هدى رحمة – خاص الناشر |
يتفطر القلب على مشاهد القهر في سوريا. يخرج الوجع من تلك الصور والمشاهد ليتسلل إلى قلوبنا ويعصرها. آهٍ على آلاف القصص التي عُرفت والتي ستُعرف، وآهٍ على القصص التي ستبقى تحت الركام. يا لكلمة الركام كم صارت مُثقلَةً بصوَر البشر المعذبين أصلًا.
لم يتنفس السوريون بعد من حربٍ كونيةٍ فتكت بهم وحوّلت بلدهم إلى ردم. لم ينفضوا بعد الغبار عن ذكريات فقدهم من تلك الحرب اللعينة، التي لا زالوا يعانون من آثارها. والآن زلزلت الأرض تحتهم، والبيوت هبطت فوقهم وهم نائمون. منهم من بقي نائمًا للأبد، ومنهم من نشلوه بعد ساعة، وبعد ساعات، وبعد يوم، وبعد أيام. في هذا البرد القارس كان هؤلاء -إلى أي فئةٍ عمريةٍ انتموا- يلتحفون الحجارة والجدران الثقيلة. هذا الركام الذي أطبق على أجسادهم وصدورهم لمدة، سيرافقهم مدى الحياة. أطفال تيتمت، أمهات أثكلت، عائلات اندثرت بأكملها عدا فردٍ منها، أبٌ خاطب ابنه الرضيع بقية عائلته والذي التقاه بعد أيام من تلك المأساة “ما بقدر إحملك يا بابا تقيل عليي”. ثقيلٌ ما حدث، يُطبِقُ على الروح، يُنهِكُ الجسد. أرض الياسمين صارت غصة القلب، ووجع الروح على ظلمٍ بعد قضاء.
صارت سوريا بعد مأساة الزلزال أوضح امتحانٍ للإنسانية، حيث سقط الخانعون الخاضعون الخائنون، ونجح الشرفاء. عند أكوام الحجارة في سوريا صُنِّف البشر، بين من قلوبهم من لحمٍ ودم، وبين من قلوبهم من حجر.
سوريا. طائر فينيقٍ نهض بعد مؤامراتٍ وسنوات حربٍ طوال، وسينهض بعد هذا الزلزال. هو الشعب الذي يريد الحياة، وهي قدرة الله التي وهبت الحياة لجنينٍ ماتت أمه وولد هو من تحت الركام والموت، هو الله الذي يُخرج الحي من الميت.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.