مقدمة
شكّل الوضع الاقتصادي الأميركي أحد عوامل مراجعة الولايات المتحدة استراتيجيتها تجاه مشكلات منطقة غرب آسيا ومحاولة الخروج من مستنقع “الحروب الأبدية”. كان التوجّه نحو الأولويات الداخلية والمنافسة الصينية مرتكزًا في التخلّص من أعباء المنطقة والتفرّغ للوجه القيادي الأميركي في جنوب وشرق آسيا. سعت قبيل الانكفاء التدريجي إلى تثبيت الكيان في الهيمنة وفرض النفوذ على المنطقة عبر مسارات التطبيع والاتفاقيات الدفاعية. بيد أن يوم السابع من تشرين الأول، يوم طوفان الأقصى كشف عجز الكيان عن الاستغناء أو الاعتماد على واشنطن، سياسيًّا وعسكريًّا وأمنيًّا واقتصاديًّا. والأهم أنه أظهر مجددًا خسارة الولايات المتحدة الكثير من موارد الدعم والتمويل دون فعالية أو نجاعة باتجاه استقلالية الشريك الإسرائيلي. واليوم، وإذ تستمر الحرب على غزة، وتشغل الحرب الموسّعة الهواجس كما التحليلات، تحاول هذه الورقة دراسة التأثيرات الاقتصادية للتورّط الأميركي في حال اندلاع الحرب الموسّعة على الجانب الأميركي، والإحاطة بكلفة الحرب الاقتصادية على واشنطن من خلال دراسة عدة عوامل؛ مما قد يساهم في فتح نافذة لفهم الموقف الأميركي من الحرب الموسّعة.
أولًا، الأعباء الإسرائيلية المضافة
تقدم الولايات المتحدة بالفعل لإسرائيل نحو 3.8 مليار دولار من المساعدات العسكرية سنويًا، بموجب خطة مدتها 10 سنوات بدأت في عام 2016، وهو أكبر مبلغ تقدمه أي دولة في العالم منذ الحرب العالمية الثانية. بلغت قيمة المساعدات الأميركية للكيان ما يزيد على 124 مليار دولار. ويملك الكيان احتياطيات تتجاوز 200 مليار دولار من النقد الأجنبي، لكنها تتأثر بعوامل عدة: تأثير التعبئة العسكرية على المعروض من العمالة وانخفاض السياحة واحتياجات الانفاق العام والاستثمار وتدفقات رأس المال وانخفاض الشيكل، قبل الحرب انخفض بالفعل بنحو 5%، وكان “بنك إسرائيل” قد أعلن عن برنامج لبيع ما يصل إلى 30 مليار دولار من الاحتياطيات (Brookings). ويعاني الكيان من انخفاض في موارد الضرائب أساسا قبل يوم الطوفان، ومع الحرب تنخفض الموارد أكثر ما يعني عدم القدرة على التمويل إلا بالدين والدعم الخارجي. ويقدر المسؤولون أن النقص المالي سيصل في موازنة 2023 ما نسبته 3.7%، وهو رقم فاق التوقعات السابقة خلال الحرب، التي تم تقديرها بـ 1.1%.
قدّرت وزارة الاقتصاد الإسرائيلية الكلفة الأولية للحرب حوالي 51 مليار دولار. وقال وزير خلال اجتماع الكنيست: الرقم قد يزداد تبعا للتطورات على الأرض(4 كانون الأول. (aa.com.tr. طلب بايدن من الكونغرس في أواخر تشرين الأول تمويلًا إضافيًّا يزيد عن 105 مليارات دولار لكل من تايوان والكيان وأوكرانيا. وافق مجلس النواب الأميركي في الثالث من تشرين الثاني فقط على حزمة مساعدات عسكرية مستقلة بقيمة 14.3 مليار دولار لإسرائيل، أي ربع التكلفة الإجمالية للحرب على غزة (51 مليار). تتضمن الحزمة 4 مليارات دولار لتجديد أنظمة الدفاع الصاروخي الإسرائيلية “القبة الحديدية” و”مقلاع داود” والمعدات العسكرية المنقولة من المخزونات الأميركية. وقد شكّل التمويل موضوعا للنزاع بين الحزبين ويواجه احتمالات ضئيلة في أن يصبح قانونًا بسبب معارضة الرئيس جو بايدن وزملائه من الديمقراطيين في مجلس الشيوخ بسبب تضمين المشروع تخفيضات في الإنفاق ونقص المساعدات لأوكرانيا. وكي يصبح المشروع قانونًا، يجب أن يقره مجلس الشيوخ، حيث يتمتع الديمقراطيون بالأغلبية، وأن يحصل على توقيع الرئيس.
ثانيًا، أسعار النفط والغاز
توسع الحرب والانخراط المباشر الأميركي يؤدي إلى تداعيات اقتصادية عالمية حادة(abc news). ويحذر البنك الدولي من صدمة طاقة مزدوجة لم تحصل منذ عقود نتيجة الصراع في غرب آسيا والحرب في أوكرانيا، تتزعزع معها أسعار الطاقة العالمية لأن الحرب والمخاوف من إغلاق إيران مضيق هرمز، يعني وقف تدفق 20% من إنتاج النفط العالمي من دول الخليج، أي خمس النفط العالمي اليومي. وهذه بعض التوقعات الاقتصادية:
- سعر برميل النفط سيصل أكثر من 150 دولار، وحاليا ارتفع السعر من 86 دولار إلى 93 دولار، ما يؤكد انعكاس الحرب على أسعار الطاقة العالمية.
- ارتفاع في الأسعار بشكل عام، الغذائية وغيرها من المنتجات الاستهلاكية التي تعتمد على الديزل ووقود الطائرات ومختلف وسائل النقل.
- ارتفاع عام في التضخم وبطء النشاط الاقتصادي للنفط في الاستهلاك والأشغال.
- ارتفاع أسعار الغاز أكثر من 5 دولارات للغالون. وفي أميركا تقلبت أسعار النفط لمدة أسبوعين بعد طوفان الأقصى، بسبب المخاوف من تصعيد الصراع، لكنها تراجعت في الأسابيع الأخيرة، فمحدودية التأثير المباشر للصراع على أسعار النفط والغاز رهن بعدم مشاركة دول أخرى بشكل مباشر. والتدخل المباشر من إيران، على وجه التحديد، يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع أسعار الغاز، وفقًا لشبكة سي بي إس نيوز.
- انقطاع في إمدادات النفط والغاز، سيما إمدادات الغاز الأوروبي من دول المنطقة، وضغوط تصاعدية على أسعار الغاز الأوروبية.
ثالثًا، أزمة الطاقة المزدوجة وتأثيرها
الاقتصاد الأميركي يعاني بالفعل ضغوطًا مالية كبيرة وارتفاعًا مستمرًا في التضخّم وارتفاعًا شبه تاريخي في أسعار الفائدة، ومثل هذا التورط في الحرب يمكن أن يقلل من نمو الناتج المحلي الإجمالي المعدل للتضخم في الولايات المتحدة على مدى عام كامل بنسبة 1.2٪ وهو ما يعادل 500 مليار دولار من الإنتاج المفقود، وفق جريجوري داكو، كبير الاقتصاديين في شركة الاستشارات .(EY)
- الانخراط يدفع الاقتصاد الأميركي إلى الركود؛ صدمة الأسعار الناتجة يمكن أن تسبب تباطؤ اقتصادي أمريكي يؤدي إلى تسريح العمال، وفق اقتصاديين ومحللي صناعة النفط. (abc news)
- المحلل في شركة الأبحاث CFRA، ستيوارت جليكمان: يحتمل أن يؤدي التدخل إلى إدخال الاقتصاد الأميركي إلى “خندق”، قائلًا: “في كل مكان تنظر إليه سيكون الأمر أكثر تكلفة، سيكون الأمر بمثابة ضربة قوية حقًّا على جيوبنا”.
- شركة فرانكلين تمبلتون الاستثمارية، 26 تشرين الأول: “في حين يجب علينا نحن والمستثمرين أن نظل يقظين بشأن تلك المخاطر، فإننا لا نعتقد أن الصراع في شكله الحالي من المرجح أن يكون له آثار كبيرة على النمو الاقتصادي العالمي”. أي أن نفي الضرر الكبير على الاقتصاد الأميركي حاليًّا مشروط بمحدودية الصراع وحجمه الحالي.
- لن تفلح سياسة أميركا المتبعة تجاه روسيا لجهة تحديد أسعار النفط بـ 60 دولار خلال أزمة أوكرانيا (هناك تسريب وتلاعب والتفاف على العملية) في التعامل مع الأزمة هذه المرة(CBS NEWS/ MONEY WATCH). ما يعني أن هذه السياسة التي اعتمدتها واشنطن في عملية ضبط ارتفاع أسعار النفط، لن تحول دون ارتفاع الأسعار المتوقع في حال قيام الحرب الموسعة في المنطقة.
- المخزون النفطي الاستراتيجي في أميركا تم استخدامه سياسيا في الانتخابات النصفية لبايدن لتحقيق استقرار الأسعار، وهذا المخزون ليس “لا نهائي”، وتم العمل هذه السنة على إعادة التخزين عندما انخفضت الأسعار، لكن لا يمكن تأكيد عملية الضبط والخروج عن السيطرة(CBS NEWS/ MONEY WATCH). الأمر الذي لا يأمن معه تأثر الاقتصاد الأميركي بأزمة الطاقة العالمية المحتملة.
رابعًا، تصريحات صناع السياسات الاقتصادية
يبدي صنّاع السياسات الاقتصادية عدم ارتياحهم بشأن التأثير الاقتصادي للصراع الأوسع، ولديهم الكثير من المخاوف بشأن سرعة التطورات الجيوسياسية. وهذه النصائح ساهمت في نصائح البيت الأبيض للكيان بتأجيل الغزو البري للإجابة عما أسماه المتحدث باسم المجلس الأمن القومي، جون كيربي، “العواقب غير المقصودة” للعمليات العسكرية الأوسع.
- رئيس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، نيويورك، 1/12/2023: “التوترات الجيوسياسية مرتفعة للغاية وتشكل مخاطر كبيرة على النشاط الاقتصادي العالمي”.
- وزيرة الخزانة، جانيت يلين، لبلومبرغ في الاجتماع السنوي لصندوق النقد الدولي في المغرب، 13 تشرين الأول: “من المهم للغاية ألا ينتشر الصراع.. إذا توسعت الحرب إلى حد التدخل المباشر من إيران والولايات المتحدة، فإنها ستؤدي إلى عواقب اقتصادية عالمية “وخيمة”. (Bloomberg)
- الخارجية الأميركية، 4 كانون الأول: “الصراع الأوسع في الشرق الأوسط لا يخدم مصالح الولايات المتحدة ولا مصالح شركائنا الإقليميين”.
- الخارجية الأميركية، 4 كانون الأول: “الولايات المتحدة تعمل مع شركاء بحريين رئيسيين لتأمين ممر آمن للشحن العالمي في البحر الأحمر وخليج عدن”.
- مديرة الميزانية بالبيت الأبيض، شالاندا يونج، 5 كانون الأول: “أريد أن أكون واضحة: بدون إجراء من الكونغرس، بحلول نهاية العام، سوف تنفد الموارد اللازمة لشراء المزيد من الأسلحة والمعدات لأوكرانيا وتوفير المعدات من المخزونات العسكرية الأميركية”. ليس هناك قدر سحري من التمويل متاح لمواجهة هذه اللحظة. لقد نفد المال لدينا – ونفد الوقت تقريبًا.”
خامسًا، الوضع الاقتصادي الأميركي
كتبت مديرة الميزانية في البيت الأبيض، شالاندا يونغ، في رسالة للكونغرس أنه بحلول منتصف نوفمبر/تشرين الثاني، استخدمت وزارة الدفاع الأميركية 97% من التمويل الإضافي البالغ 62.3 مليار دولار الذي تلقته، واستخدمت وزارة الخارجية كل مبلغ الـ 4.7 مليار دولار من صندوق المساعدة العسكرية الذي تم تخصيصه لها. وحذرت قائلة: “أريد أن أكون واضحة: بدون إجراء من الكونغرس، بحلول نهاية العام، سوف تنفد الموارد اللازمة لشراء المزيد من الأسلحة والمعدات لأوكرانيا وتوفير المعدات من المخزونات العسكرية الأميركية .. ليس هناك قدر سحري من التمويل متاح لمواجهة هذه اللحظة. لقد نفد المال لدينا – ونفد الوقت تقريبًا”. الأمر الذي يشير إلى عبء الحرب الإسرائيلية على الخزينة الأميركية، إلى درجة أن تتجه واشنطن نحو قطع التمويل عن أوكرانيا، على الرغم من تداعيات ذلك على إطلاق يد روسيا، وفق تحذيرات الرئيس بايدن لمجلس الشيوخ.
لقد حذّر الرئيس في سياق الابتزاز لإقرار حزمة مساعدات طارئة بقيمة 106 مليارات دولار، تستفيد منها بالدرجة الأولى أوكرانيا والكيان، من أن انتصار الرئيس الروسي يعني الذهاب إلى المواجهة مع حلف شمال الأطلسي. ومع ذلك،رفض مجلس الشيوخ الأميركي في السابع من شهر تشرين الثاني، في التصويت التمهيدي هذا الطلب الذي قدمه البيت الأبيض، ما من شأنه توفير نحو 50 مليار دولار من المساعدات الجديدة لأوكرانيا؛ فقد نجحت الحرب على غزة في تشتيت انتباه القوى الغربية، وفق تقرير لـ “معهد دراسة الحرب”، ويساهم الجمود أكثر في وقف المساعدات العسكرية من كلا الولايات المتحدة وأوروبا. هذا الوضع الاقتصادي الداخلي يستفز مختلف الشرائح الشعبية والسياسية الباحثة عن أولويات السياسة الأميركية في الداخل، سيّما الأقليات المهمشة من الأميركيين الأفارقة واللاتينيين وجماعات الهجرة عبر الحدود مع أميركا الجنوبية، ويشكل ورقة ضغط انتخابية على حكومة بايدن، تزيد من وطأتها أصوات الأميركيين العرب الرافضين للحرب على فلسطين.
منذ أواخر عام 2001، خصصت الولايات المتحدة وألزمت بإنفاق ما يقدر بنحو 6.4 تريليون دولار خلال السنة المالية 2020 في تكاليف الميزانية المتعلقة بحروب ما بعد 11 أيلول _العراق وأفغانستان_ والناجمة عنها (معهد واتسون). يفوق حجم الدين الأميركي 31 تريليون دولار وهو في ارتفاع مستمر، مدعومًا بارتفاع الانفاق الحكومي وخدمة الدين. ويبلغ الحد الأقصى حاليًا مع رفع السقف حوالي 31.4 تريليون دولار (الديون الأميركية ثقب أسود يبتلع الإمبراطورية، مركز يوفيد).نمت مدفوعات الفائدة بسرعة خلال العامين الماضيين بسبب الارتفاع الأخير في معدلات التضخم وأسعار الفائدة، فضلًا عن تصاعد الدين العام، ومن المتوقع أن تستمر هذه المدفوعات في النمو. من المتوقع ان تبلغ كلفة الفائدة في العقد المقبل ما يزيد عن 10 تريليونات دولار مع ارتفاع سريع لخدمة الدين. وقد شهد الاقتصاد الأميركي خلال شهر تشرين الثاني انكماشًا بمعدل سنوي بلغ نحو 30% في ذلك الشهر وحده، نتيجة انخفاض قيمة الدولار الأميركي بنسبة 3% (Financial Times).
توسّع الحرب الأميركية في المنطقة تعني زيادة نسب الديون والفوائد والمزيد من التدهور في الأرقام الاقتصادية الأميركية، خاصة وأن كلفة الحرب على العراق وأفغانستان لا تقارن بكلفة الحرب المقبلة بلحاظ اختلاف القدرات العسكرية والإمكانيات الحالية مع محور المقاومة. وهذه الكلفة تستتبع المزيد من المشكلات الداخلية الشعبية والسياسية؛ إذ تشكل أموال الضرائب الأميركية عاملًا رئيسيًا في دعم المجهود الحربي، ويدفع الشعب الأميركي ثمن الحرب السياسيّة بين الأطراف المتصارعة وتدفع الأسر الأميركية تكلفة الوصول الى نقطة التخلف عن الدين. وعملية رفع سقف الديون تؤدي إلى مواجهات بين الأحزاب (2011 و 2023).
وإذا وصلت الولايات المتحدة الى التخلف عن السداد والتوقف عن دفع الديون الأسواق المالية ستكون اول متضرر، وصولًا الى سوق الائتمان، مرورًا ببيئة الاستثمار والمصانع والأسَر واهتزاز الاقتصاد القائم على الدولار الأميركي وخفض تصنيف الاقتصاد الأميركي وزعزعة اقتصاديات العالم والأسواق المالية مع ما يشكله ذلك من فرصة باتجاه تسارع وتيرة التخلص من الدولار. والتهديد للدولار واقعي مع توجه دول البريكس نحو اعتماد التبادل التجاري بالعملات المحلية وتخفيض نسبة الاعتماد على عملة الدولار. وقد سجّل مؤشر الدولار (DXY) مؤخرًا، أكبر انخفاض شهري له خلال عام، فمحى جميع مكاسبه السنوية، وانخفض بنسبة 3.0٪ في تشرين الثاني 2023. وبينما توقع المحللون استمرار الاتجاه الضعيف للعملة في العام 2024، أظهرت التوقعات المتوسطة في استطلاع رويترز، 1-5 كانون الأول، الذي شمل آراء 71 محللًا، أن غالبية الانخفاضات تأتي في الجزء الأخير من عام 2024. وهذا يشير إلى الانحدار في التوقعات الاقتصادية التي تنتظر واشنطن في العام المقبل، وفق الوضع الحالي. تاليًّا، فإن أي تغير سيشهد انعكاسًا في هذه الأرقام.
سادسًا، الكلفة الأميركية العسكرية
تستخدم برامج المساعدات الأميركية في الاستثمارات اللازمة لتطوير صناعة الأسلحة الإسرائيلية. ومع ذلك، حتى مع قدرات الكيان الكبيرة في صنع الأسلحة، تشير بيانات المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS) إلى أن قوات الدفاع الإسرائيلية لا تزال تعتمد بشكل كبير على الأسلحة والتكنولوجيا التي توفرها الولايات المتحدة. ويتم عادة إمداد المعدات والمواد الدفاعية الإسرائيلية على أساس معدل احتراقها، أي سرعة استخدامها في العمليات العسكرية المستمرة، كما يقول ر. كلارك كوبر، مساعد وزير الخارجية السابق للشؤون السياسية والعسكرية، المكتب الذي يشرف على عمليات نقل الأسلحة(TIME, 3 Nov.). ومن أسلحة دعم الكيان والتعزيزات العسكرية الأميركية في المنطقة التي يجب أن يأخذ أي تورّط أمريكي مقبل كلفتها بعين الاعتبار:
- مئات من ناقلات الجنود المدرعة M-113A
- 350 قطعة مدفعية
- أعداد كبيرة من طائرات النقل والمروحيات؛ طائرات الهليكوبتر من طراز CH-53 الثقيلة، وناقلات التزود بالوقود الجوي من طراز KC-46.
- مخزون الطائرات المقاتلة بالكامل لدى القوات الجوية الإسرائيلية، بما في ذلك الجيل الأقدم من طائرات F-15 وF-16 وسربين من الجيل الحالي من طائرات F-35
- صواريخ القبة الحديدية للدفاع الجوي
- القنابل ذات القطر الصغير، ومعدات JDAM، التي تحول القنابل غير الموجهة إلى أسلحة موجهة بنظام تحديد المواقع العالمي (GPS). بوينغ تعمل على تسريع تسليم ما يصل إلى 1800 صاروخ JDAM، والتي تنتجها الشركة في سانت تشارلز بولاية ميسوري.
هذه المساعدات المكلفة للكيان سترتفع كلفتها أكثر مع الحرب واستمراريتها وتوسعها للحاجة إلى المزيد منها، يُضاف إليها تكاليف التعزيز العسكري الأميركي في المنطقة الذي قامت به الولايات المتحدة بعد طوفان الأقصى، من قبيل نشر: 1) منظومة “ثاد” المضادة للصواريخ بطاريات “باتريوت” لدفاع الجوي عبر المنطقة؛ 2) حاملة الطائرات إيزنهاور من فئة “نيميتز” والمجموعة القتالية المرافقة لها؛ 3) غواصة نووية من فئة أوهايو كلاس؛ 4) مجموعة قتالية استكشافية من المارينز “مشاه البحرية”، وتتكون من حاملة المروحيات وسفينة الإنزال البرمائي باتانLHD، وسفينة النقل البرمائي/منصة الانزال البرمائي LPD من فئة سان أنطونيو وسفينة الهجوم البرمائي يو أس أس كارتر LSD، وتضم المجموعة القتالية الاستكشافية أكثر من 2000 فرد من قوات مشاه البحرية الأميركية التي تعمل كقوة للتدخل السريع في حالات الطوارئ وفي مسارح العمليات المختلفة؛ 5) نشر 1200 جندي إضافي في الشرق الأوسط منذ بدء الحرب وفي 31 تشرين الأول الماضي، أعلن البنتاغون إرسال 300 جندي إضافي للمنطقة، معظمهم من عناصر الدعم؛ 6) أعداد إضافية من الطائرات المقاتلة متعددة المهام من طراز F-16 و F-15 و طائرات الدعم الأرضي من طراز A-10 ثاندربولت؛ 7) زيادة عدد طائرات التزود بالوقود من طراز KC-135 المتمركزة في نطاق المسؤولية للقيادة المركزية الأميركية.
وبالطبع، تشكل هذه التعزيزات المزيد من الأعباء لجهة الكلفة التشغيلية، فضلًا عن وقوعها في دائرة التهديد في مرمى النيران. ويضاف إليها أيضًا القواعد العسكرية الأميركية المنتشرة سابقًا في المنطقة، مع عديدها، (900) جنديا في سوريا و (2500) في العراق. هذه الأعباء على الولايات المتحدة تزداد وطأتها إذا ما أخذنا بعين الاعتبار المشكلات الأميركية على الصعيد العسكري، كتراجع القوات الجوية في الجهوزية والمكوّن الاحتياطي وضعف الميزانية، ما يحذّر من تداعياته مقال الخبير في سياسات الدفاع، جون فينابل، في مقاله على موقع “ناشيونال إنترست” إلى درجة قوله: “سوف تكافح القوات الجوية اليوم لتنفيذ عاصفة صحراوية أخرى، ناهيك عن مواجهة خصم نظير مثل الصين”. ويحمل التحذير من “عاصفة صحراوية” دلالة على الوضع الصعب الذي سيواجه القوات الجوية في حال الدخول في عملية أخرى في منطقة غرب آسيا على غرار التي قامت بها واشنطن في عملية عاصفة الصحراء (17 كانون الثاني – 28 شباط، 1991( بقيادة 34 دولة ضدّ العراق.
سابعًا، الكلفة بميزان الفوائد
في رأي للرئيس جو بايدن في صحيفة واشنطن بوست، بتاريخ 18 تشرين الثاني 2023، أعلن أن الهدف الأميركي من دعم الكيان “لا ينبغي أن يكون مجرد وقف الحرب اليوم، يجب أن يكون لإنهاء الحرب إلى الأبد، وكسر دورة العنف اللاحقة”. وقد ركز خطاب بايدن على محاور ثلاثة: القضاء على حماس؛ إحياء مسار التطبيع؛ وتكامل دول المنطقة عبر مشروع الممر الاقتصادي الهندي. لذا، قد تكون الحرب بالنسبة للإدارة الأميركية خيار الضرورة وفق الرؤية الأميركية التي ما زالت تعتقد بالقدرة على فرض الهيمنة كما في السابق؛ بحيث يكون الخيار الحتمي الذي لا بد منه بالنظر إلى احتساب ميزان الفوائد والمصالح بالأخذ بعين الاعتبار عوامل عدة: دعم الشركاء الاقتصادي كما حصل في أوكرانيا؛ التماثل مع الحكومات الديمقراطية التي شنت الحروب الكبرى لـ “نشر السلام والديمقراطية، بمعنى القيام بالحرب الكبيرة المكلفة لكن المجدية والقادرة على تحقيق الردع المطلوب والحسم بما يسجّل إنجازًا في ولاية الديمقراطيين ورافعة للانتخابات المقبلة في تشرين الثاني 2024؛ والممر الاقتصادي الهندي الذي شكل جوهر المسعى الأميركي الإسرائيلي قبيل طوفان الأقصى، في طرح يصل الهند بأوروبا عبر الإمارات والسعودية والأردن والكيان المؤقت.
هذه العوامل غير قادرة على الصمود في وجه التحديات الكثيرة أمامها، فالأوضاع تغيرت مع التحولات العالمية والإقليمية الأخيرة. فهناك الاستنزاف للاقتصاد الأوروبي في الحرب الأوكرانية فضلًا عما يعانيه الاتحاد الأوروبي من أزمات متعددة، وتداعيات الحرب الموسّعة الأسوأ على إمداداتها من الطاقة وارتفاع أسعارها؛ والمزاج الأميركي العام يشهد تغيرات حقيقية تجاه الحروب خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية والسياسية في الداخل، ولن يكون سهلًا تمرير قرار الحرب على المنطقة. وفي استطلاع رأي بتاريخ 13/14 تشرين الثاني، قامت به رويترز/ إيبسوس (Ipsos) فإن 68% طالبوا بوقف الحرب على غزة مقابل 32% ممن دعموا الحرب، ما يعني انخفاضًا بنسبة تأييد الحرب بمعدل 9% مقارنة باستطلاع شهر تشرين الأول. أما الممر الاقتصادي فهو مبتكر أعلن عنه في قمة مجموعة العشرين في الهند في أوائل أيلول، ودونه تحديات عميقة أولها عدم وجود بنى للمشروع في أي من الدول التي سيمر بها، فضلًا عن دول المنشأ، أي الهند، التي وجدت نفسها تورطت بالمشروع يومها. أضف إلى ذلك الوقت الطويل الذي يحتاجه المشروع لضخ فوائد التعويض على خسائر التدخل الأميركي في المنطقة.
ثامنًا، التداعيات على السباق التنافسي مع الصين
إن توسعة الحرب والدخول الأميركي العسكري الشامل يخدم مصلحة كل من الصين وروسيا وقد يعيد مسار السباق الأميركي الصيني الروسي التنافسي إلى الوراء لصالح كل من بكين وموسكو. إن الانخراط في الحرب مجددًا يعني تأثر استراتيجية “التحول شرقًا” أيضًا، الاستراتيجية التي انتهجتها الولايات المتحدة منذ عام 2010، باتجاه منطقة الإندو-باسيفيك لمواجهة المنافسة الصينية هناك (الحرب الخاسرة: تداعيات التورط العسكري الأميركي الشامل على السباق مع الصين وروسيا، مركز يوفيد). وإن فتح جبهة جديدة في المنطقة مع محاولة تحقيق مصالح واشنطن المعلنة في أوروبا ومنطقة المحيط الهادئ والهندي يهدد بإغراق أميركا في أزمة اقتصادية في ظل المشكلات الاقتصادية الداخلية (Responsible statecraft)، حيث بلغ الدين الوطني الأميركي 33 تريليون دولار، وتعاني البلاد من عجز في الميزانية يزيد عن تريليون دولار كل عام في وقت السلم.
وتنعكس كلفة الحرب الأميركية على الوضع التنافسي مع الصين وروسيا مع الإنفاق الأميركي في ظل عودة الغرق في مستنقع “الحروب الأبدية” في غرب آسيا، مع استعادة الصين لحريتها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، واستكمال نموها الاقتصادي؛ سيّما في ظل الفارق الكبير في الديون بين البلدين، حيث تبلغ قيمة دين الصين الخارجي وفق قاعدة البيانات العالمية للبيانات (CEIC) على موقع الصين بالعربية، حوالى 2.4 تريليون، فقط، وتمثل نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، أي إجمالي الدين الخارجي، 13.6%، للعام 2022-2023، بينما تبلغ نسبة الدين الأميركي إلى للناتج المحلي 95.3%.
خلاصة
اليوم، يختلف وضع الاقتصاد الأميركي عما كان عليه قبل الحرب على العراق وأفغانستان. تواجه واشنطن مشكلات اقتصادية جمة من قبيل ارتفاع التضخم المالي ورفع البنك الفيدرالي الأميركي الفوائد. وقد شهدت مؤخرًا أزمة مصرفية ومالية (إفلاس 3 بنوك أضرت بالأسواق المالية وكادت أن تسحب الاقتصاد الأميركي إلى تداعيات أكبر) مع انخفاض قيمة الدولار، وغيرها من المشكلات التي تدفع بها نحو فقدان السيطرة على الانفاق الديون، وانخفاض المرونة في الاستجابة للأزمات بشكل سريع وتأمين الدعم اللازم. وإذا استطاعت الحكومة الأميركية تأمين التمويل اللازم لاحتواء الأزمات مع نسبة دين لا تتجاوز 40% عام 2008، إلا أن ارتفاع نسبة الدين الى ما يزيد عن 95% من الناتج الإجمالي يعني انخفاض هذه المرونة، ودخول واشنطن متاهة حقيقية، فالأرقام تعكس ضعف قدرة واشنطن على سداد الدين والخروج من نفق الأزمة. وفي حين تتحمّل حاليًّا، واشنطن أعباء تأمين موارد الحرب على فلسطين، لكن التورّط في الحرب يفرض كلفة مباشرة تضاعف الكلفة الحالية.
واليوم، تقف واشنطن أمام تحديات تلبية التمويلات اللازمة لأولوياتها باتجاهين: جنوب شرق آسيا وغربها. وللمفارقة، فإن المساعدات الأميركية لا تستطيع أن تغطي حتى كلفة الحرب الإسرائيلية في غزة، إذ اكتفت بالمساهمة بربع القيمة وتشهد إدارتها تخبّطًا بشأن حزمة دعم أوكرانيا. أضف إلى ذلك الخسائر الأميركية نتيجة تأثر أسعار النفط والطاقة. فكيف إذا توسعت الحرب الإقليمية وزادت الكلفة على كل من الكيان والولايات المتحدة في وقت تعاني فيه الأخيرة من مشكلات اقتصادية حقيقية في الداخل؟ إن مجرد رهان إدارة بايدن، ولو باحتمال بسيط، على المشروع الهندي في سياق منافسة الصين وازدياد انخراطها في المستقبل في دول منطقة غرب آسيا، يضع السياسة الأميركية بعيدًا عن السياسة الواقعية في معالجة مشكلات المنطقة والتصدي للقيادة العالمية، لأن المشروع دونه الكثير من العقبات؛ في مقدمها المدى الطويل لتحصيل الفوائد منه وتعويض الخسائر.
لائحة الروابط الإلكترونية
- https://www.reuters.com/markets/currencies/poll-dollars-dominant-grip-fx-markets-loosen-further-2023-12-06/
- https://www.washingtonpost.com/opinions/2023/11/18/joe-biden-gaza-hamas-putin/
- https://watson.brown.edu/costsofwar/papers/2019/united-states-budgetary-costs-and-obligations-post-911-wars-through-fy2020-64-trillion
- https://www.reuters.com/markets/currencies/poll-dollars-dominant-grip-fx-markets-loosen-further-2023-12-06/
- https://www.reuters.com/world/europe/white-house-says-it-is-nearly-out-money-help-ukraine-fight-war-with-russia-2023-12-04/
- https://www.reuters.com/markets/us/deflating-qt-cushion-may-have-raised-red-fed-flag-mike-dolan-2023-12-06/
- https://www.kurdistan24.net/ar/story/43197%D8%A7%D9%84%D9%88%D9%84%D8%A7%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%
- https://arabic.rt.com/middle_east/1510587-%D8%AE%D8%A8%D9%8A%D8%B1-%D9%8A%D8%B9%D9%84%D9%82-%D8%B9%D9%84%D9%89
- https://www.nationshield.ae/index.php/home/details/research/%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%88%D8%A7%D8%B9%D8%AF%E2%80%AD
- https://time.com/6331133/israel-gaza-biden-military-support/
- https://www.thenation.com/article/politics/us-aid-israel-gaza/
- https://www.aljazeera.com/news/2023/11/3/us-house-passes-14-5bn-military-aid-package-for-israel
- https://www.aa.com.tr/en/americas/us-house-approves-143b-military-aid-package-for-israel-amid-gaza-war/3041878
- https://www.reuters.com/world/middle-east/war-with-hamas-cost-israel-above-50-bln-newspaper-2023-11-05/?shem=sswnst
- https://www.cbsnews.com/live/?shem=sswnst#x
- https://www.nerdwallet.com/article/finance/are-gas-prices-going-down
- https://www.cbsnews.com/video/world-bank-warns-of-skyrocketing-oil-prices-if-israel-hamas-war-expands/?shem=sswnst
- https://www.brookings.edu/articles/the-israel-and-gaza-war-economic-repercussions/
- https://abcnews.go.com/Politics/white-house-publicly-us-asked-israel-delay-gaza/story?id=104223353
- https://www.bloomberg.com/news/articles/2023-10-13/yellen-says-critically-important-to-contain-middle-east-conflict?embedded-checkout=true
- https://abcnews.go.com/Business/potentially-wider-israel-hamas-war-us-economy-facing/story?id=104277113
- https://nationalinterest.org/blog/buzz/us-air-force-serious-decline-207728
- https://ufeed.info/post.php?id=123526
- https://ufeed.info/post.php?id=124288
- https://www.ft.com/content/c406ef56-bc43-4cdc-8913-fbaced9b9954
- https://twitter.com/mog_china/status/1732420001691275521
- https://www.aljazeera.net/news/2023/12/7/%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%88%D9%86%
- https://www.aljazeera.net/politics/2023/12/5/%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%88%D9%86
مركز الإتحاد للأبحاث والتطوير
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.