يوما بعد الآخر، تشتد تأثيرات الحرب في أوكرانيا على أسواق الغذاء العالمية. سواء لتعطل الإمدادات، أو لارتفاع الأسعار. خاصة الحبوب والزيوت النباتية. حيث تشكل روسيا وأوكرانيا معًا 53% من التجارة العالمية لزيت عباد الشمس. و27 % من تجارة القمح. وهما من بين الموردين الأساسيين لمعظم البلدان في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ووسط مخاوف من احتمال أن يؤدي تضخم أسعار الغذاء إلى تصاعد الاحتجاجات الشعبية والتظاهرات. يمكن لدول الخليج أن توازن بين تضخم الغذاء وارتفاع عائدات النفط. لكن البلدان الأخرى، مثل مصر وتونس ولبنان، في وضع أقل ملاءمة. أمّا البلدان التي مزقتها الصراعات، مثل اليمن وسوريا، في وضع أخطر.
يشير باحثو معهد الدراسات السياسية الدولية في روما، إلى أن أسعار المواد الغذائية كانت ترتفع بالفعل على مستوى العالم. بسبب اضطرابات سلسلة التوريد في الإمدادات الغذائية الناجمة عن وباء كوفيد 19. وقد زاد الصراع من ذلك. وفقًا لمنظمة الأغذية والزراعة -الفاو- بسبب الأزمة الأوكرانية. في الوقت الذي تستورد 25 دولة أفريقية أكثر من ثلث قمحها من أوكرانيا وروسيا. وتستورد 15 دولة أفريقية أكثر من النصف.
في الوقت الحالي، يمكن أن ترتفع أسعار الغذاء العالمية بين 8 و20%. مقارنة بمستوياتها المرتفعة بالفعل. فأسعار القمح حاليا عند مستويات لم تصل منذ عشر سنوات. في حين كانت الأسعار تحوم حول 220 دولارًا للطن أقل من العام الماضي، في غضون ساعات من الغزو الروسي لأوكرانيا في 22 فبراير/شباط. ارتفع طن القمح إلى أكثر من 330 دولارًا.
يلفت الباحثان أنيسة بيرتين وسيباستيان أبيس. إلى أن معظم بلدان شمال أفريقيا والشرق الأوسط معرضة بشكل خاص لصدمات أسعار الغذاء. وهي تعتمد هيكليًا على الأسواق الدولية، يرجع ذلك جزئيًا إلى قدرتها الزراعية. التي تحدها بطبيعتها عوامل جغرافية، ومناخية، ونموها الديموغرافي أيضًا. بالتالي، تمثل المنطقة ثلث مشتريات العالم من الحبوب سنويًا. على الرغم من أن المنطقة لا تمثل سوى 4% من سكان العالم.
في المقابل، تحقق أوكرانيا ما يقرب من نصف صادراتها من القمح، وثلث صادراتها من الذرة وزيت عباد الشمس. إلى دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. بالأرقام، نجد أن دولًا مثل المغرب، وتركيا، وإيران، والسعودية، وإسرائيل، والأردن، تستورد ما بين 10% إلى 15% من قمحها من أوكرانيا. علاوة على ذلك، تستورد مصر، وتونس، وعمان، واليمن، من 25% إلى %٪ من قمحها من كييف. وبالنسبة لليبيا فإن هذا الرقم يبلغ 50% ولبنان 65%.
تتعمق المشكلة لتصل إلى البلدان التي لا تعتمد على أوكرانيا أو روسيا في وارداتها الزراعية. حيث ارتفاع أسعار المواد الغذائية، بسبب ارتفاع أسعار الوقود وانخفاض المعروض من الأسمدة. فقد كانت روسيا -حتى العام الماضي- المصدر الرئيسي للأسمدة النيتروجينية. وثاني أكبر مورد لأسمدة البوتاس والفوسفور.
في سياق يؤثر فيه انعدام الأمن الغذائي المعتدل -أو الشديد بالفعل- على واحد من كل ثلاثة سكان في العالم العربي. يؤثر نمو تضخم الغذاء هذا على القوة الشرائية للأسر وعلى ميزانيات هذه الدول. لا سيما في البلدان التي يتم فيها دعم الغذاء. بل، قد يؤدي إلى أعمال شغب. ففي أوائل مارس/أذار، نزل حوالي 500 شخص إلى شوارع الناصرية -جنوب العراق- للاحتجاج على تضخم أسعار المواد الغذائية. وفي تونس هاجم مواطنون شاحنة ثقيلة وسرقوا كميات كبيرة من السميد والطحين.
مصر.. أكبر مستورد للقمح في العالم هي الأكثر تعرضاً لأزمة الحبوب
تُعّد مصر هي الدولة العربية الأكثر تعرضاً لعدم توافر الحبوب، وفي الوقت نفسه هي أكبر مستورد للقمح في العالم. فقد استوردت البلاد 210 مليون طن من القمح منذ مطلع القرن الحالي. جاء 80% منها من منطقة البحر الأسود. ويستهلك المصريون ما بين 150 إلى 180 كجم من الخبز للفرد، أي أكثر من ضعف المتوسط العالمي.
يشير بيرتين وأبيس إلى أن دعم الخبز -الذي يخص ثلثي المصريين- وسقف المخابز المستقلة. هو أمر غير مستدام اقتصاديًا للحكومة، ولكنه ضروري اجتماعيًا واقتصاديًا للحفاظ على السلام الاجتماعي. الآن، تدرس الحكومة المصرية إدخال مصادر وموردين آخرين للقمح. حيث تخطط وزارة التموين للاعتماد بقوة على القمح الفرنسي. متجاوزة تحفظات سابقة كانت تتعلق بتكلفة الشحن. في تحرك يتجاوز كثيرًا الحديث عن مساعٍ لتنويع مصدر أهم محاصيل الاستراتيجية، ويجعل الحبوب الفرنسية مزاحمة للروسية للمرة الأولى. كما تعهدت قطر والسعودية والإمارات بتقديم ما يصل إلى 22 مليار دولار -في شكل ودائع واستثمارات للبنك المركزي- لمساعدة مصر في التعامل مع آثار الحرب في أوكرانيا.
في هذا الصدد، أعلن الرئيس الفرنسي في 24 مارس/ آذار عن رغبة فرنسا في إنشاء بعثة المرونة الغذائية والزراعية FARM ، في إطار الرئاسة الفرنسية لمجلس الاتحاد الأوروبي ومع دول مجموعة السبع. يتوقع هذا توفير استجابات قصيرة إلى متوسطة المدى للصدمات الزراعية والغذائية التي شهدتها منذ اندلاع حرب أوكرانيا. كما قدمت المفوضية الأوروبية في 6 أبريل/نيسان حزمة دعم بقيمة 225 مليون يورو. لدعم شعوب منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
بالتالي، سيكون من المناسب أن تكون السياسات المعلنة، ومبادرات الدعم مكملة وفعالة في مجال المعونة الغذائية. والأداء الناجح للتجارة الزراعية.
في الواقع، ما زال من السابق لأوانه الحديث عن نقص الغذاء. فقد تطورت المجتمعات منذ الربيع العربي. اليوم، تمتلك مصر قاعدة مالية أكثر صلابة مما كانت عليه في عام 2011. وإذا تم حظر التدفقات من أوكرانيا، تواصل روسيا تصدير القمح إلى الدول العربية كجزء من سياستها الخارجية في المنطقة.
المخاطر ونقاط الضعف العالمية
خلال مراجعة توقعات صندوق النقد الدولي لعام 2022 للنمو الاقتصادي العالمي. نجد الآن مسارًا هبوطيًا. بينما من المتوقع أن يرتفع تضخم أسعار المستهلكين العالمية بنسبة 6.4% في عام 2022، وهو أعلى معدل منذ عام 1995. ومن المتوقع أن ترتفع الأسواق والبلدان النامية. لرؤية أعلى متوسط ارتفاع للتضخم عند 7.1% 11.6% على التوالي.
بعنوان “الحرب تبطئ وتيرة التعافي”. جاء تقرير آفاق الاقتصاد العالمي. والذي أوضح أن الحرب في أوكرانيا أنشأت أزمة إنسانية مفجعة تتطلب حلا سلميا. وفي الوقت نفسه، ستؤدي الأضرار الاقتصادية الناجمة عن الصراع إلى تباطؤ ملحوظ في النمو العالمي خلال عام 2022 وارتفاع مستويات التضخم.
أشار التقرير إلى أن أسعار الوقود والغذاء شهدت زيادة سريعة، وقع تأثيرها الأكبر على الفئات السكانية الضعيفة في البلدان منخفضة الدخل. ويُتوقع تباطؤ النمو العالمي من 6,1% تقريبا في عام 2021 إلى 3,6% في عامي 2022 و2023. ويمثل ذلك تراجعا قدره 0,8 نقطة مئوية و0,2 نقطة مئوية في عامي 2022 و2023 مقارنة بتوقعات يناير/تشرين الثاني.
وفيما بعد عام 2023، تشير التنبؤات إلى تراجع النمو العالمي إلى حوالي 3,3% على المدى المتوسط. وفي ضوء ارتفاع أسعار السلع الأولية واتساع دائرة الضغوط السعرية نتيجة الحرب.
وصلت معدلات التضخم المتوقعة لعام 2022 إلى 5,7% في الاقتصادات المتقدمة و8,7% في اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية. متجاوزة بذلك توقعات يناير/تشرين الثاني. بمقدار 1,8 نقطة مئوية و2,8 نقطة مئوية. وستكون الجهود متعددة الأطراف ضرورية للاستجابة للأزمة الإنسانية، والحيلولة دون استمرار حالة التشتت الاقتصادي. والحفاظ على مستويات السيولة العالمية، وإدارة المديونية الحرجة. ومواجهة تغير المناخ، والقضاء على الجائحة.
أوضح التقرير الصادر عن صندوق النقد الدولي أن أصداء الصراع في أوكرانيا تتردد في جميع أنحاء الاقتصاد العالمي. على خلفية عامين من النمو المطرد في أسعار المواد الغذائية، والتي وصلت إلى مستوى قياسي في فبراير/شباط 2022. متجاوزة الذروة السابقة التي تم تحديدها في فبراير/شباط 2011. ثم ارتفع المؤشر بمقدار 12٪ أخرى في مارس/آذار.
تدهور الاقتصاد العالمي
تدهورت ظروف الاقتصاد الكلي بالنسبة لمعظم البلدان في جميع أنحاء العالم. مع تزايد مستويات الديون التي لا يمكن تحملها بشكل متزايد للعديد من الاقتصادات منخفضة الدخل. بعد الانخفاض المطرد خلال العقدين الماضيين، تزايدت معدلات الفقر في جميع أنحاء العالم منذ عام 2020، إلى جانب عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي.
يقدر البنك الدولي أن الوباء أدى إلى 97 مليون شخص إضافي يعانون من الفقر المدقع، مقارنة بتوقعات ما قبل الجائحة. قد يدفع ارتفاع أسعار المواد الغذائية الكثيرين إلى طلب المساعدة الغذائية. بينما تغمر أزمة الجوع الزلزالية العالم في وقت من الاحتياجات غير المسبوقة.
كذلك، الصدمات المناخية، والصراعات، وكوفيد 19. والتكاليف المتصاعدة للغذاء والوقود -التي تفاقمت بسبب الصراع في أوكرانيا. وآثاره غير المباشرة على البلدان التي تعتمد على إمدادات تلك المنطقة من القمح. والمواد الغذائية الأخرى- يمكن أن تؤدي إلى انخفاض على الأقل 47 مليون شخص في 81 دولة على حافة المجاعة. بينما تضاعف عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الشديد خلال العامين الماضيين، والذي يبلغ حاليًا 276 مليونًا، وفقًا لبرنامج الأغذية العالمي.
الصراع في أوكرانيا وعوامل الخطر في الشرق الأوسط
يقول بيرتين وأبيس إنه من المرجح أن تؤثر الحرب الدائرة في أوكرانيا على الاقتصادات في جميع أنحاء العالم. من خلال خمس قنوات رئيسية. ومن المرجح أن تولد تداعيات كبيرة على الأمن الغذائي للعديد من البلدان. والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي المحلي على المدى القصير والمتوسط.
يأتي التأثير قصير المدى على أسعار الغذاء العالمية من خلال دور روسيا وأوكرانيا كمنتجين رئيسيين للسلع الغذائية. الحبوب والزيوت النباتية بشكل أساسي.
منذ بداية الأزمة الأوكرانية، انخفضت الشحنات من البحر الأسود بشكل كبير. مما كان له تأثير فوري على البلدان التي تستورد الحبوب مباشرة عبر هذا الطريق، خاصة بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. كما أدت الاضطرابات قصيرة وطويلة الأجل للإنتاج الزراعي الأوكراني، بسبب العمليات العسكرية. وتعطيل الصادرات الروسية الناجمة عن العقوبات الغربية. إلى الزيادة السريعة في أسعار القمح على المستوى الدولي، والتي ارتفعت تدريجياً بأكثر من 30% منذ فبراير/شباط. بالإضافة إلى أسعار الحبوب الأخرى، مثل الذرة.
في مارس/آذار. سجل مؤشر الفاو لأسعار الغذاء نموًا بنسبة 33% على أساس سنوي. ومن المحتمل أن يتردد صدى ذلك عبر الأسعار المحلية لمعظم البلدان، لا سيما تلك التي تستورد حصصًا كبيرة من احتياجاتها الغذائية.
أما التأثير طويل المدى فيُعزى إلى تأثير الصراع على الأسعار الدولية للأسمدة. حيث تلعب روسيا دورًا رئيسيًا كمنتج لكل من الأسمدة والمواد الخام الرئيسية المستخدمة في إنتاجها. تسببت العقوبات الغربية -إلى جانب قيود التصدير التي فرضتها السلطات الصينية والروسية- في ارتفاع أسعار الأسمدة إلى مستويات قياسية. حيث تضاعف سعر اليوريا -وهو سماد رئيسي من النيتروجين- ثلاث مرات خلال العام الماضي. وإذا استمرت الزيادة الحالية في الأسعار، فمن المرجح أن تقلل من استخدام الأسمدة في معظم البلدان. مما قد يؤثر على غلات المحاصيل القادمة، وبالتالي على توافر السلع الزراعية في الأسواق الدولية في المستقبل.
ترجع الزيادة الكبيرة في أسعار الطاقة الدولية مؤخرًا إلى مكانة روسيا كمصدر عالمي رئيسي للنفط والغاز، وفرض العقوبات الغربية. مما قد يضعف أو يجعل واردات الطاقة من روسيا أكثر تكلفة. من المحتمل أن يؤثر ذلك على اقتصادات البلدان المستوردة الصافية للهيدروكربونات. وبالطبع، من المرجح أن تتفاقم أسعار الطاقة المرتفعة مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية، حيث يمثل الوقود مدخلاً زراعيًا رئيسيًا.
على الجانب الإيجابي -بالنسبة للغرب- من المرجح أن تساعد أسعار الطاقة المتزايدة على انتعاش الاقتصادات التي تعد مصدراً صافياً للنفط والغاز. وأن يتردد أصداء الانخفاض السريع في قيمة الروبل، ليصل إلى زعزعة استقرار الاقتصاد الكلي. للاقتصادات المرتبطة ارتباطًا وثيقًا بروسيا، بعد فرض العقوبات الغربية، والانكماش الكبير المتوقع للاقتصاد الروسي.
في الوقت نفسه، يتسبب تناقص الإمدادات على المستوى الدولي في قيام بعض الدول المنتجة بتقييد الصادرات أو حظرها. لضمان استقرار الأسعار المحلية. يمثل هذا حاليًا أكبر عامل خطر بالنسبة لأسواق المواد الغذائية، حيث إن الانخفاض السريع الناجم عن الحظر على جانب العرض. قد يعزز بشكل كبير وتيرة الزيادات في الأسعار، ويمنع الاقتصادات المعتمدة على الاستيراد بشكل فعال. من ضمان التدفق الحيوي للإمدادات الغذائية.
نظرًا لأن الصراع في أوكرانيا لا يبدو أنه سيتراجع في أي وقت قريب. فإن آثاره المتتالية تتردد بالفعل في البلدان التي عانت أكثر من غيرها خلال الوباء. ما يثير القلق بشكل خاص هو وضع بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، التي تواجه بالفعل أزمات موجودة مسبقًا. مثل اليمن وسوريا والسودان.
ما هي الدول التي يحتمل أن تكون أكثر تضررا؟
نظرًا لأن الانخفاض الحالي في العرض يؤثر على حصة إنتاج الحبوب العالمي المتبادلة دوليًا -ما يقرب من ربع الإنتاج العالمي- فإن البلدان التي يُرجح أن تتأثر. هي تلك التي لا يكفي إنتاجها لتغطية الطلب المحلي. من بين البلدان المعتمدة على الاستيراد، الدول منخفضة الدخل و/ أو تلك التي تعاني من اختلالات خطيرة في الاقتصاد الكلي.
يعتمد مدى تعرض البلدان للضغوط الاجتماعية والاقتصادية، الناجمة عن الحرب في أوكرانيا. على خمسة عوامل رئيسية. أولها الاعتماد المباشر على الواردات من حوض البحر الأسود. فالبلدان التي تستورد كميات كبيرة من الحبوب مباشرة من أوكرانيا وروسيا. عرضة لمواجهة ارتفاع أسعار المواد الغذائية المحلية أو نقصها. من بين هذه الدول مصر، وتركيا، ولبنان، وسوريا، وتونس، والجزائر، والمغرب، والسودان. بالفعل، بدأت بعض هذه البلدان تشهد نقصًا في الحبوب وارتفاعًا في الأسعار.
أيضا، دأبت العديد من البلدان على تخزين احتياطاتها الغذائية على مدى الأشهر الماضية لمنع الزيادة المستمرة في أسعار المواد الغذائية. قد تكون هذه البلدان قادرة على تأخير ارتداد أسعار الغذاء الدولية في أسواقها المحلية بشكل كبير. وتعتمد قدرتها على تسهيل انتقال الأسعار على حجم مخزونها بالنسبة لاستهلاكها.
من المرجح أن تشهد البلدان المستوردة الصافية للمواد الغذائية -وخاصة الحبوب- ارتفاعًا في الأسعار خلال الأشهر المقبلة. حتى لو لم تستورد مباشرة من روسيا أو أوكرانيا. من المرجح أن يمتد الارتفاع الحاد في أسعار المواد الغذائية العالمية إلى الأسعار المحلية في أوقات مختلفة.
وفقًا لدراسة حديثة حول هذا الموضوع، تؤدي زيادة أسعار الغذاء الدولية إلى زيادة الأسعار المحلية. بسرعة أكبر في البلدان منخفضة الدخل، بمتوسط تأخير زمني يبلغ نصف شهر. بينما يميل الانتقال إلى مزيد من الوقت في الاقتصادات ذات الدخل المتوسط، حوالي 6 أشهر. وقد سلط بحث برنامج الأغذية العالميWFP الضوء على تعرض منطقة جنوب الصحراء الكبرى -بشكل خاص- للتعرض المرتفع خلال الأشهر المقبلة. بسبب وجود العديد من الاقتصادات التي تتميز بالاعتماد على الاستيراد ومستويات الدخل المنخفض.
هل يكفي تكديس السلع الغذائية؟
في بعض البلدان، قد يؤدي وجود احتياطات محلية لتقلب أسعار الغذاء. أو برامج دعم للمواد الغذائية، أو تدابير مؤقتة لترويض الزيادات في الأسعار. إلى تأخير أو تفادي انتقال زيادات الأسعار الدولية إلى الأسعار المحلية تمامًا. مع ذلك، قد تصبح هذه التدابير غير مستدامة إذا كانت الزيادات في الأسعار واضحة أو مطولة. وقد يؤدي خفض الدعم أو إلغائه- بسبب صعوبات الاقتصاد الكلي- إلى زيادات سريعة ومفاجئة في الأسعار المحلية. مثل هذا السيناريو مرجح في البلدان التي هي بالفعل غير مستقرة اقتصاديًا، بسبب تراكم أعباء الديون التي لا يمكن تحملها.
من المرجح أن تكون البلدان التي تواجه صعوبات في الاقتصاد الكلي. بسبب عوامل متنوعة -مثل أعباء الديون الثقيلة والعجز الشديد في الحساب الجاري وانخفاض احتياطيات النقد الأجنبي- أكثر عرضة للتداعيات السلبية التي تسببها زيادة أسعار المواد الغذائية. هذا هو الحال في البلدان ذات الدخل المتوسط الأدنى. والتي عادة ما تكون أقل تعرضًا لانعدام الأمن الغذائي، مثل باكستان وسريلانكا. قد يواجهون صعوبات في تمويل التكاليف الإضافية للواردات الغذائية. أو استيراد المدخلات الزراعية، مثل الأسمدة. قد تؤدي هذه التكاليف الإضافية إلى تفاقم هشاشة الاقتصاد الكلي الحالية، مما يزيد من احتمال حدوث أزمات اقتصادية كلية محتملة.
الاقتصاد المصري تحت الضغط
تعتمد مصر -وهي أكبر مستورد للقمح في العالم- بشكل كبير على روسيا وأوكرانيا. اللتين توفران 80% من وارداتها. وتستهلك سنويا نحو 21 مليون طن قمح، منها 13 مليونا مستوردة. يشتريها المشتري من الدولة المصرية، أو الهيئة العامة للسلع التموينية، أو القطاع الخاص.
ويخفف نظام دعم المواد الغذائية -الذي يعود تاريخه إلى الأربعينيات- تأثير ارتفاع الأسعار العالمية على المواطنين. اليوم، يستفيد حوالي 70 مليون شخص من نظام البطاقة التموينية. بينما يستفيد 83 مليون من الخبز البلدي المدعوم. وتتطلب برامج الدعم كل عام حوالي 9 ملايين طن من القمح.
ظل سعر الرغيف الأساسي المدعوم ثابتًا عند 5 قروش -0.003 دولار- منذ عام 1988. وعلى الرغم من تقلص وزنه تدريجياً بمرور الوقت لتقليل كمية القمح المطلوبة. لكن، يكلف برنامج دعم المواد الغذائية الحكومة حوالي 5.5 مليار دولار ، ومن المتوقع أن يتسبب ارتفاع أسعار القمح في نفقات إضافية بقيمة 763 مليون دولار.
الشهر الماضي، أعلنت الحكومة المصرية أنها طلبت دعم صندوق النقد الدولي لتخفيف الصدمات التي تعرض لها اقتصاد البلاد منذ اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا. إضافة على ما يقرب من 22 مليار دولار من السعودية وقطر والإمارات. في شكل ودائع واستثمارات البنك المركزي. وبينما تعمل البلاد على التعافي الاقتصادي غير المكتمل من جائحة كوفيد 19.
يزيد تأثير الصراع في أوكرانيا من تدهور الوضع، حيث ارتفعت أسعار الطاقة والغذاء -ولا سيما الحبوب- بشكل ملحوظ. كما ارتفعت أسعار الحبوب العالمية بنسبة 27% في عام 2021. وبعد اندلاع الصراع، ارتفعت مرة أخرى بنسبة 19.7% إضافية بين فبراير/شباط، ومارس/آذار.
الخبز والاستقرار
يقول الباحث الإيطالي ألدو ليجا: في أكثر دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كثافة سكانية. يعتبر سعر الخبز أمرًا حاسمًا للحفاظ على التوازن الاجتماعي والسياسي. في مصر، يعيش ما يقرب من ثلث سكانها البالغ عددهم 103 ملايين نسمة تحت خط الفقر الرسمي. على هذه الخلفية، ظهرت مخاوف بشأن احتمال أن يؤدي تضخم أسعار الغذاء إلى تأجيج الاضطرابات الاجتماعية. تتمتع البلاد بتاريخ طويل من الاضطرابات المتعلقة بالغذاء، من أعمال شغب عام 1977 -انتفاضة الخبز- إلى أزمة الغذاء العالمية في 2007-2008. كان الشعار الرئيسي للمتظاهرين خلال انتفاضة 2011، التي أطاحت بالرئيس الأسبق حسني مبارك “الخبز، والحرية، والعدالة الاجتماعية”.
يُضيف: ساعد دعم المواد الغذائية الحكومات تاريخيًا على تعزيز “شرعية حكمها في غياب مشاركة سياسية ذات مغزى”. واليوم، يخشى العديد من المحللين من أن تضخم أسعار الغذاء الحالي. وما يترتب عليه من تأثير على ميزانية الدولة. يهدد بزعزعة استقرار البلاد، بسبب الجزء الكبير للغاية من السكان. الذين سيتأثرون بشكل مباشر أو غير مباشر بارتفاع الأسعار.
إدارة تداعيات الصراع
مع بدء موسم الحصاد المحلي هذا الشهر، أكدت الحكومة المصرية أن لديها مخزونًا استراتيجيًا من القمح سيكفي حتى نوفمبر/تشرين الثاني. ووافق مجلس الوزراء على مجموعة واسعة من الإجراءات. لمعالجة الأزمة التي تلوح في الأفق. من بينها، وضع حد أقصى لسعر الخبز غير المدعوم، والذي ارتفع بنسبة 25% عقب اندلاع الحرب في أوكرانيا. وضوابط مكثفة على الأسعار.
ومن أجل إدارة تداعيات الصراع، تنتهج الحكومة استراتيجية لتنويع موردي القمح. في الوقت نفسه، ورغم حالة الصراع في البحر الأسود، لم تتعطل الواردات من روسيا. وارتفعت كميتها الشهر الماضي بنسبة 24% مقارنة بشهر مارس/أذار 2021. لتبلغ 479195 طنا. بالمقابل، انخفضت الواردات من أوكرانيا بنسبة 42%.
حتى الآن، لا زالت عطاءات الهيئة العامة للسلع التموينية -الخاضعة لمعايير محددة مثل حدود رطوبة القمح- مفتوحة لـ 16 بلدًا معتمدًا لاستيراد القمح. وهي روسيا، أوكرانيا، الولايات المتحدة، كندا، أستراليا، فرنسا، ألمانيا، بولندا، لاتفيا، الأرجنتين، كازاخستان، باراجواي، المجر، رومانيا، بلغاريا، وصربيا. وهذه الأسابيع، تجري القاهرة محادثات مع نيودلهي لبدء استيراد القمح من الهند.
على جانب آخر. تعد زيادة الإنتاج المحلي ركيزة أخرى من ركائز الاستراتيجية المصرية لتقليل اعتمادها على الأسواق العالمية. على الرغم من وجود مخاوف كبيرة بشأن ندرة المياه. وكان الرئيس السيسي قد أعلن في فبراير/شباط، عن زيادة المساحات المزروعة بالقمح -حاليًا 3.6 مليون فدان- بمقدار مليون فدان العام المقبل. وبمقدار 2 مليون فدان في عام 2024.
وحسب نقابة الفلاحين، مصر بحاجة أكثر من 6 ملايين فدان لتحقيق الاكتفاء الذاتي. كما تهدف الحكومة إلى رفع إنتاجية الفدان -1.04 فدان- باستخدام أصناف جديدة من القمح وطرق الري الحديثة. كذلك، خصصت الحكومة المزيد من الأموال لإنتاج القمح. مما رفع سعر شراء القمح المحلي إلى 885 جنيه -48 دولارًا- لتحفيز المزارعين على توفير أكبر كمية ممكنة للحكومة. وتستثمر الدولة في تحديث وتوسيع سعتها التخزينية الاستراتيجية، حيث أطلقت المشروع الوطني للصوامع في نهاية العام الماضي.
أحمد صوان – مصر 360
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.