فوضى السلاح في اميركا.. ديمقراطية القتل

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

إن موضوع قوانين حيازة السلاح هو من الشعارات الأساسية التي تستغل في كل الانتخابات الرئاسية الأميركية، لكن لم يتغير الكثير على مدى عقود، حيث يرفض اغلب أعضاء مجلس الشيوخ من الحزب الجمهوري تقييد قوانين حيازة السلاح. كما أن لوبي تجارة وصناعة الاسلحة الفردية في الولايات المتحدة يتمتع بنفوذ هائل في الحياة السياسية الأميركية.

تقدر نسبة الأسلحة الفردية التي يمتلكها مدنيون في الولايات المتحدة بين 35 و50 في المئة مما لدى سكان العالم منها. وحسب القانون الفيدرالي، فإن لكل ولاية قوانينها الخاصة بها لتحديد الحد الأدنى لتنظيم حيازة الأسلحة في المجتمع. ونسبة جرائم القتل بالأسلحة تتجاوز 67 في المئة من إجمالي الجرائم.

يعتبر امتلاك السلاح في الولايات المتحدة من بين الحقوق التي أقرها الدستور الأميركي، حيث تعد الدولة الوحيدة في العالم التي تسمح لمواطنيها بحمل السلاح حتى في الشوارع، إذ نص الدستور بشكل واضح وصريح على أحقية المواطنين في امتلاك الأسلحة، وجاء في نص التعديل الثاني للدستور والصادر عام 1971، على أنه: «حيث إن وجود ميليشيا حسنة التنظيم ضروري لأمن أي ولاية حرة، فلا يجوز التعرض لحق الناس في اقتناء أسلحة وحملها»، وهو ما أكدت عليه المحكمة العليا الأميركية حينما أصدرت عامي 2008 و2010 قرارا تاريخيًّا جاء فيه أن التعديل الثاني للدستور يحمي حق الفرد في امتلاك سلاح ناري من دون أن يكون عسكريًا أو مرتبطًا بالجيش.

وقد أعطى القانون هذا الحق للأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 18 سنة، ولكن ما يلفت الانتباه أن القانون الفيدرالي إذ جرم حيازة المسدسات أو ذخيرتها للأشخاص الأقل عمرا من 18 سنة، إلا أنه لم ينص على وجود حد أدنى لسن حيازة البنادق أو ذخائرها.

في أعقاب حادث إطلاق نار داخل مدرسة في تكساس أسفر عن مقتل 19 طفلا وشخصين بالغين، سأل الرئيس الأميركي جو بايدن: “متى سنقف في وجه جماعة لوبي السلاح؟”.
وفي أول خطاب له أمام الاجتماع المشتَرك لمجلسي الشيوخ والنواب بتاريخ 28 أبريل/نيسان 2021، طرح الرئيس بايدن بعض الأفكار لتقييد حيازة الأسلحة مثل ضرورة حظر ما سماه “البندقية الشبح” وهي تلك التي يقوم الأفراد بشراء مكوناتها ثم تجميعها في منازلهم، خاصة أن هؤلاء لا يخضعون إلى التفتيش عن خلفياتهم كما يحدث بالنسبة للمشترين للأسلحة تامة الصنع. ووعد بأن يستخدم كل سُلطاته لمنع هذا الوضع. وقالت نائبته كامالا هاريس “لقد طفح الكيل” داعية إلى “التحرك” بشأن أعمال العنف المرتبطة بالأسلحة النارية وهي آفة وطنية. وقالت متوجهة إلى الكونغرس العاجز عن إصدار التشريع المناسب رغم هذه المآسي “علينا ان نتحلى بالشجاعة للتحرك”.

وتشهد الولايات المتحدة عمليات إطلاق نار شبه يومية في الأماكن العامة وتسجّل المدن الكبرى على غرار نيويورك وشيكاغو وميامي وسان فرانسيسكو ارتفاعًا لمعدل الجرائم التي ترتكب بواسطة أسلحة نارية، خصوصًا منذ بدء الجائحة في العام 2020.

ويخشى الذي يرغبون في قوانين سلاح أكثر صرامة على سلامتهم، في بلد يوجد فيه ما مُعدله 88 بندقية لكل 100 شخص وفقًا لمسح الأسلحة الصغيرة لعام 2011، بينما يقول المعارضون بأن هذا تقييد لحقهم في حمل السلاح وحماية أنفسهم في حياتهم اليومية، وفي أسوأ توقعاتهم حماية أنفسهم من الحكومة.

من جهتها، تقوم حكومات الولايات والحكومات المحلية بوضع وتنظيم قوانين حمل السلاح داخل حدود الولاية، لكن القوانين التي تنظم الحصول على الأسلحة أو امتلاكها تُوضعُ على المستوى الفيدرالي.

وبدوره، ينظم قانون الأسلحة النارية الوطني لعام 1934 البنادق والمدافع الرشاشة وكواتم صوت الأسلحة النارية، ويُعد شراء الأسلحة شبه الآلية أمرًا قانونيًا في معظم الولايات، وكذلك الأسلحة الآلية المصنوعة قبل عام 1986.

إن نفوذ لوبي السلاح في أميركا ينهض على الترابطات والتحالفات بين رجال المال والسلاح من ناحية، ورجال السياسة والأحزاب من ناحية أخرى. وهو التحالف الذي حذَّر منه الرئيس دوايت آيزنهاور في آخر خطاب له قبل انتهاء ولايته الثانية في يناير/كانون الثاني 1961، عندما نبَّه إلى خطورة “المُركَّب الصناعي العسكري” على مستقبل الحريات والديمقراطية في أميركا، والذي ذكر فيه أنه “في أروقة الحكومة، علينا أن نقاوم ضد النفوذ المتنامي للمُركَّب الصناعي العسكري”. ومثَّلت كلمات آيزنهاور تنبيهًا مُبكِّرًا تجاه النفوذ المتزايد لشركات صناعة الأسلحة في المجتمع والتي ترتبط مصالحها باستمرار بيع السلاح للمدنيين.

وفقًا لآخر التقديرات المنشورة، شهدت الولايات المتحدة منذ بداية عام 2019، مصرع 8782 وإصابة 17453 شخصًا نتيجة جرائم وحوادث بالأسلحة النارية، حيث أفادت بوابة «غون» لتقارير العنف التي تجمع وتلخص المعلومات من وكالات إنفاذ القانون والسلطات ووسائل الإعلام، أن هناك 2207 من الأطفال والمراهقين و183 من ضباط إنفاذ القانون بين القتلى والجرحى، جراء الجرائم وحوادث القتل باستخدام السلاح، فضلًا عن 1203 مجرمين أو مشتبه بهم بارتكابهم جرائم. وأن مجموع الضحايا الذين تم تسجيلهم من خلال حوادث تنطوي على استخدام الأسلحة هو 33194 شخصًا و890 حالة قتل تنطوي على استخدام الأسلحة لأغراض الدفاع، أخذًا في الحسبان أن هذا الرقم لا يشمل جرائم الانتحار. ومن إجمالي عدد الحوادث، توجد 255 حالة بإطلاق نار جماعي.

في ديسمبر/كانون الأول 1791 تم اعتماد عشر مواد سميت “وثيقة الحقوق” أضيفت إلى الدستور الأميركي صاغها جيمس ماديسون المعروف باسم “أبي الدستور” وهي تحمي حق التعبير عن الرأي، وحرية الصحافة، وحق التظاهر.

ويستمد الدستور الأميركي مادة “الحق في التسلح” من القانون الإنكليزي الذي يؤكد أن هذا الحق من الحقوق الطبيعية، وتحمي المادة الثانية من الدستور حق الفرد في امتلاك سلاح لأغراض مشروعة وهي الدفاع عن النفس داخل المنزل.

ويرجع الدافع الأساسي لتأييد هذا القانون حين إصداره إلى القلق الشديد من استبداد الحكومة بالسياسة، خصوصًا بعد الحرب الأهلية الأميركية، واعتبار حمل السلاح الشخصي الحق الأهم لحماية الحقوق الأخرى التي تم اعتمادها في إطار مواد سميت “العشر”.

بعد اغتيال الرئيس الأميركي جون إف كينيدي، والسناتور روبرت كينيدي، والناشطَين في مجال حقوق الإنسان مالكوم إكس، ومارتن لوثر كينغ الابن، في الستينيات، مرّر الكونغرس قانون تنظيم حمل السلاح في عام 1976.

بدورها، تقوم مجموعات ضغط أميركية قوية بالدفاع عن حق امتلاك السلاح الذي يقرره الدستور في مواجهة أي تعديلات قانونية، وتشكل الرابطة الوطنية للأسلحة (أن آر أي) -ومقرها ولاية فرجينيا الشمالية- أقوى تلك المجموعات التي نجحت خلال سنوات طويلة في منع تقييد تجارة الأسلحة.

وقد أصدر الكونغرس قانونًا وقعه الرئيس السابق بيل كلينتون عام 1994 يحظر التصنيع والاستخدام المدني للأسلحة النارية نصف الآلية (الأسلحة الهجومية) لمدة عشر سنوات، وتم تحديد 19 نوعًا من الأسلحة النارية وتصنيف مختلف البنادق نصف الآلية والمسدسات والبنادق بأنها أسلحة هجومية، وانتهى ذلك الحظر في سبتمبر/أيلول 2004، وصدرت دعاوى تطالب بتجديد الحظر.

يشير الخبراء إلى وجود أكثر من ثلاثمئة مليون قطعة سلاح فردية في الولايات المتحدة، وأن أكثر الأسلحة المستخدمة في حوادث القتل هي البنادق نصف الآلية من طراز”AR-15″ والنسخة المعدلة منها طراز “M-16″ وطراز”M-4” المتميز بإطلاق النار بسرعات عالية متعددة الجولات، إضافة إلى بنادق من طرازي “AR-15S”، و”غلوك 10 ملم” و”سينغ سوير9 ملم”.

وإضافة إلى شراء السياسيين، أنفقت “الجمعية الوطنية للبنادق” الأميركية إعلانات تليفزيونية تخدم مصالحها بمقدار 4.7 مليون دولار خلال الأرباع الثلاثة الأولى من سنة 2020. وفي سنة 2016 (سنة انتخابية) أنفقت ما يزيد على 27.3 مليون دولار على حملاتها الإعلانية، 3.7 مليون دولار منها على الإعلانات عبر الإنترنت.

وحسب استطلاعات الرأي، يميل الأميركيون إلى معارضة انتشار الأسلحة عشوائيًا ويطالبون بتقنين صارم لها، إذ يرى 52% من الأميركيين ضرورة تقنين صارم للأسلحة النارية، مقابل 35% يرون بقاء قوانين السلاح كما هي.

بكل الاحوال هي ازمة داخلية لا حلول لها وهي تنقل صورة الواقع الاميركي الذي نرى تجلياته في عمليات القتل التي تطال الابرياء في معظم دول العالم جراء السلاح الاميركي المتفلت بشكل سلطوي وبلطجي خارج كافة القيم والنظم والمواثيق تحت شعار الديمقراطية وحرية الانسان وحقوقه، ونرى نتائجه في الداخل الاميركي الذي يطال ملوني البشرة جراء العنصرية من قبل المواطن الاميركي تجاه الآخر الذي يراه عدوًّا وارهابيًا ولو كان يحمل الجنسية الاميركية، وهذا يتطلب اعادة تأهيل للمجتمع الاميركي على صعيد العلاقات الاجتماعية والاخلاقية والثقافية.

حوادث إطلاق نار جماعية في الولايات المتحدة خلال الـ25 عامًا الأخيرة:
عام 1991: قتل 23 شخصًا حينما اقتحم شخص يُدعى جورج هينارد بسيارته السياج الخارجي لمقهى في مدينة كيلين بولاية تكساس، وأخذ يطلق النار قبل أن ينتحر.

عام 1999: لقي 13 شخصًا حتفهم حينما أطلق ايريك هاريس ودايلان كليبولد النار على زملائهما وأحد المعلمين في مدرسة “كولومباين” الثانوية في ليتلتون بولاية كولورادو.

عام 2009: لقي 13 شخصًا حتفهم حينما في حادث إطلاق نار نفذه الميجور في الجيش الأميركي نضال مالك حسن داخل قاعدة عسكرية في فورت هود بولاية تكساس.

عام 2009: قتل 13 شخصًا أيضًا حينما أطلق شخص يُدعى جيفرلي وونغ النار على مجموعة من الأشخاص في مركز للمهاجرين في نيويورك قبل أن ينتحر.

عام 2012: قُتل 27 شخصًا حينما أطلق آدم لانزا النار على 20 طفلًا تتراوح أعمارهم بين ست وسبع سنوات وستة أشخاص بالغين قبل أن ينتحر في ساندي هوك بولاية كونيتيكت.

عام 2015: قتل 14 شخصًا حينما فتح سيد رضوان فاروق وزوجته تشفين مالك النار على مجموعة من الموظفين في سان برناردينو.

عام 2019: سقوط 50 قتيلا في إطلاق نار على نادي “بلس” الليلي للمثليين بمدينة أورلاندو بولاية فلوريدا، والذي وقع في 12 يونيو/ حزيران 2016، ونفذه عمر صديقي متين، الذي كان يبلغ من العمر 29 عامًا، وعاش في فلوريدا، وكان يعمل حارس أمن خاص. وقد أطلقت الشرطة النار عليه وقتلته بعد احتجازه لفترة وجيزة بعض الناس كرهائن.

الاول من أكتوبر/ تشرين الأول 2017، أطلق المسلح ستيفن بادوك (64 عاما)، النار من الطابق الـ 32 بمنتجع “ماندالاي باي”، على حشد من أكثر من 20 ألف شخص يحضرون مهرجان موسيقى الريف في شارع “لاس فيغاس ستريب” بولاية نيفادا (غرب)، وقتل 58 شخصًا وأصاب أكثر من 500 آخرين. وتعتقد الشرطة أن المسلح أنهى حياته، وهذا هو أعنف إطلاق نار جماعي في تاريخ الولايات المتحدة الحديث.

2022: استهداف أميركيين من أصول أفريقية في متجر للبقالة في باولو (نيويورك) وسقوط 10 قتلى.

2022: قتل 19 تلميذًا وبالغان اثنان عندما أطلق مراهق يبلغ 18 عامًا النار في مدرسة ابتدائية في تكساس (24 أيار/مايو 2022) قبل أن ترديه الشرطة، في مأساة تغرق الولايات المتحدة مجددًا في كابوس لا تنفكّ تتوالى فصوله.

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد