صدر عن «المنظمة الدولية للهجرة» تقريرها عن حالة الهجرة في العالم عام 2020، والذي يعد مرجعًا أساسيًا لفهم حالة التنقل البشري؛ إذ يتناول أحدث البيانات المتعلقة بالهجرة على الصعيد العالمي. ترتبط حركة الهجرة عادةً بالتحولات الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية العالمية، ويركز التقرير الأخير على آخر التطورات التي شهدتها الهجرة الدولية في العامين السابقين لعام 2020، ولا تتجاوز البيانات المنشورة فيه شهر يونيو (حزيران) 2019، كما يتنبأ أننا في خضم تحولات عالمية عميقة، وفيما يلي نقدم عرضًا لأهم ما جاء في التقرير، مع رصد التغيرات التي شهدها عالم المهجر في الأعوام الأخيرة.
أنماط الهجرة تتغير.. عين على ما حدث في 20 عامًا
في المجالات الجيوسياسية والاجتماعية والبيئية، يرى بعض المحللين أننا نعيش عصرًا سمته «الاضطراب الشديد والحيرة»؛ فيه التوترات الجيوسياسية العميقة تغير شكل العلاقات الدولية، كما أن الانتشار المطرد للتكنولوجيا قد قلب رأسًا على عقب افتراضات كانت قائمة منذ أمد بعيد بخصوص السياسة، والأمن، والاقتصاد.
البعض يطلق عليه «عصر التغيير»، أو «عصر السرعة»، ويراه آخرون ثورة صناعية رابعة، تدل على أن العالم يتغير بسرعة كبيرة، وقد تزايدت فيه وتيرة التغيير بما يتجاوز كل التوقعات والتنبؤات. أما عن الهجرة، فيشير التقرير إلى أنها موضوع «سياسي» بامتياز؛ إذ لا يمكن أن نتناول موضوع الهجرة بمنأى عن التحولات السياسية الكبيرة والصراعات التي يشهدها العالم، خاصةً أنها أصبحت أداة سياسية يستخدمها السياسيون في حملاتهم الانتخابية بأوروبا مثلًا، مستغلين الخوف الغربي من وفود أعداد كبيرة من المهاجرين، وعادةً ما يجري إلقاء اللوم عليهم في الأزمات المحلية التي يتعرض لها البلد المُستقبِل.
ترتبط الهجرة أيضًا بعالم التكنولوجيا والابتكار، حتى أن التكنولوجيا تعد إحدى الوسائل المستخدمة في دعم الهجرة غير النظامية، فمنصات التواصل الاجتماعي – على سبيل المثال – أصبحت مصدرًا لجمع المعلومات، وتقاسمها بما في ذلك العمليات السرية لعبور الحدود.
وساعدت التكنولوجيا أيضًا من يعيشون في المهجر على الاندماج في البلدان المستقبلة، وفي الوقت ذاته الحفاظ على صلتهم الاجتماعية بعائلاتهم ومجتمعاتهم الأصلية، ودعمهم ماليًا، وهو ما ساهم فيه زيادة تطبيقات الخدمات النقدية المتنقلة، كما أثرت تكنولوجيات وسائل التواصل الاجتماعي بنحو متزايد على سياسات الهجرة، خاصةً مع ذروة نشاط أقصى اليمين في المنصات سعيًا للتأثير في الخطاب السياسي، ثم في القرارات السياسية، ومنها تلك المتعلقة بالهجرة في نهاية المطاف.
عندما صدر التقرير الأول لحالة الهجرة العالمية قبل 20 عامًا، تناول دراسة أثر العولمة في التأثير على أنماط الهجرة؛ إذ على الرغم من أن الهجرة عادة قديمة قِدم البلدان، فإنها أضحت تتسارع بوتيرة أعلى مع بداية عولمة العمليات الاقتصادية والتجارية، وأدت إلى زيادة تنقل الأيدي العاملة، فضلًا عن السلع ورؤوس الأموال.
خلال السنتين الماضيتين، بعد صدور تقرير الهجرة في العالم لعام 2018، شهد العالم تغيرًا تاريخيًا على المستوى العالمي، فيما يخص وضع الصيغة النهائية لاتفاقين عالميين بشأن المظاهر الدولية للهجرة والتشرد.
الأول كان اتفاقًا عالميًا من أجل الهجرة الآمنة والمنظمة والنظامية، والثاني الاتفاق العالمي لشؤون اللاجئين، وقد أنجزت الاتفاقات بعد اجتماع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لبحث سبل تنظيم الهجرة على الصعيد العالمي، وهو ما يعني أن الأمم المتحدة ستهتم بوجهٍ خاص بقضايا الهجرة المُعلقة وأزمات اللاجئين في إطار رسمي ومتفاوض عليه، كما يتوقع التقرير. إذ يعد الانسجام داخل منظومة الأمم المتحدة ضروريًا من أجل التنفيذ الفعال للإجراءات، وتناول قضية المهاجرين كقضية قائمة بذاتها، بحسب التقرير.
تذهب التقديرات إلى أن عدد المهاجرين الدوليين في عام 2019 بلغ حوالي 272 مليون شخص حول العالم، ثلثيهم مهاجرون من أجل العمل بنسبة 74%؛ وهو ما يعني اتساع نطاق الهجرة الدولية؛ إذ على الرغم من أن نسبة المهاجرين لا تتعدى 3.5% من سكان العالم، فإن أعداد المهاجرين الأخيرة قد تجاوزت التوقعات التي وضعها الباحثون لما ستصل إليه الهجرة عام 2050. وهو ما يرجع لصعوبة التنبؤ بدقة نطاق الهجرة الدولية وسرعتها، بحسب التقرير.
وبمقارنة تقرير عام 2020 مع التقرير الأول لحالة الهجرة عالميًا الصادر عام 2000، نجد بعض الجوانب قد ظلت على حالها، ورغم ذلك ازدادت نسبة التحويلات النقدية من 126 مليار دولار عام 2000 إلى 689 مليارًا في العام 2020. وهو ما يدل على مدى تسارع وتيرة الهجرة في العشرين عامًا الماضية، ويؤكد على أهمية الهجرة الدولية باعتبارها محركًا للتنمية في الوقت ذاته.
تقرير الهجرة عام 2020
تأتي هذه الطبعة من «تقرير الهجرة في العالم عام 2020»، في الذكرى العشرين لبداية صدور سلسلة تقارير الهجرة في العالم، وتستند هذه الطبعة الحديثة إلى معلومات محدثة لتقرير الهجرة السابق لعام 2018. هذا إلى جانب مناقشة المساهمات حديثة العهد في بحوث الهجرة وتحليلاتها من الأوساط الأكاديمية، وقد جرى إعدادهم في فصولٍ تتناول مجموعة من قضايا الهجرة المعقدة والناشئة، وفيما يلي عرض موجز لأهم ما جاء في التقرير.
ملخص عام عن نسب المهاجرين النظاميين
تهاجر الغالبية العظمى من السكان دوليًا لأسباب تتمثل في العمل والدراسة، وهي عمليات هجرة طبيعية تحدث دون أن تثار حولها الإشكاليات، إلا أن النوع الثاني من الهجرة – الناتج عن الاضطرابات السياسية والتحولات الكبرى التي اضطرت أشخاصًا لأن يغادروا ديارهم لأسبابٍ قهرية – هو ما نتجت عنه مجموعات كبيرة من اللاجئين والمشردين، وهي الفئات الأكثر حاجة إلى الدعم والمساعدة.
يشير التقرير إلى أن عدد المهاجرين البالغ 272 مليون نسمة من أصل مجموع السكان البالغ 7.7 مليار شخص في 2019، يعني أن هناك مهاجرًا بين كل 30 فرد، كما كان أغلب المهاجرين الدوليين في سن العمل؛ إذ تراوحت أعمارهم بين 20 و64 عامًا.
أما عن الهجرة غير الشرعية، بحسب بيانات الولايات المتحدة الأمريكية، فقد وصل عدد المهاجرين غير الشرعيين إلى حوالي 10.5 ملايين مهاجر غير نظامي عام 2017، وهو ما يشكل حوالي 3.2% من مجموع السكان، ويعد تراجعًا عن الأعداد التي جرى رصدها عام 2007 والتي وصلت إلى 12.2 مليون مهاجر غير شرعي بحسب أمريكا.
أما كندا، فتفيد التقارير أن أكثر من 45 ألف مهاجـر عبروا الحدود إليها بطريقةٍ غير شرعية في السنتين اللتين سبقتا شهر يونيو 2019، وفي المقابل، زادت أعداد المهاجرين غير النظاميين في أمريكا الوسطى من 1.5 مليون شخص عام 2007 إلى 1.9 مليون شخص عام 2017، أغلبهم من السلفادور، وغواتيمالا، وهندوراس.
وتعد البيانات الواردة عن الهجرة غير النظامية بالتقريرِ قليلة ونادرة ومن الصعب حساب نسبتها على المستوى العالمي من مجموع المهاجرين، كما يدخل في تعدادها الأشخاص الذين تجاوزت مدة إقامتهم الفترات المسموح بها، وهو ما يجعل التأكد من الأرقام مهمة صعبة، بحسب التقرير.
وقد تركزت أعلى نسبة للمهاجرين بشكل عام في آسيا وأوروبا، بنسبة 61% من مجموع المهاجرين الشرعيين، تلتهما قارة أمريكا الشمالية بنسبة 22% من مجموع المهاجرين، وأفريقيا بنسبة وصلت 10%، أما أمريكا اللاتينية والكاريبي، فاستقبلتا نسبة ضئيلة من المهاجرين حوالي 4%. وفيما يلي عرضًا لأهم فئات المهاجرين.
أولًا: العمالة المهاجرة
تشير أحدث التقديرات المتاحة إلى وجود حوالي 164 مليون عامل مهاجر في جميع أنحاء العالم عام 2017، أي قرابة ثلثي المهاجرين الدوليين 64%، من مجموع المهاجرين الدوليين الذين بلغ عددهم حينذاك حوالي 258 مليون مهاجر، بحسب تقارير منظمة العمل الدولية، إلا أن الوضع يختلف بالتأكيد عما هو الحال اليوم على أرض الواقع.
في عام 2017 كان أغلب العمال المهاجرين يعيشون في بلدان مرتفعة الدخل، بلغ عددهم 111 مليون مهاجر، بالإضافة إلى 47 مليون مهاجر آخرين يعيشون في بلدان متوسطة الدخل، وذلك في مقابل 5.6 مليون مهاجر في بلدان منخفضة الدخل، والجدير بالذكر أن حركة هجرة العمال قد تغيرت من عام 2013 وحتى 2017؛ إذ تغيرت بلدان المقصد من المناطق مرتفعة الدخل إلى متوسطة على عكس التقديرات السابقة.
أي أن البلدان مرتفعة الدخل شهدت في الفترة من 2013 إلى 2017 تراجعًا بسبع نقاط مئوية في نسبة العمال المهاجرين (من 75% إلى 68%)، بينمـا شهدت البلدان متوسطة الدخل من الشريحة العليا زيادة بسبع نقاط مئوية (من 12% إلى 19%).
ويشير التقرير إلى أن 61% من مجموع العمال المهاجرين يقيمون في ثلاث مناطق فرعية، هي: أمريكا الشمالية، والدول العربية، وأوروبا الشمالية والجنوبية والغربية، وتعد منطقة الدول العربية واحدة من الجهات الرئيسة التي تقصدها العمالة المهاجرة، وبحسب تقرير حالة الهجرة في العالم لعام 2019، تتلقى بلدان مجلس التعاون الخليجي معظم المهاجرين في المنطقة، إذ بلغت نسبة المهاجرين لمنطقة الخليج العربي عام 2017 حوالي 74% من مجموع المهاجرين واللاجئين بالمنطقة العربية.
ثانيًا: اللاجئون
بحلول نهاية عام 2018 بلغ مجموع أعداد اللاجئين في العالم حوالي 25.9 مليون لاجئ. ذلك فضلًا عن وجود 3.5 ملايين شخصًا من ملتمسي اللجوء في انتظار إقرار صفتهم لاجئين، وقد وصل عدد طلبات اللجوء عام 2018 إلى 2.1 مليون طلب، سواء إلى الدول أو إلى مفوضية اللاجئين، وكانت الولايات المتحدة الأمريكية من أولى الدول المتلقية لطلبات اللجوء خلال العام؛ إذ قدم إليه 254 ألف طلب لجوء جديد من أصل 1.7 مليون طلب لجوء في المرحلة الابتدائية، وشكل ذلك انخفاضًا بنسبة 23% مقارنةً بعام 2017.
وكانت بيرو ثاني أكبر بلد متلق لطلبات اللجوء؛ إذ سجلت 192 ألف طلب في 2018، وهو ما يشكل زيادة صارخة في طلبات اللجوء شكل معظمها الفنزويليون مقارنةً بعام 2017 الذي سجل 37 ألف طلب لجوء فقط، وجاءت ألمانيا ثالث أكبر بلد في تلقي طلبات اللجوء؛ إذ سجلت 161 ألف طلب، وهو انخفاض كبير عن الأعوام التي سبقت ذلك؛ إذ تلقت ألمانيا 198 ألف طلب عام 2017، و722 ألف طلبًا عام 2016.
وتشير مفوضية اللاجئين إلى أن النسبة الأكبر من اللاجئين كانت أعمارهم أقل من 18 عامًا؛ إذ شكلوا حوالي 52% من مجموع اللاجئين حول العالم، وهم الشباب القُصر والأطفال تحت السن القانوني الذين شكلوا بحسب تقديرات المفوضية نسب كبيرة من أعداد اللاجئين بين عامي 2003 و2018، تراوحت ما بين 41% و52%. أما نسب النساء فقد ظلت مستقرة نسبيًا في الفترة الزمنية ذاتها؛ إذ تراوحت ما بين 47% و49% من مجموع اللاجئين.
كان للنزاعات المتجددة والتحولات الكبرى في النظم السياسية دور كبير في زيادة نسب اللاجئين بالعالم؛ إذ بلغت أعداد اللاجئين المنحدرين من سوريا، وجنوب السودان، وأفغانستان، والصومال، وميانمار، والسودان، وجمهورية الكونغو حوالي 82% من مجموع اللاجئين، وهو ما يقدر بـ16.6 مليون لاجئ. كما كانت مجموعة البلدان ذاتها هي المصدر الأول للاجئين على مدار خمس سنوات على الأقل.
إحصاءات خاصة باللاجئين والمشردين
بلغ عدد اللاجئين المنحدرين من سوريا حوالي 6.7 مليون لاجئ، في حين كانت أعداد اللاجئين القادمين من أفغانستان – وهو ثاني أكبر بلد مصدر للاجئين على مدار 20 عامًا – حوالي 2.7 مليون لاجئ، في حين جاءت جنوب السودان في المركز الثالث وذلك منذ اندلاع أعمال العنف الواسع النطاق في البلد عام 2016، بتعداد لاجئين وصل إلى 2.3 مليون لاجئ بنهاية عام 2018.
خلال عام 2018 كانت تركيا للسنة الخامسة على التوالي أكبر بلد مضيف للاجئين في العالم؛ إذ بلغ عدد اللاجئين المقيمين فيها حوالي 3.7 مليون لاجئ، معظمهم من الجمهورية العربية السورية بتقدير (3.6 مليون لاجئ)، بحسب مفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين. كما جاءت الأردن ولبنان ضمن أكبر 10 بلدان مضيفة في العالم، إلى جانب باكستان وجمهورية إيران الإسلامية باعتبارهما أكبر بلدين مستقبلين للاجئين الأفغان.
ثالثًا: المشردون داخليًا
يعد أغلب ضحايا التشرد الداخلي ممن عانوا من الكوارث أو النزاعات والعنف خلال لحظة معينة؛ وفي عام 2018، بلغ عدد المشردين داخليًا – داخل حدود بلدانهم – حوالي 41.3 مليون شخص، وهو أعلى رقم سُجل على الإطلاق منذ بدأ مركز رصد تسجيل المشردين داخليًا عام 1998، كما أنه يمثل زيادة عن الرقم المُبلغ عنه عام 2017، والذي يقدر أعداد المشردين داخليًا بحوالي 40 مليون شخص.
أما عن البلدان الرئيسة التي تضم العدد الأكبر من المشردين داخليًا فقد أتت كالتالي: سجلت سوريا أكبر عدد من الأشخاص المشردين من جراء النزاع، وبلغ عددهم حوالي 6.1 مليون شخص، تليها كولومبيا التي سجلت حوالي 5.8 مليون مشرد، ثم جمهورية الكونغو الديمقراطية الشعبية بعدد مشردين وصل 3.1 مليون، في حين سجلت الصومال حوالي 2.6 مليون مُشرد، وهو نفس عدد المشردين داخل أفغانستان، وفي نهاية عام 2018 بلغ مجموع حالات المشردين الجدد حوالي 28 مليون حالة في 148 بلدًا وأقليمًا، جاء أغلبها نتيجة للكوارث بحوالي 61%، أما نسبة الـ39% الباقية فكانت نتيجة النزاعات والعنف.
ماذا لو نظرنا للهجرة من ناحية الاقتصاد؟
تعكس البيانات المتاحة زيادة إجمالية في التحويلات النقدية التي يرسلها المهاجرين إلى ذويهم وأقاربهم في بلدانهم الأصلية، إذ ارتفعت قيمة التحويلات في العقود الأخيرة من 126 مليار دولار أمريكي عام 2000، إلى 689 مليار دولار عام 2018.
وارتفعت التحويلات بنسبة 9% عن الأرقام الصادرة لعام 2017؛ إذ وصلت حينها إلى 633 مليار دولار، وقبل ذلك كانت التحويلات النقدية قد شهدت تراجعًا بين عامي 2014 و2015؛ بعد أن تقلصت الحوالات الوافدة بنسبة 1.2%؛ إذ شهدت تراجعًا من 603 مليار دولار عام 2014 إلى 595 مليار لعام 2015.
وفي عام 2018 كانت الهند، والصين، والمكسيك، والفلبين، ومصر – مرتبة تنازليًا – هما البلدان الخمسة الرئيسة المتلقية للتحويلات، على أن الهند والصين تتجاوزان بقية البلدان إلى حد بعيد، إذ فاق مجموع التحويلات الوافدة إلى كلٍ منهما 67 مليار دولار.
في الوقتِ ذاته، تعتبر البلدان مرتفعة الدخل هي أهم مصدر للتحويلات النقدية، فعلى مدى عقود كانت الولايات المتحدة الأمريكية أكبر بلد مرسل للتحويلات؛ إذ بلغ إجمالي التدفقات المالية الوافدة منها 67.9 مليار دولار لعام 2017، تليها الإمارات العربية المتحدة بإجمالي 44.3 مليار دولار، والمملكة العربية السعودية بتحويلاتٍ قدرها 36 مليار دولار. هذا إلى جانب سويسرا 26.6 مليار دولار، وأخيرًا ألمانيا خامس أكبر بلد مرسل للتحويلات بحوالي 22 مليار دولار.
لمحة سريعة عن تقرير حالة الهجرة لعام 2019
اختص تقرير «حالة الهجرة الدولية لعام 2019»، وهو النسخة السابقة للتقرير الحالي، بدراسة الهجرة الآمنة، والمنظمة، والنظامية، في سياق المنطقة العربية، ولذا جاء شديد الخصوصية في محتواه من أجل فهمٍ أوضح لظاهرتي الهجرة والنزوح في المنطقة العربية.
يختلف توزيع المهاجرين الدوليين على عددٍ من البلدان، إلا أن دول مجلس التعاون الخليجي قد تلقت النسبة الأكبر من المهاجرين بحوالي 74% من مجمل المهاجرين إلى المنطقة العربية، إذ جاءت نسبة المهاجرين في بلدان المشرق العربي التي تضم مصر، ولبنان، والأردن بحوالي 19%، مقابل 3% ببلدان المغرب العربي (تونس، والجزائر، وليبيا)، و4% في أقل البلدان العربية نموًا، والتي تضم جيبوتي، وجزر القمر، والسودان.
يشير التقرير إلى أنه من بين أكبر دول المقصد الخمس للمهاجرين في المنطقة العربية، ضمت المملكة العربية السعودية حوالي 12 مليون مهاجر في المرتبة الأولى، وتلتها الإمارات العربية المتحدة بتعداد مهاجرين وصل إلى 8 ملايين مهاجر عام 2017، تدخل جميعها في نطاق العمالة المهاجرة، ومن ثم تأتي الأردن، والكويت، وعمان.
أما عن اللاجئين فتشير التقديرات إلى أنه في عام 2017 قد بلغ تعداد المهاجرين المقيمين واللاجئين في الأردن 3.2 مليون مهاجر، وفي لبنان حوالي 1.9 مليون شخص، هذا بالإضافة إلى النازحين من سوريا، وليبيا، والسودان. إذ شهدت هذه البلدان باستثناء لبنان زيادة في عدد اللاجئين والنازحين منذ عام 2015.
اقتصاديًا.. الهجرة لها تأثيرات إيجابية على النمو
عادةً ما يجري تسييس قضية المهاجرين لأغراضٍ انتخابية – بحسب التقرير – تسهم في تقديم صور سلبية عن المهاجرين بين الأحزاب السياسية ووسائل الإعلام، باعتبارهم يشكلون تهديدًا لهوية الوطن واستقراره الاقتصادي وأمنه، وهو الأمر الذي أدى إلى ازدياد حالات التعصب والعنصرية ضد المهاجرين والوافدين.
يشير تقرير معهد ماكينزي العالمي عن الهجرة الصادر في ديسمبر (كانون الأول) 2016، إلى أن المهاجرين ساهموا بأكثر من 9% في الناتج المحلي الإجمالي العالمي لعام 2015، وهو ما يعادل 6.7 تريليون دولار أمريكي، بحسب تقرير الهجرة العالمي لعام 2020.
وهو ما يعني أن الآثار الاقتصادية للهجرة ليست سيئة كما يصورها الخطاب السياسي، فعلى الرغم من أن الهجرة قد تفرض بعض التحديات المعينة، فإن المحللين الاقتصاديين يرون أنها تؤثر إيجابيًا على النمو الاقتصادي.
تعود تأثيرات الهجرة الإيجابية إلى عدة عوامل، أهمها صغر سن المهاجرين نسبةً إلى السكان المحليين، تحديدًا في أوروبا؛ إذ إن أغلبهم يهاجر في سن العمل، وبالتالي يصبحون عناصر مؤثرة، سواء على نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، أو على الناتج الإجمالي الكلي، كونهم يشكلون الأيدي العاملة في البلدان التي يسافرون إليها.
وتشير التقارير إلى أن نسبة العمالة الوافدة قد أثرت بشكلٍ إيجابي، سواء في بلدان المقصد؛ كونهم يشكلون رأس المال البشري، أو في تعزيز الاقتصاد داخل بلدانهم الأصلية من خلال التحويلات النقدية. على سبيل المثال: لو كانت الهجرة توقفت في المملكة المتحدة وألمانيا عام 1990، لفقد كلا البلدين حوالي 175 بليون جنيه إسترليني، و55 بليون جنيه إسترليني بحلول عام 2014 من الناتج المحلي الإجمالي.
لا تتوقف تأثيرات المهاجرين في البلدان المضيفة على العوامل الاقتصادية فقط؛ إذ عادةً ما يؤدي الإدماج في المجتمعات الجديدة إلى زيادة التنوع الاجتماعي والثقافي والإثني والديني في البلدان المستقبلة، وهو ما يحفز مشاعر الذعر والقلق داخل المجتمعات الغربية من اللاجئين، هذا الخوف الذي يلعب عليه الساسة عادةً في حملاتهم الإنتخابية بتضخيمه، بحسب التقرير؛ مما يساهم في نمو مشاعر العداء والعنصرية تجاه المهاجرين واللاجئين، وقد أدى ذلك في النهاية إلى وضع إطار ضيق، وسياسات خاصة بالإدماج اعتمدتها بعض الدول، من أجل وضع حاجز بين المهاجرين والمجتمعات المحلية المستقبلة يهدف إلى الحفاظ على تماسكها الاجتماعي.
الهجرة غير النظامية للأطفال
لا تعد هجرة الأطفال أمرًا جديدًا فهو عادة قديمة، والتاريخ مليء بقصص عن هجرة فتيان وفتيات، سواء مع ذويهم، أو وحدهم نتيجة للكوارث، أو النزاعات التي قد تفصل الأطفال عن عوائلهم. لكن ما يركز عليه تقرير الهجرة لعام 2020 تحديدًا، هو الهجرة غير النظامية للأطفال، سواء بسبب الحروب والمجاعات والكوارث الطبيعية، أو نتيجة للإتجار بالأطفال، وتلك الظاهرة تزايدت في السنوات الأخيرة حتى بلغ عدد المهاجرين دون الثامنة عشرة – وهو السن القانونية للبلوغ – حوالي 37.9 مليون مهاجر عام 2019، وهو ما يقدر بـ14% من نسبة المهاجرين في العالم.
بعض حالات الهجرة كان بغرض جنسي بشكلٍ كبير بحسب التقرير، مثل استغلال الفتيات النيجيريات لفترة طويلة عن طريق نقلهن إلى أوروبا للعمل في صناعة الجنس، وفي بعض الحالات الأخرى كانت الهجرة بحثًا عن حياة أفضل، مثل هجرة الفتيان المراهقة في شمال أفريقيا بحثًا عن الفرص، تلك الهجرات التي عادةً ما تحصل في عرض البجر ونسمع عن حوادثها في نشرات الأخبار، حيث تكثر حالات الغرق في طرق شرق ووسط البحر الأبيض المتوسط.
من الأمثلة التي ذكرها التقرير عن الهجرة غير النظامية للأطفال كان فرار أطفال أمريكا الوسطى من العصابات، وطلبهم اللجوء للولايات المتحدة الأمريكية، وهي أزمة مستمرة منذ عقود؛ إلا أنها قد تزايدت بصورة كبيرة منذ عام 2014، ونتيجة لذلك تحتجز أمريكا أعدادًا كبيرة من الأطفال بلغ عددها عام 2018 حوالي 14 ألف طفل، بمركز احتجاز المهاجرين، وهم الأطفال القادمون من بلدان المثلث الشمالي، السلفادور، وهندوراس، وجواتيمالا.
كان هناك أيضًا ملتمسو اللجوء القاصرون من الأفغان في السويد عام 2015؛ إذ تلقت السويد حوالي 35 ألف طلب لجوء لقاصر خلال ذلك العام، معظمهم من الذكور الفارين من العنف السياسي داخل وطنهم، ويتوجه هؤلاء الأطفال إلى السويد في رحلة طويلة قد تدوم سبعة أشهر، باعتبارها وجهة تحترم حقوق الأطفال المهاجرين، كما توفر لهم فرصًا تعليمية جيدة.
لكن كانت الأزمة الحقيقة التي واجهها العاملين بالبحثِ في مسألة هجرة الأطفال هو قلة البيانات المتوفرة حول ذلك، على الرغم من أنها ظاهرة آخذة في الازدياد، ويرجع ذلك إلى أن بيانات أعداد المهاجرين لا تشتمل على معلومات عن السن في 20% من البلدان.
ساسة بوست
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.