دون مقدمة، لسنا معنيين بمن حاول مذهَبة ما حدث اليوم. بيئة المقاومة ليست بحاجة لإثبات لامذهبيتها ولاطائفيتها في مقاربة أيّ حدث. وبالتالي، لسنا بحاجة إلى تأكيد المؤكّد. أتذكرون “بلشوا بالعملا الشيعة”؟ هذه الجملة تكفي دليلًا أبد الدهر على نقاء هذا الخطّ وتعاليه عن وحول المذهَبة التي رُصدت لتحريكها مليارات الدولارات وآلاف العقول الخاوية.
ما حدث اليوم كان ثقيلًا على قلوبنا. صحيح لم يصدمنا المشهد، ولم نكن يومًا واهمين بما يتعلّق بوجود أنذال جاهزين لطعن المقاومة بظهرها، لكنّه يبقى مؤلمًا.
نحن نعلم أن شتم المقاومة الذي تعدّه قلوب الطاهرين كبيرة لا تُغتفر، بات، بأمر سفاراتيّ، عدّة عمل يحملها الكثيرون تحت عنوان الرأي الآخر، لينالوا حظوةً بخارية أو وسامًا من رائحة شيّا. ونعلم أن للشتم أهله وبيوته، ونباهي أنّ فينا ما يكفي من المتانة الأخلاقية لكي لا نردّ الإساءة بمثلها، لا سيّما وأنّنا أهل مقاومة تقارع أسياد الصغار الشتامين، وتهزمهم.
ونعلم أن التعرّض لمقاومٍ، كشف وجهه عبر كاميرات السفاهة والاعتداء عليه ولو بنظرة، يُصنّف في معاييرنا النقيّة جدًا خيانة عُظمى، ومشاركة علنية للصهيوني في قتلنا. ونعلم أيضًا أنّنا لو استطعنا إلى السيارة الشريفة سبيلًا للثمناها بضوء أعيننا، ولواكبنا عبورها بالضلوع ولنصبنا حول مسارها من قلوبنا سواتر.
في اللحظات التي كنا نتابع فيها تثبيت معادلة الردع، ونفرح، ويفرح كلّ قلب طاهر، لا ننكر أنّنا اختنقنا بالغصّة عند رؤية وجه عزيز لنا، وجه من وجوه آثرت الخفاء واحترفت السرّ ولا يُزاح عنها اللثام إلّا متى رُفع أصحابها إلى رتبة شهيد.
بدا الزمان في تلك اللحظة صخرة استقرت فوق قلوبنا. هذا البطل الذي نظر حوله حائرًا، وحافظ على هدوئه وتهذيبه، وخاض امتحان الصبر والبصيرة أمام الكاميرات، أعادنا إلى مشاهد عابرة للزمان. لحظة من غربة مكتملة في مواجهة من نذرتَ روحك ووجهك وتعبك سرًّا يحميهم، هي بلا شك لحظة ثورية بكلّ المقاييس.
حين تكاثر عليه الجمع الجبان، علت أصوات تدين النذالة وتعتذر باسم الشرفاء عمّا فعله السفهاء. كان المشهد لبنانيًا بامتياز؛ يحوي أعلى الطهر المقاوم، وحضيض الخيانة.
قال الأنذال في فورة حقدهم كلّ ما يشبههم وكلّ ما يعكس وجودهم بحقيقته في قعر القِيم والأخلاق. لكنّ أحدهم تحدّى نفسه ببلوغ الدرك الأسفل من الحقارة، إذ كان يدعو الموجودين بلؤم جبان أن يحطموا السيارة الحاملة الشرف العظيم. وآخرون كانوا يستشيطون غضبًا وخوفًا كاذبًا على بيوتهم وهم أشدّ العارفين أنّ المقاومة هي الجهة الأحرص على الحياة وعلى الأرزاق وعلى البيوت، وبالتالي يعلمون جيّدًا أن صاروخًا لم يُرمَ بالقرب من المناطق المأهولة. لكنّ مخاوفهم تلك مناسبة لنذكّر كل العالم، أنّ بيوتنا نحن أشرف الناس تتمنى لو تحتضن كلّ سلاح المقاومة وتصونه بعيون أهلها، وأنّنا، نكرّر في كلّ يوم ما قالته شريفة تدعى الحاجة كاملة سمحات: فدا المقاومة.
لا داعي إذًا لأي مقارنة بين أهل الشرف وبين حفنة أنذال أطاعتهم نفوسهم على شرب عارٍ لا يُغسل. لقد عاد أقمارنا سالمين غانمين، تلفهم عيون أهلهم بألف ساتر يحفظ سرّهم العظيم. أما تلك الحفنة المتسخة بعارها فستقضي ليلها ولياليَ آتية بمحاولة استثمار ارتكابها عند أعتاب سفارات التصهين، ولعلّ منهم مَن سيذكر ذلّ العملاء ذات أيار فيعي بشاعة ما ارتكب ويدرك أنّه رخيص في عيون أبناء قريته وبلده، وأشدّ رخصًا في عيون من قدّم لهم اليوم خدمة مجانية، ربّما.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.