من ترومان إلى بايدن تعرّف تاريخ الدعم الأمريكي غير المشروط لـ”إسرائيل”

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

بوفاة روزفلت وتولّي الرئيس ترومان، تغيرت السياسة الأمريكية تجاه الدولة الجديدة، وفي عام 1948 كان ترومان أول رئيس في العالم يعترف بالدولة الإسرائيلية، بعد لحظات فقط من إعلانها قيامها، لتبدأ سلسلة من المساعدات الأمريكية لتثبيت أقدام إسرائيل في المنطقة.


تلعب الأسلحة والمساعدات الأمريكية لإسرائيل دوراً كبيراً في القتل والتدمير الذي يشهده قطاع غزة، منذ الرد الإسرائيلي على عملية “طوفان الأقصى” التي أطلقتها فصائل المقاومة الفلسطينية في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

ومع دخول الحرب شهرها الثالث ووصول عدد الشهداء إلى أكثر من 18 ألفاً أكثرهم من الأطفال والنساء، قصفت فيها إسرائيل المشافي والمباني السكنية على رؤوس ساكنيها متسببة بـ”كارثة إنسانية” حسب الأمم المتحدة، طالب الرئيس الأمريكي جو بايدن الكونغرس بحزمة مساعدات تصل إلى 14 مليار دولار، استثنائية، لإسرائيل.

وخضع دعم إدارة بايدن لحرب إسرائيل في غزة لتدقيق مكثف بعد أن تجاوزها الكونغرس لتزويد إسرائيل بقذائف الدبابات، كما أنها لا تُجري تقييمات مستمرة حول ما إذا كانت إسرائيل ترتكب جرائم حرب محتملة.

ويأتي تزويد إدارة بايدن لإسرائيل بالمعدات العسكرية متسقاً مع تاريخ طويل من المساعدات الأمريكية لها، بدأ في عام 1948 وتضمن منحها نحو 158.6 مليار دولار، أغلبها لضمان تفوُّقها العسكري النوعي واستدامة أمنها ونفوذها في منطقة الشرق الأوسط.

ودعمت الولايات المتحدة وعد بلفور عام 1917 وإنشاء “وطن قومي لليهود”، لكنها لم تتدخل فعلياً في الصراع، وأكّد الرئيس فرانكلين روزفلت للعرب في عام 1945 على أن الولايات المتحدة لن تتدخل من دون استشارة كل من اليهود والعرب في فلسطين.

وبوفاة روزفلت وتولّي الرئيس هاري ترومان، تغيرت السياسة الأمريكية تجاه الدولة الجديدة، وفي عام 1948 كان ترومان أول رئيس في العالم يعترف بالدولة الإسرائيلية، بعد لحظات فقط من إعلانها قيامها، لتبدأ سلسلة من المساعدات الأمريكية لتثبيت أقدام إسرائيل في المنطقة.

دعم في الحرب الأخيرة
تحول الدعم الأمريكي من احتضان واحتواء للدولة الناشئة إلى دعم مادي وعسكري التزمته الولايات المتحدة، وفي مارس/آذار 1949 تأسست العلاقات الدبلوماسية بينهما عندما قدّم السفير الأمريكي جيمس غروفر ماكدونالد أوراق اعتماده لإسرائيل.

في الوقت نفسه رفضت الإدارات الأمريكية المتعاقبة بدءاً من ترومان وأيزنهاور حتى كينيدي، التعامل مع مسألة تقرير المصير الفلسطيني، وطبّع الرؤساء الأمريكيون مع رفض إسرائيل إعادة أي لاجئ فلسطيني منذ 1948، وهو ما جعل الرئيس ليندون جونسون ينكر وجود مشكلة اللاجئين الفلسطينيين من الأساس، وتوسيع مبيعات الأسلحة إلى إسرائيل، ومنع الإجراءات التي تعارضها إسرائيل في الأمم المتحدة، وفقاً لكتاب “النقطة العمياء: أمريكا والفلسطينيون من بلفور إلى ترامب”.

حتى الآن قدّمَت الولايات المتحدة لإسرائيل 158 مليار دولار في شكل مساعدات ثنائية وتمويل للدفاع الصاروخي، ويقتصر الآن الدعم الأمريكي على المساعدات العسكرية بعد أن كانت تقدم لإسرائيل مساعدات اقتصادية كبيرة منذ عام 1971 حتى عام 2007 حين أصبحت إسرائيل واحدة من أكثر الدول نموّاً في العالم.

وفي 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بعدما شنّت حماس هجوماً على مواقع إسرائيلية في غلاف غزة، تَعهَّد الرئيس الأمريكي جو بايدن بدعم مطلق وثابت لإسرائيل، وطلبت الأخيرة في الأيام الأولى من الحرب الحصول على صواريخ اعتراضية لنظام الدفاع الجوي “القبة الحديدية”، وذخائر موجهة بدقة، وطلقات ذخيرة، وتبادل المعلومات الاستخباراتية بشأن التهديدات الإقليمية الأخرى.

بالفعل بدأت الولايات المتحدة تلبية بعض تلك الطلبات على الفور، وذكر مسؤولون أمريكيون أنهم يؤمنون بأن لديهم صلاحيات كافية من خلال مذكرة التفاهم الحالية مع إسرائيل لتلبية بعض هذه الطلبات على المدى القريب دون حصول على صلاحيات إضافية من الكونغرس.

مذكرات تفاهم
ويشكّل دعم الولايات المتحدة لإسرائيل أمراً فريداً من نوعه بين التعهدات الأمريكية كافة، وتأتي المساعدة الأمريكية في شكل مذكرات تفاهم مدتها عشر سنوات، ولا تعد تلك المذكرات اتفاقيات مُلزمةً قانوناً، كما أنها لا تتطلب تصديقاً من مجلس الشيوخ الأمريكي، بل تسمح في ظروف استثنائية مثل الحروب تقديم حزم مساعدات إضافية.

وخصّصَت المذكرة الأولى عام 1999 إلى 2008 قيمة 21.3 مليار دولار للمساعدات العسكرية، وزادت قيمة المساعدات إلى 30 مليار دولار في مذكرة التفاهم الثانية التي غطت الفترة من 2009 إلى 2018.

وفي عام 2016 وقّعَت الحكومتان مذكرة التفاهم الثالثة، وتغطي الفترة المالية 2019 إلى 2028، وتتضمن 38 مليار دولار من المساعدات العسكرية (33 مليار دولار من منح التمويل العسكري الأجنبي، بالإضافة إلى 5 مليارات دولار للدفاع الصاروخي).

ورغم أن إسرائيل قادرة جدّاً على شراء أسلحتها الخاصة، باعتبار أنها تحتلّ المرتبة 29 من حيث نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في العالم، فإنها تتلقى 3.3 مليار دولار سنوياً من الولايات المتحدة، كانت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب خصصتها منذ مايو/أيار 2021.

كما تحصل إسرائيل على 500 مليون دولار لتمويل الأبحاث المشتركة بينها وبين الولايات المتحدة.
وفي الوقت الذي تُصنَّف فيه إسرائيل أكبر مُتلقٍّ للدعم الأمريكي، تدعم مساعدات واشنطن أيضاً تطوير صناعة الأسلحة المحلية في إسرائيل، في حين يُطلَب من جميع الدول الأخرى التي تتلقى التمويل العسكري أن تنفقه فقط على الأسلحة الأمريكية.

وجعل الكونغرس الأمريكي المستويات غير المسبوقة من المساعدة لإسرائيل بمنزلة حد أدنى، ففي قانون تفويض الدفاع الوطني لعام 2021، سمح الكونغرس بـ”ما لا يقلّ عن” 3.3 مليار دولار سنويّاً في شكل تمويل عسكري لإسرائيل، بما يمنحها المرونة لتخصيص أموال تتجاوز تلك المتفق عليها في مذكرة التفاهم.

وتُعَدّ مشاريع الدفاع الصاروخي الأمريكية-الإسرائيلية من أهمّ المشاريع التي يدعمها الكونغرس إلى حد كبير، فقد بلغ مقدار الدعم، منذ عام 1946 حتى عام 2023، نحو 10 مليارات دولار.

ويُستخدم نصف المبلغ تقريباً لتطوير منظومة “حيتس” المضادة للصواريخ بإصداراتها الثلاثة، فيما يُستخدم أكثر من 2.4 مليار دولار أمريكي لتطوير منظومة الدفاع الجوي الصاروخي “مقلاع داود” منذ عام 2006، إضافةً إلى نحو 2.9 مليار دولار لتطوير القبة الحديدية المضادة للصواريخ.

ومنذ عام 2015 أنفقت الولايات المتحدة أكثر من 5.4 مليارات دولار على وقود الطائرات ووقود الديزل والبنزين الخالي من الرصاص وطائرات التزويد بالوقود في الجو.

لماذا الدعم المطلق؟
لعب اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة دوراً كبيراً ومؤثراً منذ اللحظة الأولى للاعتراف بالدولة اليهودية، وتتعلق جذور الأمر بمدى قوة وتأثير اللوبي الصهيوني الداعم لإسرائيل، الذي يصل إلى حد أن يكون كلمة السر في الدعم المطلق لإسرائيل.

ويعتقد المحلل السياسي المختصّ بالشأن الأمريكي والشرق الأوسط محمد عويس، أن “ترومان لم يعترف بإسرائيل حباً في اليهود، لكن نزولاً على إرادة اليهود الأثرياء في أمريكا والمسيحيين الإنجيليين ومن تَبنَّوا الفكر الصهيوني”.

ويقول عويس لـTRT عربي، إنه “في خضمّ الحرب الأخيرة على قطاع غزة برز مدى تأثير وقوة السياسة الضاغطة على صانع القرار الأمريكي، ومدى قوته في الاقتصاد الأمريكي”.

ويلفت إلى أن “اللوبي الصهيوني أقوى جماعات الضغط فعالية وتأثيراً في السياسة الأمريكية، وإسرائيل منذ قيامها داخل المنطقة العربية، أخذت على عاتقها أن تكون الحارس الموكل للمصالح الأمريكية؛ وهو ما أدّى إلى شرعنة الدعم لها”.

وبرز دور اللوبي الصهيوني في المحافظة على التأييد الأمريكي لإسرائيل من خلال الضغط على صنّاع القرار الأمريكي لدعم إسرائيل وتقديم مصلحتها في المنطقة، ويجد أستاذ الحقوق بالجامعة الغربية في أونتاريو بكندا، مايكل لينك، أن “اللوبي الصهيوني يدعو إلى التدفق غير المشروط للمساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل، ويُنفَق كثير منها لإسرائيل في صناعة الأسلحة في الولايات المتحدة، مما يخلق دائرة انتخابية محلية أخرى في الولايات المتحدة يؤيد استمرار المساعدات”.

ويقول لينك الذي شغل منصب المقرر الخاص السابع للأمم المتحدة المعني بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة سابقاً، لـTRT عربي، إن “الرؤساء الأمريكيين يروون لأنفسهم حكاية مفادها أنه فقط من خلال ضمان عدم وجود فارق بين إسرائيل والولايات المتحدة، يمكن للولايات المتحدة ممارسة نفوذها على الأعمال العسكرية الإسرائيلية وعلى السياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين”.

من جانبه، يلفت عويس إلى تأثير المال الصهيوني على صناع القرار الأمريكيين، من خلال حديثه عن رجل الأعمال اليهودي شيلدون أديلسون، الذي كان داعماً قويّاً لإسرائيل، وكان يرى أن حل الدولتين هو نقطة البداية للقضاء على إسرائيل والشعب اليهودي.

ويلفت عويس إلى أن “شيلدون دفع ملايين الدولارات لدعم الحزب الجمهوري ومساندة ترامب مقابل وعد منه لنقل السفارة الإسرائيلية من تل أبيب إلى القدس، وهو ما حدث بالفعل”.

وانحاز ترمب بفاعلية إلى جانب إسرائيل، وأيّد ضمّ مستوطنات الضفة الغربية والقدس الشرقية إليها، ورغم سابقة ترمب المثيرة للجدل بإعلانه القدس عاصمة إسرائيل، فإن دعم إدارة بايدن غير المسبوق للهجمات الإسرائيلية على المدنيين الفلسطينيين، بحجة “القضاء على حماس”، يكشف عن مدى الدعم الأمريكي الراسخ لسياسة إسرائيل.

ومنذ عام 1973 استخدمت الولايات المتحدة 81 حق نقض في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وهو عدد أكبر بكثير من أي عضو دائم آخر، استُخدم أكثر من نصف حق النقض الأمريكي لإفشال القرارات التي تنتقد إسرائيل.

وكان آخرها في 8 ديسمبر/كانون الأول الجاري في مجلس الأمن الدولي، حيث لم يتمكن المجلس من اعتماد مشروع قرار مقدَّم من الإمارات بشأن التصعيد في غزة وفي إسرائيل، بسبب استخدام الولايات المتحدة الأمريكية “الفيتو” بشأن المشروع الذي أيده 13 عضواً من أعضاء المجلس الـ15.

انقسامات بسبب حرب غزة
وشهدت الإدارة الأمريكية الحالية انقسامات داخلية بشأن الدعم الأمريكي لإسرائيل في الحرب الأخيرة، وصلت إلى استقالة مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية، وكتب جوش بول على منصة “لينكد إن” أن استقالته جاءت بشأن “مساعدتنا الفتاكة المستمرة لإسرائيل”.

ومع استمرار القصف الإسرائيلي يحاول الديمقراطيون في الكونغرس فرض شروط على المساعدات العسكرية لإسرائيل، لا سيّما وأن إسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي لا تمتلك الولايات المتحدة فيها آليات تَتبُّع لتحديد أي الوحدات التي ستؤول إليها الأسلحة ونوعية الأسلحة من الأساس.

وتحتل المطالبة بفرض شروط على المساعدات العسكرية لإسرائيل مكانة مؤخراً، بخاصة بعد أن دعا السيناتور الأمريكي بيرني ساندرز في بيان الكونغرس إلى مطالبة إسرائيل بتغيير سياساتها، شرطاً لتلقِّي المساعدات العسكرية الأمريكية، ومندداً في مقال بصحفية نيويورك تايمز؛ نهج “الشيك على بياض” الذي تمنحه الولايات المتحدة لإسرائيل.

ورغم أن سياسة الضغط بالمساعدات الأمريكية استخدمته الولايات المتحدة من قبل على إسرائيل لإجبارها على الجلوس إلى طاولة مفاوضات المؤتمر الدولي للسلام، يرى الخبراء أن تكرار ذلك الأمر اليوم يُعَدّ أمراً صعباً.

وكانت الولايات المتحدة في قرار تاريخي، في أثناء إدارة الرئيس جورج بوش الأب، حجبت مؤقتاً ضمانات القروض عن إسرائيل، البالغة 10 مليارات دولار حين رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق شامير الموافقة على العمل مع الولايات المتحدة، وذلك في أثناء التخطيط لمؤتمر مدريد عام 1991، لكنها عادت وأفرجت عن المساعدات بعد امتثال إسرائيل.

ورغم تأكيد مدير دراسات السلام والصراع في قسم العلوم السياسية بجامعة ماساتشوستس لويل، دينا عبد القادر، أن الولايات المتحدة قادرة على فرض شروط على المساعدات العسكرية، فإنها لن تفعل ذلك.

وتقول عبد القادر لـTRT عربي، إن “السياسة الواقعية تخبرنا بأن أي دولة تعمل على تحقيق أقصى قدر من مصلحتها، لذلك فإنّ تقييد أي مساعدات لإسرائيل أمر غير ممكن؛ لأنه يتعارض بشكل مباشر مع المصالح الأمريكية”.

وتبدو المصالح الأمريكية في تلك المرحلة هي “التوقيت” بالنسبة إلى الرئيس الأمريكي الذي يستعد لانتخابات الرئاسة 2024، لا سيّما وأن الرئيس بوش خسر الانتخابات في العام التالي لجعل المساعدات لإسرائيل مشروطة.

TRT عربي

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد