التدخل السعودي في لبنان

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

مقدمة
ظل لبنان، على مدى طويل أحد الدول التي تقع ضمن دائرة الرؤية الإستراتيجية السعودية ومحور اهتمامها الكبير بالرغم من كونه دولة لا تمس العمق السعودي، يأتي السؤال طارحا نفسه ما هي الفائدة الحقيقية للعلاقات السعودية اللبنانية؟ في واقع الأمر ترى السعودية بوصفها زعيمة العالم السني في المنطقة أنها في حالة حرب مع ما تسميه النفوذ الشيعي الإيراني في لبنان المتمثل بحزب الله. لم يذكر للسعودية دور بارز في قرن الخمسينات أو الستينات الماضي في لبنان حيث كان الفعل للرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر الذي لم يكن على وفاق آنذاك مع سياسة المملكة العربية، ويعرف للراحل عبد الناصر دوره في استقطاب أهل السنة في لبنان الذين لبّوا دعوته للوحدة العربية. ونشأ عن التأييد الاسلامي السني له الحركة الناصرية التي سرعان ما انحسرت بعد وفاته عام 1970.

والجدير بالذكر أن الراحل عبد الناصر كان بالنسبة لآل سعود أشرس عدو واجهوه طيلة حُكمهم، وذلك لما مثله من دورٍ قومي مؤثّر ضدّ عملاء أميركا التاريخيين في المنطقة، وتأتي دولة آل سعود في طليعتهم ولما مثله من تهديد جدّي لأدوارهم في المنطقة وبخاصةٍ تجاه اليمن وفلسطين والعراق. تكشف وثائق غربية عن دور السعودية في الاغتيال السياسي والمعنوي لعبد الناصر والذي امتد إلى محاولات المؤامرات المزعزعة للاستقرار الوطني العام ولشخص عبد الناصر أيضاً، قامت السعودية منذ 1952 وحتى 1970 بتنفيذ 11 محاولة تخريب ضد عبد الناصر ونظام حكمه.

تقدم الدور السعودي لاحقا إبان الحرب الأهلية التي اشتعلت في لبنان عام 1975، واستمرت خمسة عشر عاما. وبمبادرة سعودية نجحت المملكة بجمع النواب اللبنانيين في مدينة الطائف بين (30 أيلول و22 تشرين الأول عام 1989) حيث رعت الاتفاق الذي حمل اسم المدينة وأنهى الحرب بعد عام. وبرز الدور السعودي أكثر إذ تركزت الخطوة الثانية للرياض في المرحلة التي تلت وقف الحرب في لبنان، لتركيز الدور السعودي سياسيا وماليا، بذريعة إعمار لبنان وبناء ما تهدّم، وذلك في عهد حكومات رفيق الحريري من عام (1992الى 2005) الذي كانت تربطه علاقات وثيقة مع قادة المملكة. واستمر الدعم السعودي لوريث الرئيس السياسي، نجله سعد الحريري، على أمل إتمام التطلعات السعودية في لبنان التي تعرقلت سابقًا، أو جمّدت. بيد أن السنين اللاحقة وتحديدا مع عدوان تموز 2006 انعطف معها الخط البياني للأمل السعودي في نجاح النفوذ والتأثير، فلجأت المملكة إلى أساليب متنوعة اتسمت بضعف الجدوى بدليل وصولها إلى مرحلة الانعكاف عن دعم الرئيس الحريري، بعد عجزه عن تحقيق الأهداف السياسية السعودية خلال عقد كامل.

السياسات السعودية في عهد الرئيس رفيق الحريري
رفيق بهاء الحريري من رجال الأعمال العرب الذين رعتهم السعودية وعمل فيها، واستحوذ على نفوذ قبل وخلال تولّيه رئاسة الحكومة. حظي باحترام وثقة الأسرة السعودية الحاكمة، وحصل على الجنسية السعودية عام 1978. ووفقا لمحمد حسنين هيكل، فان رفيق الحريري أصبح رئيسا لوزراء لبنان عام 1992 وهو سعودي الجنسية ولا يحمل الجنسية اللبنانية. وكان خلال الثمانينيات قد عمل كمبعوث شخصي للعاهل السعودي الملك فهد في لبنان، كما كان له دور بصياغة اتفاق الطائف لاحقًا. واستطاع ترتيب صلاحيات منصب رئيس الحكومة، وسحب أغلب الصلاحيات من يد رئيس الجمهورية المسيحي الماروني.

كان المشروع السعودي واضحا في لبنان وهو جعل المسلمين السنة أسياد البلد السياسيين، وتوطين الفلسطينيين في لبنان؛ وعقد اتفاقية سلام مع العدو الصهيوني بناءً على المسار الذي بدأ في مؤتمر مدريد، وابقاء المسيحيين كواجهة للعمل في ادارة لبنان وذلك يعود للطابع الذي فرض على لبنان بعد الانتداب الفرنسي والتمييزات التي قدمها الانتداب الى الطائفة المسيحية في لبنان. أغرق المشروع الدولة اللبنانية بالدين العام بالإضافة الى مشاريع البنى التحتية التي قام بها الرئيس الحريري، الأمر الذي زاد من الضغوط على الساحة السياسية الداخلية، إلى جانب السياسات المالية التي فرض من خلالها النتائج الاقتصادية التي وصلنا اليها اليوم، والمراد من هذا كله إخضاع اللبنانيين لمشروع السلام مع العدو.

  1. تمويل الميليشيات
    موّلت المملكة العربية السعودية ميليشيات الحرب الأهلية عبر أذرعها في لبنان، لضمان استمرارية الحرب والتي دامت خمسة عشرة عاما. فقد كانت السعودية تموّل “الميليشيات” المتقاتلة على اختلافها. (الأيادي السود، نجاح واكيم)
  2. محاولة اغتيال السيد محمد حسين فضل الله
    ازدادت فعالية الدور السعودي في لبنان خلال الحرب الأهلية، وتنامت بشكل لافت بعد الاجتياح الصهيوني لأراضيه، وانعكس ذلك الدور بمحاولة اغتيال السيد محمد حسين فضل الله، ففي الثامن من اذار عام 1985 وبتمويل سعودي وتخطيط وتنفيذ أميركي ودعم بريطاني، ارتكِبت مجزرة مروعة في منطقة بئر العبد في الضاحية الجنوبية راح ضحيتهَا اكثرُ من ثمانين شهيدا. والهدف حينها كان السيد محمد حسين فضل الله، امام جامع بئر العبد. وفي مذكرات المنفذ الأميركي” كايسي” ، يكتب أنه التقى بندر آل سعود في أحد مقاهي واشنطن، وقال له: “إن السيّد فضل اللّه أصبح مزعجاً للسياسة الأميركية في لبنان والمنطقة وأنّ عليه أن يرحل”. ودفع “بن سلطان ثلاثة ملايين دولار لـلمنفذ لكي يُغطي مصاريف العملية، واتصل بجهاز المخابرات البريطانية لتنفيذ العملية التي استمر التحضير لها لمدة سنة” .
  3. التدخل عبر بوابة الطائف
    اتفاق الطائف هو الاسم الذي تعرف به وثيقة الوفاق الوطني اللبناني التي تعتبر المرجعية الأولى للشعب اللبناني كمرجع نهائي يستمدون منه وفاقهم الوطني وسلمهم الأهلي بعد الحرب الأهلية التي استمرت قرابة 15 عاما.

أقرّت الوثيقة في مدينة الطائف في المملكة العربية السعودية بتاريخ 22 تشرين الأول 1989؛ وافق عليها مجلس النواب اللبناني في جلسة عُقدت في مطار القليعات بتاريخ 5 تشرين الثاني 1989؛ وتضمنت أربع فقرات أساسية هي: المبادئ العامة والإصلاحات، بسط سيادة الدولة اللبنانية على كامل الأراضي اللبنانية، تحرير لبنان من الاحتلال الإسرائيلي، عدم جعل لبنان مصدر تهديد لأمن سوريا والعكس في أي حال من الأحوال. وبناءً على هذه الوثيقة، أُدخلت تعديلات جديدة على دستور 1926؛ صوّت عليها المجلس النيابي بتاريخ 21 أيلول 1990.

حرّر اتفاق الطائف مقام رئاسة الحكومة من وصاية وسطوة رئيس الجمهورية، ووضع صلاحية اختيار الرئيس المُكلّف لدى نواب الأمة بموجب الفقرة الثانية من المادّة ٥٣ من الدستور، بما يعني أنّ الكتل النيابية هي التي تسمّي رئيس الحكومة المُكلّف، ويكون رئيس الجمهوريّة ملزماً بتسمية الشخص الذي توافقت عليه الكتل النيابيّة لرئاسة الحكومة.

وضعت الفقرة الثانية من المادة ٦٤ من الدستور الإطار الدستوري لصلاحيات رئيس الحكومة المُكلّف لناحية تأليف الحكومة، هو الذي يجري الاستشارات النيابية بهدف تأليف الحكومة التي يتعيّن ان تكون وفقاً لرؤية الكتل، سواء على صعيد التمثيل أو البرامج أو أي شأن آخر. إذا وبرعاية سعودية، اتسعت صلاحيات رئيس الوزراء وانحسر عمل رئيس الجمهورية. ولاحقاً وبعد الطائف ووصولا الى انفجار ازمة لبنان الاقتصادية (2020-2021) تدخّلات كثيرة خاضتها الرياض في لبنان.

  1. تنفيذ الأجندة السعودية
    لم يكن للرئيس رفيق الحريري المقدرة على استحواذ كل هذه السلطة لو لم ينطلق من دعم كبير، وتحديدا الدعم السعودي. ومع الانتخابات النيابية عام 1992، نجح في إيصال أكبر عدد ممكن من أتباعه بالوصول إلى مجلس النواب بحيث أصبح الثقل في كتلته النيابية التي أخضعت سلطة القرارات والقوانين، وتحكمت بالموازنات العامة.

اعتمد الرئيس الحريري ما بين (تشرين الأول 1992 – كانون الأول 1998) مبدأ الرافعة في الاقتصاد؛ الذي ينص على الاستدانة لتعظيم عائدات الاستثمارات، مع الإشارة إلى إنشاء شركة «سوليدير» التي وضعت يدها على حقوق الناس وأملاكهم وسط بيروت. وقد ارتفع الدين العام خلال هذه الفترة بقيمة 15.7 مليار دولار. واتسمت الحكومة الأخيرة (تشرين الأول 2000 – تشرين الأول 2004) بالدور الضاغط الكبير للبنك الدولي وصندوق النقد الدوّلي من أجل خفض البيروقراطية وخصخصة المؤسسات العامّة نظرًا للأداء السيء للإدارة العامّة وارتفاع التوظيف العشوائي في مؤسسات الدوّلة؛ مما أدى إلى إفلاس الخزينة العامة للدولة.

أما بخصوص مشروع رفيق الحريري والتوطين، فقد كشف الرئيس ميشال عون في عام 2008 لقناة “برس تي في” الإيرانية عن وثيقة تحمل الرقم 7262، مع عبارة «سري جداً» ومضمونها حديث خاص للرئيس رفيق الحريري. وهي تتضمن معلومات عن اجتماع عقد مساء 17 كانون الثاني 2000؛ في منزل الرئيس رفيق الحريري، حضر قسماً منه الوزير غازي العريضي، إضافة إلى الأمين العام لمجلس الوزراء القاضي سهيل البوجي، يوسف النقيب والدكتور خالد صلاح الدين (عديل القاضي سعيد ميرزا). وتشير إلى أن الرئيس الحريري لا يرى إمكانية للهروب من التوطين، وأن مصلحة البلاد هي في مزيد من الاستدانة لأن كل الديون ستمحى عندما سيفرض واقع التوطين الفلسطيني في لبنان.

وفي الحديث عن التوطين، تم شراء أراضي لتطبيق هذا القرار ومن ضمنها مزرعة القريعة التي اشتراها الحريري لتوطين اللاجئين الفلسطينيين. وهذه السياسات شكّلت الإطار العام للأجندة السعودية التي يرى البعض أنها عملت على تقويض المؤسسات، حيث أن القرارات التي اتخذت وعمِل بها أدت إلى تدمير لبنان تدميرا ممنهجاً بدءا من السيطرة على المؤسسات وصولا الى تدمير البيئة (كتاب الأيادي السود، نجاح واكيم).

  1. معركة تصفية الحساب في العام 1993
    باشر العدو الإسرائيلي بالاعتداء على لبنان لمدة أسبوع، عرفت بحرب “الأيام السبعة” (25- 31 تموز 1993) إثر العملية التي قامت بها المقاومة أواخر حزيران 1993، وأطلقت فيها عددا من الصواريخ على إحدى قرى شمال فلسطين المحتلة. وأمام تعاظم قوة سلاح المقاومة، وبدء ارتفاع التهديد على القوات الإسرائيلية، جاءت حادثة الثالث عشر من أيلول من العام نفسه في محاولة للتخلص من التهديد قيد التطور على الكيان في مهمة تستكمل ما سعت إليه حرب “الأيام السبعة”. حصلت الحادثة عندما أطلق الجيش اللبناني النار على المشاركين في تظاهرة شعبية لحزب الله في منطقة الغبيري عند جسر المطار القديم، لأنهم نددوا باتفاق أوسلو ومطلبهم الوحيد كان آنذاك: فلسطين كل فلسطين من البحر إلى النهر. يقول العماد بأنه خلال هذا الوقت، كان رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري كعادته عندما يشعر بالخطر، وطوال مدة العدوان، يسكن في منزله في دمشق. وعند انتهاء العدوان، عاد الحريري الى بيروت وأرسل بطلبه ليبلغه بضرورة ضرب حزب الله، والكلام للعماد لحود، مع “عدم تحمل الأخير المسؤولية لأن قراراً من مجلس الأمن سيصدر مساء لقوات الطوارئ بأن يسيروا أمامه ويقوموا بتنظيف الجنوب من حزب الله، والجيش اللبناني سيتسلم السلاح الذي تصادره قوات الطوارئ من حزب الله”. وأضاف العماد أن الرئيس الحريري قال: “وعلى طريقك احرق اي مسلح يظهر بقاذفة اللهب، وكذلك تخلص من الجبهة الشعبية في الناعمة بقاذفة اللهب، …غدا صباحا عند الساعة العاشرة، سيعقد اجتماع المجلس الأعلى للدفاع وانت ستكون حاضرا وسيصدر القرار بضرب المسلحين، اي حزب الله. وبما أنك نجحت في قيادة الجيش، وعندما تنفذ هذا الأمر، ستنتخب رئيسا للجمهورية في العام 1995”. آنذاك رفض العماد لحود الامتثال، وعندما أبلِغ بصدور القرار في مجلس الأمن الدولي ظل ثابتا على موقفه على الرغم من محاولة الحريري الى استقطابه، كما يقول العماد، مضيفًا: “آنذاك لولا وجود الرئيس حافظ الأسد كانت القوات الدولية مع الجيش اللبناني أنهت المقاومة ولم يكن لحزب الله القدرة على الصمود أكثر من ساعتين لأنه لم يكن يملك سلاحا ثقيلا ولا صواريخ ولا بيئة حاضنة” . وتشير هذه الرواية إلى المشروع السعودي في القضاء على نواة المقاومة الوليدة التي تستهدف العدو الإسرائيلي دفاعًا عن الأرض والسيادة.

اغتيال الحريري… المتغيرات والتداعيات
في أيلول 2004، أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قرار رقم 1559للضغطعلى سوريا بسبب دورها في لبنان “الداعم للمقاومة”، ودعا القرار إلى “إجراء انتخابات رئاسية حرة ونزيهة وانسحاب القوات الأجنبية كلها، وتسريح الجماعات المسلحة في البلاد والتي كان من بينها حزب الله”. وفي شباط 2005، اغتيل رئيس الحكومة رفيق، وأشعل اغتياله “ثورة الأرز” ونُظمت احتجاجات شعبية ضد الوجود السوري في لبنان؛ وتحت ضغط دولي متزايد سحبت سوريا قواتها في نيسان2005.

قاد سعد نجل الحريري بعد اغتيال والده ائتلافا من الأحزاب المناهضة لسوريا عرف باسم 14 آذار. دعمته دول غربية والسعودية، بينما تجمع حلفاء سوريا في تحالف منافس أطلق عليه اسم 8 آذار. وظهر انقسام طائفي ومذهبي، تلاه صراع سياسي استمر عدة سنوات بين التكتلين تركز جانب كبير منه على قضية سلاح حزب الله.

بدأ التحقيق الدولي باغتيال الرئيس الحريري في نيسان 2005، وبحلول تشرين الأول أصدر تقريرا يورط مسؤولين سوريين ولبنانيين. وفي 2011، أعلنت المحكمة أربعة أسماء لأعضاء من حزب الله مطلوبين في عملية الاغتيال،كما تم توجيه الاتهام إلى عضو خامس في الحزب في 2012.وبعد 15 عاماً من تحقيقات كلفت أكثر من 800 مليون يورو، دانت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان مؤخرًا في 18 آب 2020 العضو في حزب الله، سليم عياش، بـ”القتل العمد”.

  1. حرب تموز 2006 – التمويل السعودي للحرب
    خلال حرب تموز قامت السعودية بعقد اتفاقيات شراء أسلحة من الولايات المتحدة مع تحديث أسلحة قيمتها 2.9 مليار دولار. يعقّب المستشار طارق البشري، المفكر والقاضي والمؤرخ المصري على هذه الصفقة ويقول «نستنتج أن حكومة الرياض تمد مصانع السلاح الأميركي بمبلغ 2.9 مليار دولار، في الوقت الذي تمد به هذه المصانع إسرائيل بالأسلحة والذخيرة لتدمير لبنان ولتقتيل شعبه ولهزيمة حزب الله المقاوم».
    توترت العلاقة بين السعودية وحزب الله خلال حرب تموز 2006، حيث وصفت الرياض عملية خطف الجندييْن الإسرائيلييْن “بالمغامرة غير المحسوبة”، بهذا المعنى، كانت السعودية تخلي مسؤوليتها ومسؤولية كيان العدو عمّا يحدث من عدوان ودمار وتخلق له الأعذار، وتعلن صراحة أنها في حل من بذل أي مساعٍ لوقف العدوان ما لم يتوقف حزب الله. وتاليًّا، كانت المساعي السعودية تدعم الآلة العسكرية الإسرائيلية والسياسة الأمريكية في إعطاء المزيد من الفرصة للعدو الصهيوني لتحقيق ولو أقل الأهداف من العملية التي كانت تسعى للقضاء على حزب الله والتواجد الشيعي في لبنان، ولتكريس مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي رعته الإدارة الأمريكية عبر وزيرة خارجيتها آنذاك، كونداليزا رايس، ورئيس الحكومة اللبنانية يومها المحسوب على 14 آذار، الرئيس فؤاد السنيورة.
  2. محاصرة المقاومة.. 7 أيار 2008
    وبعد انتصار المقاومة في عدوان تموز، شنّت حكومة السنيورة في العام 2008هجوما مركّزا ضد شبكة الاتصالات التابعة لحزب الله على مدى أشهر، واتخذت في السراي الحكومي، في الخامس من ايار عام 2008، قرارا مزدوجا قضى بنزع الشبكة التابعة لحزب الله وإقالة قائد جهاز أمن المطار وفيق شقير. جاءت التعليمات بالمضي باتخاذ القرارين أيا تكن التداعيات. وبناءً عليه، وبعد اجتماع استمر حتى فجر اليوم التالي، صدر بيان عن الحكومة: “أن مجلس الوزراء قرر اعتبار “شبكة الاتصالات الهاتفية التي أقامها حزب الله غير شرعية وغير قانونية وتشكل اعتداء على سيادة الدولة والمال العام”. وأعلنت الحكومة “إطلاق الملاحقات الجزائية ضد جميع الأفراد والهيئات والشركات والأحزاب والجهات التي تثبت مسؤوليتها في مد هذه الشبكة”، وآلت الامور إلى انفجار شعبي ومواجهة سريعة وحاسمة يوم السابع من أيار.

أساليب التدخل السعودي في عهد سعد الحريري
تعددت أساليب التدخل السعودي وطالت المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والقضائية. واتخذ مسار المملكة بالقطيعة تجاه لبنان منحى تصاعديًّا حتى وصل الأمر بأن يتحول التوتر المستجد بين المملكة والرئيس سعد الحريري إلى إهمال للملف اللبناني أثناء الأزمة الاقتصادية والسياسية ما بعد حراك 17 تشرين الأول 2019. وساهمت السعودية في الحصار الأمريكي على لبنان والتضييق على شعبه ما بعد قانون قيصر في سوريا 2020، ومن ضمن الاستراتيجيات التي اتبعتها الرياض في استهداف اقتصاد لبنان الهش حظر المنتجات الزراعية اللبنانية. وكانت السعودية قد منعت استيراد الخضراوات والفواكه من لبنان أو المرور عبر أراضيها اعتبارا من الثالث والعشرين من آذار عام 2021، بذريعة ضبط شحنة مخدرات داخل شحنة فواكه قادمة من لبنان، ليلي هذا القرار إعادة التصويب على حزب الله اللبناني. ويأتي التصويب نتيجة التذرع بحجّة أنّ الحزب هو المسيطر على مرفأ بيروت ومطار رفيق الحريري الدولي، ليتضح لاحقا أن القرار السعودي هو قرار سياسي وليس له أي صلة بتلك الادعاءات التي تمسكّت بها المملكة لتبرهن صواب تلك الإجراءات.

التدخل على الصعيد السياسي

  1. المسّ بالسيادة والقضاء
    تعود قضية الأمير السعودي عبد المحسن بن وليد آل سعود إلى عام 2015حين تم القاء القبض عليه أثناء مغادرته مطار بيروت وفي أمتعته نحو 2 طن من المخدرات (أقراص كبنتاغون)، حاولت الرياض بأكثر من وسيلة انتشال الأمير من المأزق بتدخلات عدة وصولا الى عدم احترام سيادة الدولة اللبنانية. فقد حضر الوزير المفوّض في السفارة إلى المطار، وقال لرجال الأمن إن عليهم أن يتركوا الأمير يغادر إلى السعودية، لكن خطوته باءت بالفشل (جريدة الأخبار 30 تشرين الأول 2015).

لاحقا، التقى وسيط سعودي بمسؤول عدلي لبناني، وعلى إثر الاجتماع، زار الوسيط الموقوف الشمّري ليختلي به في مكتب مكافحة المخدرات المركزي. نتج من هذه الخلوة «صفقة مشبوهة» تخلي سبيل الأمير لقاء أن يتحمل مرافقه كافة تبعات القضية، ويتراجع عن إفاداته أمام المحققين والمحامي العام في جبل لبنان وقاضي التحقيق. أما المقابِل، فصفقة مالية قبِل بها الشمّري، مقابل عدم تعرّضه للملاحقة في بلاده بعد خروجه من السجن. وضبط رجال الأمن ورقة في حوزة الشمري، عليها أسئلة وأجوبة مفترضة لما يُمكن أن يُطرَح عليه في أي جلسة استجواب مقبلة. وقد حُرّر محضر ضبط بحقّه، بعدما كان يذاكر ما هو وارد على الورقة، ليظهر بمظهر الواثق في أي جلسة استجواب سيتراجع فيها عن إفادته الأولية. (جريدة الأخبار 19 كانون الثاني 2017).

وتجاوب القضاء اللبناني في بعض المراحل والمواقف مع مصالح آل سعود بحيث أٌصدر حينها اجتهادا غير مألوف في المحاكم الجنائية اعتبر فيه أن حبوب “البنتاغون” ليست من فئة المخدرات الممنوع تداولها والإتجار بها، وليست على قوائم المحظورات الواردة ضمن القوائم والجداول الموضوعة بقانون المخدرات اللبناني، بما يعني أن تهريبها بدون ترخيص يتم العقاب عليه في قانون الصيدليات وليس قانون المخدرات ويعد الحكم الصادر أن الحبوب تستخدم للحلات المرضية لذا فإن استخدامها أو حيازتها لا يتم المحاكمة عليها بقانون المخدرات.


كتب الصحفي رضوان مرتضى مقالًا بعنوان “ملك في مخفر حبيش” عن بعض ما يعيشه الأمير داخل السجن بداية من الزيارات شبه الدائمة لدبلوماسي مكلّف من السفارة السعودية بمتابعة ملفه وكان يسمح للأمير آنذاك أن يستبيح القانون بحيث يعيش الأمير حياة رفاهية في توقيفه. كما كشفت مصادر أمنية لجريدة الأخبار أنّ “الموقوف عبد المحسن يعيش كأنّه في بيته، مشيرةً إلى أنّ غرفة خاصة في مبنى مكتب مكافحة المخدرات (المبنى المعروف شعبياً بمخفر حبيش) فُرِزت لأمير البنتاغون مزوّدة بكل وسائل الراحة. وينقل أحد الرتباء أن فيها جهاز تلفاز وهاتفاً. وتنقل المصادر الأمنية أنّ طلبيات التوصيل كانت تنقل الطعام يومياً إلى غرفة الأمير الموقوف المزوّدة بجهاز تبريد. وأنّ أحد العناصر مكلّف السهر على راحة الأمير” لجهة تدوين طلباته، علماً أنّ الأخير يُسمح له بإجراء الاتصالات متى شاء، فيما عمال المصبغة يترددون بنحو شبه يومي لإحضار ملابس الأمير المكوية. هذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على استباحة المملكة لقضاء الدولة اللبنانية والتدخل السافر بقراراتها كما لو كانت الرياض هي الأمر الناهي، وما كان ليحصل كل ذلك لولا الارتهان في الداخل اللبناني للسعودية (20 تموز 2016، جريدة الأخبار).

  1. مواجهة إيران عبر لبنان
    تطول القائمة في التدخلات السعودية بالشأن اللبناني وليس خافيا على أحد أن تدخلها يتمحور حول محاربة إيران وبأي ثمن. في ظل النظام الاقتصادي الهش الذي عاش تداعياته الشعب اللبناني والتي وصلت إلى ذروتها، وبدأت تظهر معالمها عام 2019، تجدر الإشارة إلى أن السعودية كانت شريكة أساسية في بناء هذا النظام… شهدت العاصمة اللبنانية والمدن الرئيسة تظاهرات للتنديد بما وصلت اليه الامور وللضغط على الطبقة الحاكمة لإيجاد حلول توقف هذا الانهيار أو أن تستقيل الطبقة بأكملها.. بعيدا عن هذه الأحداث وما آلت اليه الأمور، إلا أن السعودية كانت ترسم بمكان اخر بحيث تحدثت جريدة الاخبار عن وثيقة مسرّبة “ويكيلكس السعودية” أعدّها مستشارو ولي العهد السعودي محمد بن سلمان؛ بحيث كانت تكشف خطط السعودية ووسائلها لشنّ حرب ذات مستويات متنوعة ضدّ طهران.
    كشفت الوثيقة السرية التي قدمتها المملكة الى الولايات المتحدة الأميركية الأهداف الاستراتيجية للسعودية في لبنان عبر مواجهة حزب الله. قدمت أفكارا عدة لتطويق المقاومة من خلال تطويق لبنان اقتصادياً واستهداف مصالحه عبر تشريع استهداف معابره الرئيسية بحجة سيطرة حزب الله عليها، أو تضييق الخناق على المغتربين وتحويلاتهم إلى البلد. كان هدف المبادرة محددا وهو إضعاف الحزب بشكل واضح وملموس على كل من الصعيد الداخلي الاقليمي والدولي لمحاربة إيران، وتتوزع الخطة على أربعة محاور: السياسي، والاقتصادي، والإعلامي، والعسكري.
  2. حزب الله على لائحة “الإرهاب”
    صنّف مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية حزب الله كمنظمة “إرهابية” عام 2016. أكد الملك سلمان على قرار التعاون الخليجي بحجة «استمرار الأعمال العدائية التي يقوم بها أفراد تلك المليشيات”، وما تُشكّله من “انتهاك صارخ لسيادة دول المجلس وأمنها واستقرارها». هذ القرار أي تصنيف الحزب بجناحيه العسكري والسياسي كمنظمة “إرهابية”، كان من البنود الأولى التي وردت في المحور السياسي من الوثيقة. بعد عام 2017، حاولت الدول العربية إدراج تصنيف حزب الله كـ«إرهابي» في بيانات القمم العربية، لكنّها ووجِهت باعتراض من قبل الوفد اللبناني. وبالتعاون مع المحاكم الأوروبية والدولية، كشفت السعودية في الوثيقة عن اقتراحها “رفع قضايا ضدّ حزب الله” خاصة عن “جرائمه في سوريا وفي الداخل اللبناني”.
  3. منع التحالف مع حزب الله
    بعد هذا التطويق الثنائي، الاقليمي والدولي، يأتي دور التطويق داخليا من التيارات السياسية المتحالفة معه وخاصة التيارات المسيحية، التيار الوطني الحر وتيار المردة، ودفع الدول المختلفة للضغط على هذه الأحزاب، عبر العقوبات على سبيل المثال. بالإضافة الى أن وثيقة الويكيلكس تضمنت خطة دعم شخصيات مؤثرة ومعتدلة داخل المكون الشيعي سياسيا وماليا ودعم شخصيات معارضة للحزب في الانتخابات النيابية لتتمكّن من الحصول على أغلبية برلمانية من ثم التركيز على قاعدة الشباب الشيعي لخلق مجموعات معتدلة في فكرها وبذل مجهودات حقيقية لاستقطاب القيادات الشابة داخل الحزب نفسه.

سابقا، لم تكن المملكة على خلاف مع التيار الوطني الحر أو بما يعرف الان تكتل لبنان القوي ولم تبد الرياض أي مانع من وصول العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، لكنها لم توافق على ترشيحه. بدأ التضييق على عهد الرئيس عون، في شباط 2017، مع حديث الرئيس اللبناني إلى قناة CBC المصرية، عن ضرورة وجود سلاح المقاومة، طالما هناك أرض محتلة والجيش ليس قوياً كفاية ليُحاربها. («الأخبار»، 13/02/2017).

  1. احتجاز رئيس الحكومة
    في تشرين الاول من عام 2017، طلبت السعودية بتشكيل حلف جديد يضم كل من تيار المستقبل والكتائب اللبنانية والقوات اللبنانية بالإضافة الى الحزب التقدمي الاشتراكي. وبعد دعوة السعودية ممثلي الاحزاب الاربعة إلى الرياض، لم يُلبّ الدعوة إلا الكتائب والقوات، في حين أنّ جنبلاط اعتذر، مُبرّراً بأنّه «لا أستطيع تكرار التجارب الخاطئة». في 4 تشرين الثاني من العام نفسه، استُدعي الحريري على عجل إلى السعودية، حيث أُجبر على تلاوة بيان استقالته، بعد البيان تلقّى المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم اتصالاً من ردينة العرب زوجة مسؤول فريق حماية الحريري، زوجة عبد الكريم العرب، لكي تخبره أنه تم اختطاف زوجها. واستمرت السعودية في الضغط مع اقتراب الانتخابات النيابية في 2018. استُدعي الحريري مجددا إلى الرياض للطلب منه تشكيل جبهة ضدّ حزب الله بعد الانتخابات النيابية («الأخبار»، 10/03/2018). أما عن الرئيس عون فقد تعرّض لضغوط هائلة لفكّ تحالفه مع حزب الله في الانتخابات دون أن يرضخ لها.

بعد نتائج الانتخابات النيابية التي حاز فيها الحزب على تمثيل قوي من قبل الشعب، طلبت السعودية بدايةً من الحريري ترتيب العلاقة مع رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع، ووافق الأول على الرغم من موقفه من سمير جعجع أيام حادثة الريتز، تشرين الثاني 2017، حيث احتجز الرئيس سعد الحريري أثناءها في أوتيل الريتز في المملكة السعودية من قبل ولي العهد محمد بن سلمان، وتخلى عنه حليفه سمير جعجع ولم يتدخل للمطالبة بالإفراج عنه، وإنما كانت مساع من رئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية. أما الامر الثاني الذي شددت عليه المملكة فهو وضع فيتو (رفض) على تولّي حزب الله حقائب أمنية أو سيادية أو حقيبتي الاتصالات والأشغال.

التدخل على الصعيد الأمني
في عام 1925 استولت الوهابية على مكة المكرمة، وتم استقطاب الشباب العاطلين عن العمل للاندماج في الفكر الوهابي واحتضان السلفية، أشرفت سفارات المملكة والمراكز الثقافية السعودية على تدبير الموارد المالية المخصصة لنشر الفكر الوهابي وترويجه وخلق المؤسسات التي تهتم بنشر الفكر الوهابي. وللمال السعودي تأثير كبير في نشر الوهابية إذ بدأت من عام 1970 الجمعيات الخيرية السعودية بتمويل المدارس الدينية والمساجد افي جميع أنحاء العالم لنشر وتعزيز الفكر الوهابي بمساعدة من تمويل صادرات النفط وعوامل أخرى.
أنفقت السعودية أكثر من 10 بليون دولار على المؤسسات الخيرية في محاولة لاستبدال المناخ السُني الذي يميل إلى الصوفية والتسامح بآخر متعصب يلتزم بالوهابية. بحسب تقدير وزارة الخارجية الأمريكية، يقدر مسؤولو استخبارات الاتحاد الأوروبي أن 15 – 20 في المائة من الجماعات الإرهابية انضموا إلى تنظيم القاعدة. وفي تقرير لصحيفة التلغراف البريطانية، يشار الى الوهابية السعودية ودورها في نشر الارهاب في مختلف العالم وتؤكد الصحيفة أن هذا الفكر المتشدد استطاع أن ينتشر ويغزو عددا من بلدان العالم. تتابع الصحيفة بأن جذور “داعش” تعود إلى الوهابية أي الفكر المتطرف الذي يمارس في السعودية منذ القرن الثامن عشر، مشيرةً إلى أن الوهابية لها الآن تأثير في جميع أنحاء العالم. وتشير التلغراف إلى أن فكر الوهابية تنتهجه جماعات مثل داعش، حيث أدى هذا الفكر إلى ظهور خلايا من الناشطين خارج السعودية، على استعداد لارتكاب اعتداءات إرهابية مثل التي حصلت في بيروت وعدد من بلدان العالم.

ويقول المؤرخ في تاريخ الوهابية في جامعة “برينستون”، كول بونزل، في حديث إلى “نيويورك تايمز”، إلى أنّ “العقيدة الوهابية محورية في أيديولوجية الدولة الإسلامية (داعش)”، موضحاً أنها “تشكّل المصدر الأساسي لدينهم، وهي الجزء الأكثر ظهوراً من أيديولوجيتهم ككل. وقد تحولت السلفية إلى أداة في السياسة الخارجية للنظام السعودي، وتم توفير الموارد المالية للمؤسسة الوهابية وتقويتها وتعزيز روابطها بالخارج من أجل التأثير فيه ومحاصرة التحديات المقبلة على النظام السعودي من الخارج وتعد مواجهة إيران “والمد الشيعي” من التحديات التي تراها الرياض خطرًا عليها يجب دفعه بالنظرية السلفية وتطبيقاتها العملية.وهو ما أكدته الأحداث التي جرت في الأعوام الأخيرة في العراق وسوريا من قبيل الجرائم التي شنها تنظيم “داعش” والاستباحة للأعراض والانتهاكات، إذ عكست التجربة العملية للتنظيم مشارب الفكر الوهابي المتطرف بحذافيرها.

  1. الوهابية…مواجهة أمريكية بحلة سعودية
    قبيل الغزو السوفيتي لأفغانستان في نهاية كانون الأول عام 1979، اتخذ الرئيس الأميركي آنذاك جيمي كارتر قراراً بتقديم مساعدات لمعارضي النظام الشيوعي الموالي للسوفييت في أفغانستان، وفي سبيل تحقيق الولايات المتحدة لأهدافها من تلك الخطة تم تعزيز وتدعيم ما يسمى بالتطرف والتشدد الإسلامي.
    بدأت الدعوة للجهاد بكلمة من الرئيس الأمريكي جيمي كارتر، والذي علق في بداية الأمر على التدخل الروسي في أفغانستان بالقول بأنه “صراع بين الملحدين الأقوياء وبين المسلمين المستضعفين”، ثم التقطت السعودية الشرارة بعد لقاء بين مستشار سابق للأمن القومي الأميركي،”بريجنسكي” وولي العهد السعودي آنذاك فهد ووزير الدفاع سلطان، حيث بدأت المملكة في الحشد والدعم في أفغانستان، الجدير بالذكر أن أحد أبرز هؤلاء كان قائد تنظيم “القاعدة” الأسبق “أسامة بن لادن” الذي غادر السعودية نهاية عام 1979 إلى أفغانستان حيث استطاع تأسيس مكتب الخدمات الذي تم الكشف على أنه كان برعاية جهاز الاستخبارات الباكستاني، وكيل جهاز المخابرات الأمريكية في الحرب.

قدمت السعودية مبلغ 800 مليون دولار إلى باكستان لدعمها في مناصرة المجاهدين الأفغان، وتم تكليف أمير الرياض وقتها، الملك الحالي سلمان، بإنشاء هيئة لدعم وجمع الأموال لصالح “الجهاد” في أفغانستان. وأصبح سلمان مديرًا للجنة جمع التبرعات من العائلة المالكة والسعوديين لدعم “المجاهدين”. ومع انتشار خطاب الدعوة للجهاد عملت السعودية على نشر الوهابية والتشدد في عموم البلاد الإسلامية عبر دعم الفكر المتشدد ودعاته ومؤسساتهم وجمعياتهم…وهنا نستذكر شهادة هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأميركية أمام الكونغرس عندما قالت “دعونا نتذكر هنا أن أولئك الذين نقاتلهم اليوم نحن من قمنا بدعمهم يومًا ما قبل 20 عامًا”.

كانت المصالح الأمريكية هي الدافع وراء ذلك الحشد الوهابي والتشدد، وبصيغة جديدة تم إعادة تأجيج الصراع لكن على شكل ثاني أي بين الشيعة والسنة لجعل إيران هي العدو الأكبر للعالم الإسلامي، ليأتي ذلك لصالح دولة الاحتلال. في المؤتمر الثالث عشر من مؤتمر “هرتزيليا” الصهيوني عام 2013 جاءضمن التوصيات التشديد على تكريس الصراع السني-الشيعي من خلال السعي إلى تشكيل محور سني من دول المنطقة أساسه دول الخليج ليكون حليفاً لـ “إسرائيل” والولايات المتحدة، مقابل “محور الشر” الذي تقوده إيران وبحسب التصنيف “الإسرائيلي” هو “محور شيعي”. اتخذت الرياض وبقيادة ولي عهدها محمد بن سلمان خطوات كثيرة بهذا الشأن مقابل “شيطنة” إيران والهجوم عليها، وتسخير المنابر ضدها، وجعل الصراع السني الشيعي أخطر وأكبر من الصراع ضد الاحتلال الصهيوني.

  1. نشر الإرهاب في لبنان
    بناء على ما مر لجأت السعودية إلى تفعيل جبهة جديدة في لبنان بغية التأثير على التطورات الميدانية في سوريا (تحرير النبل والزهراء) وكان الخيار هو فتح جبهة جديدة بشمالي لبنان والجدير بالذكر أن هذه الفكرة تم عرضها لأول مرة من جانب المعهد المقرب من الكيان “الإسرائيلي”، في حينها أشار الخبير في الشؤون السورية بمعهد واشنطن المعروف بعلاقته الوطيدة مع اللوبي الصهيوني بأمريكا، فابريك بالانج، إلى هذه الخطوة. حيث تمكّن هذه الخطوة من إدخال الجماعات السلفية المحلية وآلاف اللاجئين السوريين المحبطين في هذا الصراع. وتضع هذه المبادرة المراكز الحيوية عرضة للتهديد بقطع خطوط الاتصال والإمداد من لبنان إلى سوريا.

من ناحية أخرى، كان لتنظيم داعش جولات في لبنان تركزت بالأخص في الضاحية الجنوبية لبيروت التي شهدت مناطق الضاحية تفجيرات متكررة وكان تنظيم داعش “ومن خلفه الداعم السعودي” المتبني الأول لهذه العمليات. وفي عام 2014 من شهر حزيران فجر انتحاري سعودي نفسه في أحد فنادق بيروت في منطقة الروشة خلال مداهمة عناصر من الأمن العام اللبناني لإحدى غرفه. التفجير الانتحاري وقع في فندق “دي روي” في منطقة الروشة إحدى المناطق السياحية في بيروت.

التدخل السعودي على الصعيد الاقتصادي
عندما نتكلم عن الشق الاقتصادي يعني أننا نصب في عمق الدولة، والحرب الاقتصادية لا تقل خطورة عن الحرب العسكرية. وعندما أرادت السعودية اضعاف الحزب وبيئته والمجتمع اللبناني ككل، رأت أنه من قواعد اللعبة الاقتصادية لإضعاف البلد عموما والحزب خصوصا تجفيف موارده المادية وإبعاده عن المرافق الحيوية كخطوة أساسية. لذلك كانت الخطة تشديد المراقبة على التحويلات المالية المرسلة الى لبنان، توقفت في 2016 التحويلات المالية من السعودية إلى لبنان، وفي 2017 رُفض تحويل الأموال، إلى بيروت إلا بعد موافقة الكفيل وطلب مستندات والتحقق من مصادر الأموال. بالإضافة الى مراقبة التحويلات المالية.

في بيان لوزارة الخزانة الأمريكية صدر العام 2007، تم فرض عقوبات على سبعة لبنانيين، هم على صلة بحزب الله وشركته المالية “القرض الحسن” المدرجة على لوائح مكتب مراقبة الأصول الأجنبية و”يستخدمها حزب الله كغطاء لإدارة الأنشطة المالية للجماعة الإرهابية والوصول إلى النظام المالي الدولي”. وفي عامي 2015 و2016، انضمت السعودية إلى أميركا في هذه الخطوة عبر فرض عقوبات على اثنين من قياديي حزب الله، وتجميد أصولهما وحظر تعامل السعوديين معهما بتهمة أنّهما مسؤولان عن عمليات “إرهابية” في أنحاء الشرق الأوسط. ثانيا، حذرت وزارة الداخلية السعودية من التعامل مع حزب الله بأيّ شكل كان كنوع من الترهيب مع التهديد باتّخاذ عقوبات مشدّدة بحق كل مواطن أو مُقيم يُظهر دعماً أو يُروج له، أو يتبرّع له. تأتي هذه الاجراءات السعودية بحسب مبادرتها للحدّ من سيطرة حزب الله على المنافذ الدولية (مطار بيروت الدولي، ميناء بيروت البحري) من خلال إجراءات ضغط، بحيث أن للملكة ثقل وازن في التأثير السياحي والتجاري السعودي على لبنان، ومن ضمن الخطة إنشاء مطار دولي بديل يكون شمالاً بحيث لا يخضع بأيّ حال لسيطرة حزب الله.

أما النقطة الثالثة، فهي تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة لقطاع واسع من شباب الأعمال، وخاصة المكون الشيعي بهدف تحييد فئة كبيرة منهم، والذين يعتمدون على إعانة الحزب مادياً، مع خلق وظائف لهذه المشاريع مما يُساهم باستقطابهم أو إبعادهم عن الحزب، والفصل بينهم ليكون داخل هذا بيت تيار آخر يواجه الحزب.

  1. العلاقة التجارية اللامتكافئة
    على مر عقود، غابت عن الدولة اللبنانية سياسات دعم القطاعات الإنتاجية لتتعمّق ثقافة الاستهلاك في جسد المجتمع اللبناني وتتغيّب ثقافة الإنتاج، ليصبح لبنان بلداً مستهلكاً من الدرجة الأولى. وبلغة الارقام يظهر التأثير السعودي على الاسواق اللبنانية. والجدير بالذكر أن الرياض تمثّل سوقا استهلاكيا واسعا بحيث يبلغ عدد سكانها ما يقارب التسع وعشرون مليون فرد، وبالتالي فإن تأثير لبنان على السعودية يكون شبه معدوم، بالإضافة إلى أنه ليس من الممكن مقارنة حجم الاقتصاد السعودي وقوّة تأثيره مع قدرات لبنان.

تشير بعض التقارير إلى صادرات اللبنانية إلى السعودية توازي 12% من مجمل الصادرات اللبنانية البالغة 2.9 مليار دولار أي بحوالي قيمة 356.5 مليون دولار. ومن الصادرات اللبنانية المجوهرات وتمثّل 6% من مجمل الصادرات. تليها مجموعات توليد الكهرباء الكبيرة، ثم المنتجات الصحية. حصّة المنتجات الزراعية والصناعات الغذائية من مجمل الصادرات إلى السعودية ضئيلة وتشمل زيت الزيتون والشوكولا والمخللات والمربيات. الصادرات اللبنانية إلى السعودية توازي 12% من مجمل الصادرات اللبنانية البالغة 2.9 مليار دولار، فيما الصادرات السعودية إلى لبنان توازي 0.7% من مجمل الصادرات السعودية غير النفطية البالغة 50.6 مليار دولار. أما استيراد لبنان من السعودية، فهو يوازي 2.1% من مجمل واردات لبنان البالغة 18 مليار دولار، فيما استيراد السعودية من لبنان يوازي 0.2% من مجمل وارداتها البالغة 166 مليار دولار.(جريدة الأخبار، 12آذار 2016). يستورد لبنان من السعودية الألبان والأجبان، 200 مليون دولار لمشتقات الحليب والتمور، والزيوت النباتية واللحوم المبسترة، والسكر، ومنتجات المخابز على أنواعها، والمياه المعدنية، والمازوت، ومستحضرات للشعر، ومستحضرات للتنظيف المنزلي والاستعمال الشخصي، ومواد أولية تستخدم للصناعة المحلية. بالإضافة إلى منتجات زراعية لا يحتاجها لبنان أصلاً مثل البطاطا، علمًا أنها متوفرة في السوق المحلية اللبنانية بوفرة.


استطاعت السعودية فرض صيغة مناسبة لها للتسويق لشركاتها على الاراضي اللبنانية وعلى الرغم من وجود مصانع إنتاج الزيت النباتي في لبنان إلا أن الرياض تصدّر أكثر من 10 آلاف طن إلى لبنان من ماركات مختلفة، أبرزها من منتجات شركة «صافولا» التي تنتج زيت «عافية»، وشركة «بساتين المأكولات» التي تنتج زيت «مازولا»، فضلاً عن آلاف الاطنان من الزيوت النباتية التي تأتي إلى لبنان من عدد من دول الخليج أيضاً. وإلى جانب ذلك، يستقبل لبنان ألباناً وأجباناً سعودية المنشأ رغم وجود عشرات المصانع المحلية التي كانت تواجه مشاكل كثيرة لتصريف إنتاجها أو لتلفه أو ضخّه في السوق بعيوبه لصالح المنتجات الأجنبية وهذا قبل التطورات والاوضاع الاقتصادية المتدهورة التي شهدتها بيروت بعد 17 تشرين 2019.

يدخل إلى لبنان 356 ألف ليتر من الألبان السعودية (حليب ومشتقاته بشكله الطبيعي)، وحجم الأجبان يبلغ 1000 طنّ سنوياً. هذه المنتجات غالبيتها من ماركات معروفة مثل المراعي التي قامت قيامتها عندما قرّر وزير الزراعة أكرم شهيب إخضاع دخول منتجات الألبان والأجبان إلى إجازة استيراد، إذ تدخّل الملحق التجاري في السفارة السعودية وأجرى اجتماعات صاخبة مع ممثلي المصانع في لبنان ولوّح بإجراءات غير عادية (جريدة الأخبار 12 آذار 2016).وعلى الرغم من اكتساح الاسواق اللبنانية بالمنتجات الداجنة السعودية الا أن المملكة تمنع العديد من المنتجات اللبنانية الدخول الى اراضيها، كالبيض الذي يمنع دخوله من لبنان لمنعه من منافسة المنتجات المحلية.

يستورد لبنان السكر المكرّر من السعودية، ولا سيما من ماركة «الأسرة» التي تنتجها شركة «صافولا», كذلك يستورد لبنان المعلّبات مثال «ماكسيم» المعلبة تنتج في السعودية، وهناك منتجات «الربيع» أيضاً التي تنتج في شركة الربيع السعودية، ومنتجات ماركة «plein soleil»، وبعض منتجات العصائر مثل «واحة» و«آيسبورغ». وعندما قرر وزير الصناعة حسين الحج حسن حماية المصانع الشيبس المحلية أمام الواردات السعودية من رقائق البطاطا ثار غضب الملحق التجاري السعودي صالح الغنام، ودافع عن المنتج السعودي، وفرض على الحكومة تراجع الوزير عن قراره وتأجيله مرتين، علماً بأن القرار كان يشمل واردات الألمنيوم التي يأتي قسم كبير منها من السعودية أيضاً، وينافس عدداً من المصانع المحلية.


هذه اللمحة تكشف الاختلال التجاري الغير متوازن بالإضافة الى الفساد المستشري، والحروب الدورية في إنشاء اقتصاد وصل إلى هذا الانهيار وبرزت معالمه مع بداية عام 2020، ومع كل ذلك الحصار الذي يشهده لبنان إن كان على صعيد مباشر أو غير مباشر وهنا لا بد من الإشارة للدور السعودي المساهم في التضييق وشدّ الخناق على بيروت، فمنذ عدة سنوات قامت الرياض باستهداف ثلاثة مجالات لبنانية وهي: العمالة الوافدة، القطاع المالي والسياحة.

على الرغم من أن “مملكة الخير” المشبعة بالبترو دولار حتى الاختناق، لا تحتاج إلى هذه الأرباح الزهيدة المتأتية سوق صغيرة كلبنان، إلا أنها تصر على إغراق السوق بمنتجاتها، وفقاً لسياسات تدمير الإنتاج اللبناني لإخضاع لبنان للسلام مع العدو الصهيوني.

التدخل على الصعيد العسكري
انطلاقا من الأهمية الكبرى لموقع سوريا الجغرافي، أرادت المملكة السعودية في السنوات الماضية من خلال الحرب السورية السيطرة على منطقة الحدود بين لبنان وسوريا، بهدف منع وصول أي امدادات عسكرية للحزب في حال لم يسقط الرئيس بشار ولم ينجح المخطط في إسقاط النظام. كان آخر المحاور في مستند «مواجهة حزب الله في لبنان»، “ويكيليكس السعودية” هو المحور العسكري بحيث نصّت بنوده على تشديد الرقابة بالوسائل كافة على تهريب الأسلحة لحزب الله، وتفعيل دور قوات الأمم المتّحدة لتتمكّن من الاضطلاع بمراقبة الحدود البرية مع سوريا والحدود البحرية)، لكن العنصر الأهم كان في ضرورة بناء مراكز كشفية للشباب “المعتدل” لتدريبهم داخلياً وإمكانية ارسالهم في دورات خارج لبنان بهدف إنشاء مؤسسات عسكرية وأمنية مستقبلاً، ومواجهة حزب الله داخلياً إن لزم الأمر. وأضافت الوثيقة أن الدعم للجيش اللبناني مشروط يعني ذلك أنه تقوية جيش البلاد ومؤسساته مقترن بخلو وجود الحزب أو أي من عناصره لينجح الدعم وتعزيز المواجهة.

ومن باب تشديد الحصار على لبنان ومعاقبته، أوقفت السعودية مساعداتها لتسليح الجيش اللبناني وقوة الأمن الداخلي اللبناني “نظرا للمواقف اللبنانية التي لا تنسجم مع العلاقات الأخوية بين البلدين”، حسب وكالة الانباء السعودية الرسمية، وذلك يعود لخلفية الصراع بين الرياض وطهران ومشاركة حزب الله اللبناني في مساندة سوريا الى جانب الرئيس بشار الاسد في الحرب التي فرضت عليها، في مسعاها الدائم لإخضاع المؤسسة العسكرية اللبنانية لرغباتها وسياساتها ومصالحها.

التدخل على الصعيد الاعلامي
شكّلت بيروت المركز الإعلامي في المنطقة ووجهة تمويل كبير لمنشوراتها. وشارك المستثمرون رؤساء دول عربية وعلى وجه أخص أفراد في الأسرة المالكة السعودية وبلدان الخليج في تمويل غرف الأخبار اللبنانية، لإدارة معاركهم السياسية ودعمها. وبالتالي، كانت الأموال الأجنبية تُضخّ في السوق الإعلامي بوفرة وثبات. وحالياً، يتراجع ضخ هذه الأموال بشكل كبير نتيجة للأزمة الاقتصادية العالمية وبروز المحطات والقنوات الجديدة في الخليج. ومما لا شك فيه أنّ طابع جزء من القنوات اللبنانية مناهض لسياسة حزب الله، وعند أي حدث لا تنكف هذه القنوات عن بث التضليل للرأي العام لتشويه صورة المقاومة ولتحريف مسار القضايا التي يعاني منها المجتمع اللبناني والتصويب على أن الحزب هو من يتحمل تداعيات الازمات وأسبابها ونتائجها.
في الرابع من حزيران من عام 1997 صدر قرار ظل في طي الكتمان منحت بموجبه محطة الـM.B.C السعودية ترخيصا للبث التلفزيوني والاذاعي في لبنان، وتم اعطاء هذه المحطة ترخيصا خارج إطار مجلس الوزراء ولم تتم مناقشته داخل أي جلسة ولم يطلع عليه حينها سوى من أمروا بالترخيص من رئيس الجمهورية الى رئيس الحكومة ووزير الاعلام. والجدير بالذكر أن اعطاء رخصة يملكها بالكامل أشخاص غير لبنانيين يعتبر خرقا لقانون الاعلام المرئي والمسموع الذي ينص على منع تملك غير اللبنانيين لمحطات اعلامية.

اعترف رفيق الحريري في جلسته امام مجلس الوزراء 1997-6-25 أن القرار كان هفوة واعتبر لاغيا، لكن في حقيقة الأمر واصلت المحطة استكمال ملفها وقرار الالغاء الذي صرح به الحريري لم يكن سوى شفهيا ولم ينفذّ. (كتاب الأيادي السود، نجاح واكيم). وفي المقابل تمارس السعودية قمعا للإعلام اللبناني، حيث وجّه وزير الثقافة والإعلام، الدكتور عادل الطريفي، بإيقاف قناتي الميادين والمنار “المواليتين لإيران وحزب الله”. وقال “كانت القناتان المواليتان لإيران وحزب الله قد شنَّتا هجمات إعلامية متوالية على السعودية، لفّقتا من خلالها الكثير من الشائعات والأكاذيب خلال “عاصفة الحزم”.

إن النموذج الاقتصادي للإعلام اللبناني غير مبني على المبيعات أو الإعلانات بل على الدعم المالي السياسي المباشر من رجال أعمال أو قوى سياسية ومالية أو دول. وعلى سبيل المثال تلفزيون المستقبل (سابقا) كغيره من العديد من المحطات التلفزيونية اعتمد بشكل أساسي على المال السياسي، وبالدرجة الأولى المال السعودي. والحال أيضا في قناة ال MTV المملوكة من قبل عائلة المر ويتضح التأثير السعودي على المحطة عند زيارة مواقع القناة الالكترونية او عند الاستماع الى نشرات اخبارها بحيث تظهر وكأنها تبث من الرياض من شدة الانسجام مع الخط السعودي.

أما في الحديث عن قناتي العربية والحدث السعوديتين فهما جزء أساسي من بث الأضاليل وتشويه الحقائق والدور التي تلعبه المحطتان من محاربتهما “للمد الإيراني” لا يستثني حزب الله اللبناني البتة. فقد تجاوزت القناتان كل المعايير الإعلامية في بثها للأضاليل والكذب لتشويه عقل المتلقي وتحريف الحقائق، وأرشيف العربية والحدث حافل بتزوير الحقائق.

جاء في الوثيقة المسربة الحديث عن دعم القنوات الإعلامية اللبنانية والتلفزيونية المعتدلة والوطنية المناهضة لسياسات حزب الله، والعمل معها على وضع سياسات تزعم أنها تكشف تجاوزات الحزب وتوجيهاته العقائدية. والجدير بالذكر أنه وقبل أربع سنوات، كشفت «ويكيليكس» وثائق سرية لوزارة الخارجية السعودية. تُظهر الوثائق أنّه في عام 2012 دفعت السعودية مليونَي دولار لمحطة (MTV) اللبنانيّة، شرط أن تكون بخدمة المملكة تقنياً وسياسياً («الأخبار»، 20/06/2015). عملت المملكة أيضا على تطويع المؤسسة اللبنانية للإرسال (LBCI)، إنّما بوسيلة أخرى، فقد هُددت القناة بلَي ذراعها عبر شركة الإعلانات المتعاقدة معها (مجموعة الشويري الخاضعة للوصاية السعودية)، إذا تجاوزت الخطوط الحمر التي وضعتها المملكة لهذه القنوات، وهي التمادي بأي موقف ضدّ المملكة.

خلاصة
تتمحور المشكلة السعودية حول تصاعد نفوذ الدولة الإسلامية في إيران وتنامي نموذجها المقاوم في مواجهة الهيمنة الأميركية. وعلى إثر هذه الحسابات تغامر السعودية في محاربة أي طرف حليف لإيران، لذلك شدّت الخناق على لبنان لمحاربة حزب الله بعد ثلاثين عاما من التدخل بذريعة الإعمار في الوقت الذي كانت أثمان مشاريعها تزيد من الفحوة الاقتصادية والمالية في البلاد. حتى مع تدهور الأوضاع المعيشية مؤخرًا، لم يعنها التدهور الذي أصاب الشعب اللبناني ولا التداعيات، تراها جولة سياسية تراهن من خلالها على “اخضاع الشعب” لنيل طموحها في تقويض المقاومة.

إن مشكلة السعودية في لبنان هو حركات المقاومة والتحرر منذ عهد عبد الناصر حتى زمن حزب الله. فالدور السعودي في المنطقة هو تأمين وضمان سلامة الكيان الصهيوني وخدمة المشاريع الأمريكية، وتاليًّا تحقيق المصالح السعودية، ولو على حساب الشعوب والأمة العربية والإسلامية. إن المسارات التي انتهجتها وتنتهجها السعودية ألحقت ضرراً عميقا بالبنية الاقتصادية والمالية، والاجتماعية، والسياسية. والهدف ليس إلا تحميل حزب الله تداعيات المترتبة عن الانهيار والأزمات ومحاولة إشغاله بالأزمات الداخلية بعيدا عن الفعل المقاوم.
لقد ضخّت المملكة أموال طائلة لمحاربة حزب الله كما تذكر مجلة “الإيكونوميست” البريطانية حيث إن ما تكبدته المملكة من موارد في لبنان لم يأت بفائدة، بينما بقي حزب الله يسيطر على “مفاصل الدولة”، بزعم الصحيفة. لقد دفعت المملكة الكثير على قادة الأحزاب اللبنانية المختلفة الحليفة لها لتحقيق مكاسب سياسية واجتماعية ضد حركات المقاومة المختلفة إلا أنها لم تسفر عن نتيجة مرضية، بل على العكس ازداد نفوذ حزب الله وبقي متماسكًا في بيئته وموقعه السياسي، ونجح في وأد الفتنة اللبنانية وفي المساهمة مع حلفاء الداخل في توسعة المشروع المقاوم والممانعة.

مركز الاتحاد للأبحاث والتطوير

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد