يروي العميد المتقاعد جمال موّاس، الذي كان مرافقاً شخصياً للرئيس الشهيد رشيد كرامي، وكان معه في الطائرة نفسها التي اغتيل فيها الأخير، تفاصيل عملية الاغتيال، والأدلة التي تؤكد تورّط «القوات اللبنانية» بقيادة سمير جعجع بتدبيرها.
ويقول موّاس (في حوار سابق مع صحيفة الشرق بتاريخ 11 نيسان 2022) جرت العادة أنه وفي كل يوم اثنين، تأتي طائرة هيليكوبتر تابعة للجيش اللبناني فتصل إلى طرابلس في الساعة التاسعة صباحًا، وتهبط في معرض طرابلس مقابل منزل المرحوم الشهيد الرئيس كرامي، الذي يخرج مباشرة من منزله إلى الطائرة. وكانت هذه الطائرة تأتي من قاعدة أدما الجوية، الموجودة في المنطقة التي تسيطر عليها «القوات اللبنانية». وفي بعض الأوقات كانت الطائرة تتجه من أدما الى زغرتا لنقل وزير الداخلية يومذاك المرحوم عبدالله الراسي.
تواطُؤ… فاغتيال
ويضيف العميد موّاس أنه بعد وصول الطائرة إلى طرابلس فتحت الباب ولم أجد شيئاً لافتًا… صعد الرئيس الشهيد رشيد كرامي الى الطائرة وجلست أنا في الوسط بين الرئيس كرامي عن يميني والوزير عبدالله الراسي عن يساري… وكانت الطائرة تقلّ أيضًا 16 شخصاً من المرافقين..
طارت الطائرة التي لم يدم وجودها في أرض المعرض أكثر من ثلاث دقائق…
كنت أضع السمّاعات الخاصة بي، وحين يريد الرئيس الشهيد شيئًا كان يطلب مني ذلك، فأتحدث بنفسي مع قيادة الطائرة وأطلب ما يريده الرئيس.
بعد 12 دقيقة، وكانت الطائرة قد وصلت فوق نفق شكّا، حدث الانفجار عند الاستدارة فوق رأس شكا.
بعد الانفجار، التفَتُّ نحو الرئيس كرامي فلم أجده، فالتفَتّ الى الجهة الثانية فوجدته ملقى في حضن المرحوم عبدالله الراسي، وكان الرئيس كرامي قد فارق الحياة.
قائد الطائرة انطوان بستاني غاب عن الوعي، فتولى قيادة الطائرة مساعده وليم ملّيس… قلت لوليم بعدما وقع باب الطائرة فوق البحر… قُدْنا باتجاه المدينة الكشفية فهناك ثكنة عسكرية.
لم أفهم عليه – لكنني عرفت منه في ما بعد، أنّ هناك تهريباً في الوقود، ولم يكن بإمكانه الاتجاه الى أي موقع آخر، بل هو مضطر للهبوط في مطار حالات.
لم تهبط الطائرة على دواليبها، بل على «بطنها»… ولولا ان استفاق قائدها انطوان بستاني فثبّت مقود الطائرة بشريط حذائه لحدث ما لا يحمد عقباه.
ولم يسمح بدخول أحد إلاّ بعد أن جاء الفنّيون ودخلوا الى الطائرة… ونقل الجميع الى مستشفى في مدينة جبيل.
الأدلة على تورّط القوات
وأكّد موّاس أن «القوات اللبنانية» هي التي وضعت العبوة وفجّرتها بدقة متناهية، واستدل على صحة ذلك بأسباب عديدة أهمها:
أولاً: لقد تبيّـن من المحاكمات التي جرت عامي 1997 و1998 وباعترافات المتهمين والمستجوبين، ان العبوة وضعت في جسم الطائرة خلف المقعد الذي كان الرئيس الشهيد يجلس عليه ولا يستبدله بأي موقع آخر، بعد نزع «البطانة» المغلفة لجسم الطائرة خلف كرسي الرئيس الشهيد، ووضعت العبوة داخله ثم أُعيدت البطانة كما كانت. فالأمر دُبّر بمنتهى الدقّة.
ثانياً: قبل وصول طائرتنا (أي الطائرة التي كان الرئيس الشهيد على متنها) الى فوق رأس شكا بخمس دقائق، وصلت قبلها طائرة هيليكوبتر أخرى الى المكان نفسه قادمة من القليعات متجهة الى بيروت، فتحدث العميد خليل مطر مع غسان توما وشخص آخر من آل منسى وهما من «القوات اللبنانية» متواجدان على الارض قائلاً لهما: هذه ليست طائرة الرئيس كرامي… وحين وصول الطائرة التي تقل الرئيس الشهيد رشيد كرامي، قال لهما: هذه هي الطائرة… وقد تبيّـن أيضاً أنّ العميد خليل مطر كان يتلقى أموالاً من «القوات اللبنانية» لقاء تقديم خدمات لها.
إشارة هنا الى أن أية طائرة قادمة من الشمال عندما تصل فوق شكا تعطي إشارات للقليعات، وعند استدارتها فوق رأس شكا تبدأ بالتحدّث مع اليرزة مباشرة.
أما الدليل الثاني على مشاركة «القوات» بالتفجير، فهو ما ظهر خلال المحاكمة من أنّ العميد خليل مطر، غيّر ملابسه، وارتدى الزيّ العسكري بعد التفجير وذهب الى حالات وغطّى جثة المرحوم الرئيس الشهيد بـ«شرشف»، وهنا يحق القول: يقتلون القتيل ويمشون في جنازته.
ويقول العميد المتقاعد جمال موّاس: «كنت سابقاً قد أبلغت الرئيس الشهيد رشيد كرامي بضرورة عدم انطلاق الطائرة التي تقلّه أسبوعيًا من قاعدة أدما، بل يمكن انطلاق الطائرة من قاعدة عسكرية في بيروت… وهذا أضمن.. لكن الرئيس الشهيد رفض ما قُلْتهُ قائلًا: هل تشكّون بالجيش اللبناني؟ فأنا لا أقبل هذا الكلام».
الشرق
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.