المواجهة بين أمريكا والصين من أجل تايوان: الحرب ليست غدًا

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

أعلنت الولايات المتحدة بدء مرحلة جديدة من الشراكة العسكرية مع تايوان لتعميق العلاقات الأمنية في مواجهة التهديد المتزايد من الصين. وهو ما وصفته الصين بأنه بمثابة تدخل في شئونها الداخلية، حيث إنه يثير المخاوف بشأن النوايا الأمريكية تجاه مصالح الصين في المنطقة. ومرارا وصفت صحيفة الإيكونوميست الشهيرة تايوان بأنها “أخطر مكان على وجه الأرض” لما تحمله من إمكانية إشعال حرب بين قوتين عالميتين. في ظل سنوات من المناوشات والتلويح باستخدام القوة. ويحفز الغزو الروسي لأوكرانيا احتمالية دخول الدول في سلسلة من الحروب اللانهائية مع دخول العالم في مرحلة تعدد الأقطاب.

بداية تشير ملابسات التصريحات المتبادلة بين الصين والولايات المتحدة بشأن تايوان لعدة دلالات:

تغيير سياسة الغموض
منذ خمسينيات القرن الماضي، حددت الولايات المتحدة سياستها الخارجية تجاه تايوان وفقا لمبادئ الغموض الاستراتيجي. أي أن الولايات المتحدة غير ملزمة رسميا بالدفاع عن تايوان ضد الأخطار الخارجية، على الرغم من الأهمية الاستراتيجية لتايوان بالنسبة لها. ولكن في ظل الظرف الدولي الراهن المرتبط بالحرب الروسية الأوكرانية، سارعت بعض الدول لتغيير محدداتها الأمنية. وفي الآونة الأخيرة، يبدو أن الولايات المتحدة تعيد تقييم تموضعها العسكري، حيث شكل تصريح الرئيس الأمريكي جو بايدن بـ”نعم”. عندما سئل عما إذا كانت الولايات المتحدة مستعدة للتدخل عسكريًا في حالة غزو تايوان، تطورا خطيرا في سياسة الولايات المتحدة تجاه الصين وتايوان معا. وهو تحول ربما يعكس تحولا من الغموض الاستراتيجي إلى ما قد يجوز تسميته بوادر وضوح استراتيجي. ويدعم هذا الاتجاه الجديد أنه على الرغم من أن الولايات المتحدة لم تحدد شكل التعاون أو التدخل مع تايوان في حالة حدوث غزو صيني، إلا أن إعلان الشراكة العسكرية بين البلدين منذ أيام، يحمل رسالة واضحة برغبة الولايات المتحدة في دعم تايوان إزاء التهديدات الصينية. وقد لاقى هذا التوجه دعمًا كبيرًا من الحزبين الديمقراطي والجمهوري في الكونجرس الأمريكي. كذلك أكدت رئيسة تايوان “تساي إنج ون” أن التعاون بين الحرس الوطني الأمريكي وجيش تايوان صار يشكل ضرورة في الوقت الراهن لتعزيز العلاقات الأمنية. في مواجهة الضغوط المتزايدة في ظل فارق القدرات العسكرية الهائل بين تايوان والصين.

وتحمل تايوان أهمية جيوسياسية حيوية للولايات المتحدة، فمنذ فترة الحرب العالمية الثانية أكد قائد البحرية الأمريكية “إرنست كينج” في وقتها ان كل من يسيطر على تايوان سيسيطر على شريان الحياة في اليابان وكوريا. وبالتالي فإن سيطرة الصين على تايوان ستمنحها نفوذا هائلا على كل من اليابان وكوريا. مما يغير بشكل جذري الحسابات الاستراتيجية في شرق آسيا ويمنح الصين الفرصة التي طال انتظارها. وقد أدرك ذلك الرئيس بايدن منذ اللحظة الأولى، حيث أكد على تعزيز التحالف بين البلدين. كما صرح في 3 مناسبات على الأقل إن الولايات المتحدة مستعدة لنشر الموارد اللازمة لردع الصين عن مهاجمة تايوان. كذلك أصدرت واشنطن أحدث استراتيجية لها في المحيطين الهندي والهادئ، والتي دعت إلى تعاون أكبر مع الشركاء الإقليميين في مواجهة النفوذ المتنامي للصين.

أهمية تايوان بالنسبة للصين
على الجانب المقابل حافظت الصين على رغبتها في إعادة التوحيد السلمي لبلدها مع تايوان، والالتزام بمبدأ “الصين الواحدة”، وفي ظل تصاعد التهديدات المحلية والدولية الفترة الأخيرة. يرى البعض أن بكين أصبحت أكثر عدوانية في التأكيد على مبدأ الصين الواحدة، وزادت الصين من حدة خطابها وضغوطها العسكرية على تايوان وتكثيف المناورات البحرية. كما تمارس الصين ضغوطًا دبلوماسية كبيرة على الدول الأخرى لعدم الاعتراف بتايوان رسميا أو ضمنيا.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية “وانج وين بين” ردا على تصريحات بايدن، “تعرب الصين عن استيائها الشديد ومعارضتها الشديدة لتصريحات الجانب الأمريكي”. كما أكد وانج أن قضية تايوان شأن داخلي حيث لا ينبغي لأحد أن يقلل من العزيمة القوية للشعب الصيني في حماية السيادة الوطنية وسلامة أراضيه.

مخاوف تايوان
في اليوم الذي شنت فيه روسيا غزوها العسكري لأوكرانيا، زادت مخاوف تايوان من حيث التعرض لغزو مماثل من قبل الصين. حيث أعلن وزير الخارجية “جوزيف وو” أن الحكومة التايوانية تواصل التركيز على قدرتها الدفاعية بهدف تعزيزها للدفاع عن نفسها إذا قررت الصين غزوها. كما طلب الدعم العسكري الأمريكي لتايوان من خلال مبيعات الأسلحة، والتبادلات العسكرية. وتبادل المعلومات الاستخباراتية، وتدريبات حرية الملاحة في مضيق تايوان، وأدت اتفاقية الشراكة بين روسيا والصين في 4 فبراير/ شباط 2022. إلى زيادة مخاوف تايوان من احتمالية دفع روسيا القوات الصينية للدخول في حرب لإعادة ضم تايوان. وهي مخاوف يعززها الفارق الهائل بين الجانبين إذ تتفوق بكين على تايوان عسكريا، حيث بحوالي 25 ضعفًا .

وقالت الإيكونوميست أنه مع تنامي التفوق العسكري الصيني، أصبحت إمكانية قيام بكين باستعراض قوتها ضد تايوان أكثر واقعية. وقد أكد ذلك تصريحات الرئيس الصيني “شي شين بينج” في لقائه الافتراضي مع بايدن في نوفمبر/ تشرين الثاني: “كل من يلعب بالنار سيحترق” في تهديد صريح لأي محاولة للتدخل لدعم استقلال تايوان”. وعلى الرغم من أن أمريكا ليس لديها عزم حقيقي لإرسال قوات عسكرية إلى تايوان، إلا إن تصريحات بايدن تمثل اختبارا لمدى قدرة ونوايا الصين على القيام بهجوم استباقي محتمل.

كوابح الإنزلاق للهاوية
لأكثر من 40 عامًا، التزمت الولايات المتحدة بمبدأ “سياسة الصين الواحدة” التي تعترف بحكومة صينية واحدة فقط في بكين. ولها علاقات رسمية مع الصين، بجانب علاقات غير رسمية مع تايوان، وعلى الرغم من الدعم العسكري الأمريكي تجاه تايوان. إلا أن بايدن أعاد صياغة تصريحاته مع التأكيد على أن الولايات المتحدة لا تسعى إلى حرب باردة جديدة مع الصين. ولا تهدف إلى تغيير نظام الصين، ولا تدعم استقلال تايوان. كما لم يتم تضمين تايوان في إطار الولايات المتحدة الاقتصادي للمحيطين الهندي والهادئ من أجل الرخاء بين 14 دولة في المنطقة.

ونشرت مؤسسة راند البحثية مؤخرا، تقريرًا يقيم توازن القوى عبر مضيق تايوان. وحذر التقرير من أن الولايات المتحدة تفتقر حاليًا إلى القدرة على ردع وهزيمة الحصار الاقتصادي لتايوان. كما تتطلب غالبية ردود الفعل الأمريكية قوات عسكرية كبيرة. وأضاف التقرير إلى ضيق الوقت المتاح أمام الولايات المتحدة لتأمين قدراتها في حال نفذت قرارها الإيجابي بشأن التدخل لحماية تايوان أمام أي غزو صيني محتمل.

كما إن إعلان الولايات المتحدة الشراكة العسكرية مع تايوان لا يعني بالضرورة أنها قد تدخل في حرب مع الصين للدفاع عن تايوان. ويمكن لتايوان الاستناد إلى تجربة الولايات المتحدة مع أوكرانيا، فعلى الرغم من تأكيد بايدن دعم أوكرانيا في حال وقع هجوم من روسيا. إلا أن المساعدات اقتصرت على تقديم أسلحة، مع التأكيد القاطع على عدم إرسال قوات أمريكية للقتال ضد القوات الروسية. محذرا: “نحن نتعامل مع واحد من أكبر الجيوش في العالم، ويمكن أن تسوء الأمور بسرعة”. وهو ما قد يمنع أمريكا من الدخول في مواجهة مباشرة مع أكبر قوة اقتصادية عالمية.

وأخيرا فإن حسابات الصين بشأن استخدام القوة ضد تايوان هي حسابات معقدة. وعلى الرغم من أن الصين كانت نشطة وحازمة أيضًا في استخدام قواتها المسلحة خارج حدودها في السنوات الأخيرة. فقد تجنبت بكين عمليات قتالية واسعة النطاق حول محيطها. كما امتنعت عن التدخلات أو الغزو أو الاحتلال لدول أخرى عكس روسيا. كما قد تُذكر النكسات العسكرية الروسية الصين بمدى صعوبة وتكلفة محاولة غزو تايوان، خاصة في ظل سيل العقوبات الاقتصادية والعزلة العالمية التي تلقتها روسيا.

المآلات المحتملة
أثارت تصريحات بايدن استياء الصين حيث وصفت بكين الولايات المتحدة بإنها تستخدم بطاقة تايوان لاحتواء الصين، وسوف تحترق هي نفسها. كما أنه من المرجح الا يؤدي التعاون العسكري بين الولايات المتحدة وتايوان إلى ردع الصين. ولكن على العكس، من المحتمل أن يستفز الصين إلى استعراض قدراتها العسكرية بهدف الردع الاستباقي لأي محاولة أمريكية عسكرية.

ولا يوجد سوى قاعدتين أمريكيتين بالقرب من تايوان، وكلاهما عرضة لترسانة الصواريخ الباليستية الصينية، وفي الوقت ذاته. أعلنت الصين في 25 مايو/ أيار إنها تجري دوريات مشتركة وعمليات استعداد قتالية مشتركة مع روسيا بالقرب من تايوان فوق بحر اليابان وبحر الصين الشرقي وغرب المحيط الهادئ. كجزء من سلسلة المناورات التي تكثفها الصين، كذلك أجرت تدريبات عسكرية حول تايوان في 15 إبريل/نيسان. في الوقت الذي زار فيه وفد من الكونجرس الأمريكي الجزيرة.

إذا ففي ظل هذه الأجواء التي تتصاعد فيها الخطابات المناوئة من جانب كل طرف إزاء الآخر ، تتراوح السيناريوهات المحتملة بشأن وضع جزيرة تايوان ما بين اكتفاء الصين بتوجيه ضربة عسكرية محدودة: حيث يشير ما عرف عن بكين من رشادة وتأن في القرارات إلى احتمالية تنفيذ هجوم عسكري محدود على تايوان لتذكيرها بما يمكن أن تتعرض له. في حال قررت إعلان استقلالها عن الصين، مع عدم التوسع ميدانيا لتجنب خسائر مادية واقتصادية هائلة.

السيناريو الثاني هو تحرك بكين بغزو شامل: في حال قررت الصين إعادة ضم تايوان بالقوة، سيقع على الولايات المتحدة أعباء ضخمة في ضرورة إنقاذ تايوان عملا بالاتفاقيات العسكرية بينهما. وحفظا لسمعتها التي اهتزت كما يرى البعض جراء عدم تدخلها بشكل حاسم إلى جانب أوكرانيا في الحرب، وإذا دخلت الصين وأمريكا في مواجهة، بطبيعة الحال. فإن العالم سيصبح على شفا حرب نووية، أما إذا توانت الولايات المتحدة وتلكأت في اتخاذ موقف حاسم ضد الصين فستصبح بكين القوة المهيمنة في آسيا. وبالطبع ففي ظل المخاطر الهائلة التي يثيرها صدام مباشر بين العملاقين، بما في ذلك إمكانية الانجرار لمواجهة قد تكون نووية، والتحديات والكوابح التي تحول دون وصولهما للهاوية، فإنه من الأرجح والمرجح استراتيجيا أن حربا مباشرة بينهما ليست واردة. على الأقل ليس غدا.

زينب مصطفى – مصر 360

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد