لم يكن صباح السابع من تشرين الأول / أوكتوبر صباحًا عاديًا في عيون الفلسطينيين والعالم بأسره، ولن تكون صورة “إسرائيل” المجرمة بعد هذا اليوم، هي نفسها في عيون أصدقائها وأعدائها.
سقطت هيبة “الجيش الذي لا يقهر”، وداست أقدام المقاومين البواسل على فتات هذه الهيبة الكرتونية، لتكون بذلك مراهنات حلفاء هذا الكيان الجرثومي الخبيث قد سقطت إلى غير رجعة، وليزداد معها فخر الأمة بأبطالها المقاومين وشجاعتهم وعزمهم على حفظ ما تبقى من كرامة وعروبة.
كل ما في هذه الحرب كان مختلفًا، كان مفاجئًا وصادمًا، وكانت بصمة الحنكة العسكرية الإبداعية ظاهرة جدًا فيه، والأمر لم يقتصر حتمًا على التكتيك القتالي والعسكري، بل شمل ذلك كل جوانب المعركة. وقد كان للحضور الإعلامي دوره الكبير جدًا في نقل وقائعها، وتصويب الأبصار والعقول نحو الحقيقة، ولا سيما الإعلام الحربي الذي كان عين المشاهد، والشاهد الحي على بطولات المقاومة وانتصاراتها من جهة، والهزائم الجسيمة التي تكبدها العدو الصهيوني من جهة أخرى.
لم يغب الإعلام الحربي عن المشهد طيلة فترة الصراع القائمة بين المقاومة الفلسطينية والعدو الإسرائيلي، ومع انطلاقة المقاومة كان الإعلام شريكًا للبندقية والمدفع، ولا زال مكونًا أساسيًا من مكونات المعركة، يخشاها العدو كما يخشى أي جانب آخر.
وبالحديث عن معركة “طوفان الأقصى” التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية في السابع من أوكتوبر الحالي، فإن الإعلام الحربي كان المصدر الأساس في توثيق الأحداث وتفاصيل المعارك، وتبيان إنجازات وانتصارات المقاومة بكل الميادين ونقاط القتال، ومدى جهوزيتها واستعدادها، وذلك في سبيل تقوية وتعزيز ونشر كل ما من شأنه رفع الروح المعنوية والنفسية لدى المقاتلين فضلًا عن تحصين الجبهة الداخلية للشعب وتمتين الثقة بينه وبين المقاومة.
بالإضافة إلى ذلك، لم يقتصر دور الإعلام الحربي منذ بداية المعركة على نقل وتوثيق ضربات المقاومة وإنجازاتها وحسب، بل كان حاضرًا دائمًا في صفوف المقاومين وبين المدافع، وفي نقل وبث الخطابات العسكرية والأمنية والسياسية المسجلة والمباشرة للقادة العسكريين في المقاومة والتي تشكل رسائل عميقة وضاربة قادرة على هز جبهة العدو وزعزعتها.
من ناحية أخرى، وإلى جانب الإعلام العام المرئي والمسموع فإن الإعلام الحربي هو أيضًا شريك أساس في نفي وتبديل الصورة الإعلامية البشعة والإجرامية التي يظهرها الإعلام الصهيوني ومعه الإعلام الغربي وجزء من الإعلام العربي المتخاذل عن المقاومة، فتبديد الرواية التحريضية التي يبثها العدو الصهيوني عند كل حدث أو معركة هي واحدة من مهام “الجيش الإلكتروني الحربي”، وقد أثبت هذا الإعلام كفاءته ومصداقيته في نقل الوقائع حتى بات المجتمع الصهيوني يعتمده كمصدر موثوق لمعرفة الوقائع، وبات هذا المجتمع المتصدع يثق بما تقوله المقاومة لا بما يصرح به قادة الكيان المنهزم.
الأمثلة على ذلك كثيرة، وهي لا تقتصر فقط على النماذج البطولية التي شهدتها وتشهدها معركة طوفان الأقصى، والتي تركت أثرًا نفسيًا ومعنويًا كبيرًا عن جماهير المقاومة من جهة، ورعبًا وقهرًا ومرارة في نفوس العدو من جهة أخرى، ولعل “تاسعة البهاء” هي واحد من أعظم هذه النماذج التي ستبقى عالقة في ذهن كل مستوطن مغتصب.
والجدير بالذكر، أن دور الجبهة الإعلامية الحربية لم ينحصر فقط في هذا السياق على الدفاع عن صورة المقاومة وتوضيح معالمها الحقيقية الميدانية، بل تعدى الأمر مراحل الدفاع إلى الهجوم واقتحام منصات وحصون العدو الإلكترونية والدخول إلى العمق ونقل صورة الهزيمة التي حاول ويحاول العدو جاهدًا التعتيم عليها إعلاميًا.
ومما لا شك فيه، أن دور الإعلام الحربي لا ينحصر فقط بالفترة الزمنية التي تدور فيها المعركة، بل إن متابعته لمجريات الأمور تكون شاملة، لما قبل المعركة وأثناء وقوعها ولما بعدها، في محاولة لاستقراء الأمور ومجريات الأحداث وتطوير التكتيكات الإعلامية الحربية والاستفادة من نقاط ضعف العدو واستغلالها في أي معركة أخرى.
يمثل الإعلام الحربي اليوم وجهًا حاسمًا من وجوه الحرب، ومما لا شك فيه أن العدو الصهيوني المتغطرس يهيئ جيوشه الإلكترونية وإعلامه العسكري لأي مواجهة في الميدان الإعلامي والإلكتروني، إلا أن كل خبراته وأدواته وتكنولوجيته الفائقة التطور، لم تستطع إسكات صوت الحق ومواجهة إعلام المقاومة الحربي، وما تسطره المقاومة العسكرية اليوم في فلسطين من انتصارات مكتوبة بالدم، كان ولا زال هذا الإعلام المقاوم جزءًا ثابتًا منها.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.