الإعلام بين الكرامة والتطبيع: معركة لا تعرف الحياد

249

الإعلام عند العدو أداة استراتيجية مدروسة: يُوجَّه، يُموَّل، ويُحلَّل لتمزيق منظومتنا المعنوية وتشكيل وعي مضاد. هم يقرؤوننا لقياس نبض الشارع، يترصَّدون لحظات الضعف، ويستثمرون أي تنازل لبناء روايات تبرّر جرائمهم. فهمنا لهذا الدور هو بداية المواجهة الحقيقية.

عندما تتحول الكلمة إلى ساحة قتال، يصبح كل عنوان قرارًا، كل تحقيق أداة فضح، وكل مادة صحفية ساحة اختبار لقدرتنا على المواجهة. الخصم لا يخشى القوة العسكرية فقط، بل يخشى قدرة الخطاب على كشف أكاذيبه وقطع مفاصل شرعيته الإعلامية.

الإعلام الإسرائيلي يعمل باحترافية على إنتاج سرديات موجهة للفئات التي يريد استقطابها، بصياغات وتقنيات رقمية تستهدف العقل قبل الشعور. لذلك واجبنا أن نكون أكثر احترافًا: تحقيقات تكشف الشبكات، ملفات توثق التمويل، وتغطية تُحرمهم من مفردات التضليل.

أما الإعلام الأميركي فله القدرة على تحديد الأولويات في المشهد الدولي؛ ما يُعرض على واجهاتهم قد يصبح عالميًا أو يُحذَف من الذاكرة. لا نكتب لأجل التعاطف هناك، بل لنفضح التعتيم ونثبت الحقائق التي لا تختفي بالسكوت أو الإهمال.

لدينا حرب وجودية: إما أن نحيا أعزّاء وإما أن نساق إلى الذل. هذا المعيار يجب أن يوجّه كل مقال وخطاب؛ من يغضّ الطرف يتحمّل مسؤولية تاريخية لا تُمحى. الكرامة أولويتنا، ولا مساومة عليها تحت أي ذريعة.

قوّتنا لا تكمن في الضجيج بل في الدقّة: وثائق، شهادات، تسجيلات، وتحليل يقطع الطريق على التلاعب. خطابنا الفعّال يجمع بين الحدة والدليل حتى لا يتحوّل أي خطأ إلى مادة استثمارية لدى العدو.

نعيش زمنًا تُرتكب فيه الانتهاكات على مرأى العالم، تُقصف البيوت ويُقتل الشباب والأطفال، وتُكمم الأفواه باسم “الديمقراطية”. تُنتهك السيادة وتُحاصر الشعوب بالمال والإعلام معًا، فيما يقف الصمت الدولي متواطئًا مع الجريمة.

وأمام هذا المشهد، أتمنى أن يكون للإعلامي صوتٌ مدوٍّ أكثر وأكثر، في وجه ما يُدار خلف الكواليس، وفي مواجهة انتخابات تُزيَّن بالشعارات وتُدار بالمصالح. أن يكون الإعلامي نبض الناس لا أداة السياسيين، وأن تبقى الكلمة حرة، شجاعة، وموقفًا لا يُشترى.
فهل يبقى للإعلام معنى إن سكت حين يُهان الوطن؟

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع

التعليقات مغلقة.