية محتواه من المواجهة، فبدأ يدخل الى الصفحات التي تكشف أكاذيبه، ويقوم بحظر متابعيها.
يتمنّى ويجتهد بيار نحّاس لتتحول كل هذه الرسائل المضلِّلة والموجّهة نحو الجهاز الادراكي للمتابع إلى «حقائق» يبني عليها آراء ومواقف سياسية، لكنّ وعلى الرغم من التفاعل والعدد الكبير من المتابعين الذي يحظى به، إلّا أن هذا الأسلوب الرخيص والتافه لم يعد ينفع كالماضي، لأن كمية الوعي الذي تشكّل في مواجهته مذهل. بيار نحّاس نقيضه تحصين البيئة والوعي، لذا فإنّ المبادرات الفرديّة المشكورة عملت وتعمل على هدم مشروعه وأجندته الخبيثة، وهي تتوسّع وتنجح يومًا بعد يوم، وقد عملت على توعية من وقَعَ ضحيّة نفاقه، ولفت النظر الى خطورة ما يقوم به.
إنّ كل ما حصل ويحصل في الايام الماضية بدأ يُشعر بيار نحاس بالإحباط واليأس والحيرة من أمر صفحته وحيال مصيرها، وهو ما بات ينشره ويعلنه في تسجيلاته الصوتية التي انتشر عددٌ منها مؤخرًا. في المقابل، يصدح صوت الحقّ مطمئنًّا.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.