“إسرائيل” خبيرة بالكذب وتمارسه منذ نشأتها بلا توقف

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

يتعامل السياسيون الغربيون ووسائل الإعلام كما لو أنهم واقعون تحت سحر دائم، بإنكارهم المستمر لارتكاب “إسرائيل” جرائم حرب، وكما قال لينين: “الكذبة التي تتكرر كثيرًا تصبح حقيقة”، لذا فلم يكن مهمًا أبدًا عدد المرات التي ينكشف فيها كذب “إسرائيل” لأن الكذبة القادمة سيمكن التشكيك فيها، فوسائل الإعلام الغربية ترفض التعلم من الماضي.

يمتلئ سجل جيش الاحتلال الإسرائيلي بالكثير من الكذب لحفظ ماء الوجه، والمعلومات المضللة التي تشوه سمعة الفلسطينيين الذين يتعرضون للقمع منذ عقود، وآخر مثال على ذلك وقع قبل عدة أيام فقط.

أثارت “إسرائيل” الفوضى للتنصل من مسؤوليتها عن قصف المستشفى الأهلى المعمداني في مدينة غزة الخميس الماضي وقتل مئات الفلسطينيين الذين كانوا يحتمون بداخلها، فمع القصف الشديد المتواصل، اعتقد الأهالي أن الاحتماء بمنشأة مسيحية سيكون أكثر أمانًا.

وبناءً على الخبرات السابقة، فقد افترضت “إسرائيل” أنه بمجرد أن يهدأ الوضع وتتضح الحقيقة سيكون العالم قد تجاوز الموقف، وتظل الكذبة قائمة.

نزع السياق

أصبحت مهمة “إسرائيل” أسهل بسبب وسائل الإعلام التي تعمل في تغطيتها لوحشية “إسرائيل” على نزعها من سياقها، منذ أن بدأت “إسرائيل” قصفها لغزة قبل أكثر من أسبوعين بآلاف القنابل المتفجرة، أوضح قادتها تمامًا نواياهم.

فقد وصف وزير الدفاع الإسرائيلي يواف غالانت سكان غزة بالحيوانات البشرية وتعهد بالقضاء على كل شيء، كما أوضح مسؤول عسكري آخر أن هدفهم التدمير وليس الدقة، وقال آخر إن غزة ستتحول إلى مدينة خيام ولن يكون هناك أي مبانٍ.

في الوقت نفسه، اتهم الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ شعب غزة بمسؤوليته عن هجوم حماس وأنكر الوضع المدني للرجال والنساء والأطفال ووصف جميع الشعب بـ”الإرهابيين”، وأضاف “سوف نكسر ظهورهم جميعًا”.

لقد أخبرتنا “إسرائيل” ما تنوي فعله بالظبط، لكن عندما تنفذه، تبدأ عملية التلاعب المألوفة، فهي تنكر أنها الطرف المذنب

أمرت “إسرائيل” الفلسطينيين بمغادرة شمال غزة، الذي يمثل نصف القطاع الصغير، كأنها تطلب منهم إبادة أنفسهم عرقيًا، وقال إن المنطقة ستتحول إلى منطقة حرة لإطلاق النيران.

وفقًا للأمم المتحدة ففي أقل من أسبوعين تحولت ربع منازل غزة إلى أنقاض وأصبح هناك نحو 600 ألف فلسطيني مشرد، ولضمان استجابة الفلسطينيين للأوامر، استهدفت “إسرائيل” المؤسسات التي يعتمد عليها سكان الشمال، فقد قصفت المساجد والمدارس ومجمعات الأمم المتحدة والمستشفيات.

في الأيام التي سبقت قصف المستشفى المعمداني، تلقى 23 مركزًا طبيًا في شمال غزة تحذيرًا بالإخلاء الفوري، وقد قُصف العديد منهم بالفعل وفقًا لمنظمة الصحة العالمية.

تجاهلت المستشفيات تلك التهديدات لأنها ممتلئة بالمرضى المصابين نتيجة القصف الإسرائيلي ولا يستطيعون الحركة، كما أنه لا توجد منشآت أخرى مناسبة لعلاجهم.

يبدو أن هذا التحدي أثار جيش الاحتلال الإسرائيلي، فأطلق قذيفتين على المستشفى قبل 3 أيام من الهجوم الأكبر، وهذه الطريقة تُعرف في الجيش الإسرائيلي بطريقة “طرق الأسطح”: أي إطلاق قذيفة صغيرة على المبنى كتحذير لإخلائه قبل القصف الأكبر.

عملية التلاعب

لقد أخبرتنا “إسرائيل” ما تنوي فعله بالظبط، لكن عندما تنفذه، تبدأ عملية التلاعب المألوفة، فهي تنكر أنها الطرف المذنب وتتهم حركة الجهاد الإسلامي بارتكاب جريمة الحرب تلك بدلًا منها، فقد قالت إن صاروخًا فلسطينيًا أخطأ هدفه ووقع فوق المستشفى.

هذه المزاعم الإسرائيلية سخيفة، ففي مقاطع الفيديو التي صورت القصف، يمكنك سماع صوت صفير عال لقذيفة أو صاروخ قادم سريعًا قبل انفجاره، لكن الجماعات العسكرية في غزة لا تملك سوى صواريخ بدائية تتحرك ببطء في السماء، وإذا سقط أحدهم سيسقط سقوطًا حرًا وليس بسرعة تقترب من سرعة الصوت.

يشير حجم الخسائر وحده إلى أنه صاروخ إسرائيلي، فلا يمكن لأي صاروخ فلسطيني أن يقتل أكثر من حفنة من الناس، وليس المئات مثلما تسبب ذلك القصف، لكن “إسرائيل” كانت مستعدة بحملة من الأكاذيب والمعلومات المضللة.

الأمر المحرج، أن أحد مستشاري رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كتب منشورًا على وسائل التواصل الاجتماعي يحتفل فيه بقصف “إسرائيل” لقاعدة إرهابية في مستشفى، لكن المنشور حُذف سريعًا.

بدلًا من ذلك، نشرت “إسرائيل” لقطات لصاروخ فلسطيني يقع بالقرب من المكان، ومع ذلك كان على “إسرائيل” أن تحذف المقطع سريعًا عندما لاحظ الصحفيون أن توقيت الصور يسبق وقت انفجار المستشفى بنحو 40 دقيقة.

بعد ذلك أنتجت “إسرائيل” تسجيلًا صوتيًا مثيرًا للضحك، من المفترض أنه حديث بين اثنين من مقاتلي حماس – بلهجة خاطئة – عمن أطلق الصاروخ: هم أم مقاتلو حركة الجهاد.

تدير “إسرائيل” وحدات “مستعربين” من الإسرائيليين الذين يتخفون تحت رداء فلسطيني لإدارة عمليات سرية داخل المجتمع الفلسطيني، كما أنها تدير شبكة من العملاء الفلسطينيين الذين تقوم برشوتهم أو تهديدهم، إن تزييف مقطع صوتي يعد حركة طفولية من “إسرائيل”.

على أي حال، أشار المتحدثون في التسجيل إلى مقبرة قريبة من المستشفى كموقع لإطلاق صاروخهم، لكن ذلك يتناقض مع مزاعم إسرائيلية عسكرية أخرى تقول إن الصاروخ انطلق من مكان مختلف تمامًا.

في نهاية الأسبوع، كشف فريق “Forensic Architecture” البحثي بجامعة لندن عن نتائجه الأولية، فقد كشف تحليل الموقع عن أن الضرر الذي سببته القذيفة وتغير صوت القذيفة في أثناء تحركها في الهواء يشير إلى أنها قادمة من “إسرائيل” إلى غزة، كما أشار تحليل آخر إلى أن مقطع الصوت المنسوب لاثنين من مقاتلي حماس تم التلاعب به.

يبدو أن مهارات التضليل الإسرائيلي لا تتجاوز مهارات الهواة، تمامًا مثل عملياتها الاستخبارية التي فشلت في اكتشاف أشهر من تخطيط حماس لعملية 7 أكتوبر/تشرين الأول.

بذور الشك

الهدف هنا ككل مرة، ليس تقديم دليل، بل الفوز في المعركة الإعلامية من خلال استخدام معلومات مضللة وزرع بذور الشك حتى يستغلها السياسيون الغربيون والإعلام للتعتيم على القضية بين جمهورهم.

وبدلًا من الاهتمام المناسب بالضحايا والغضب أخيرًا بسبب القتل الإسرائيلي الغاشم لآلاف المدنيين الفلسطينيين في أسبوعين، تنشر وسائل الإعلام تقاريرًا يمكن التنبوء بها، فقد بدأوا بنشر الادعاءات والادعاءات المضادة بشأن قصف المستشفى وتحدثوا عن حركة الجهاد، والأهم بالنسبة لـ”إسرائيل” أنهم تبنوا منهجية “لننتظر ونرى النتيجة” و”لا تتسرعوا في الحكم”.

واللحظة التي كان من الممكن فيها المشاركة في ضغط دبلوماسي على “إسرائيل” لوقف اعتداءاتها والتفاوض بشأن وقف إطلاق النار، تحولت إلى جولة من التراشق، واختفى ضحايا المستشفى عن الأنظار تمامًا.

وفي الوقت الذي سيتمكن فيه المراقبون الدوليون من دخول غزة وإجراء اختبارات الطب الشرعي – بافتراض أنهم سيتمكنوا من ذلك – ستكون القصة قد هدأت تمامًا، ولن يهتم أحد ولن تُحاسب “إسرائيل” أخلاقيًا أو دبلوماسيًا أو قانونيًا.

هذا الوضع مألوف لأي شخص يتابع عقودًا من التغطية الإعلامية المتسامحة عدما يتعلق الأمر بالاحتلال الإسرائيلي والاستعمار غير الشرعي لوطن الفلسطينيين التاريخي.

هذا الضباب الذي أحاط بقصة المستشفى يمثل تكرارًا لما حدث الصيف الماضي عندما قُتل 5 مراهقين فلسطينيين في قصف جوي على مخيم جباليا للاجئين، فقد أنكرت “إسرائيل” مسؤوليتها فورًا وقالت إنها لم تقصف مخيم جباليا، واتهمت حركة الجهاد الإسلامي بإطلاق صاروخ خاطئ.

فقد أكد ذلك مسؤول إسرائيلي حينها، حين قال: “إننا نمتلك مقاطع فيديو تُثبت بما لا يدع مجالًا للشك أن الهجوم ليس إسرائيليًا”، وزعم رئيس إدارة عمليات بجيش الاحتل الإسرائيلي عودي باسوك أن “مقتل الأطفال كان إصابة ذاتية وقد تمكنا من رؤية صاروخ يضرب المنزل الفلسطيني”.

مثلما حدث في قصة المستشفى، أطلق الجيش مقطع فيديو للصاروخ الذي انطلق بالخطأ، لكنه كان خدعة كاملة، فلاحقًا وبعد هدوء الأوضاع اعترف الجيش الإسرائيلي أنه كان مسؤولًا عن قتل هؤلاء الأطفال.

أولاد على الشاطئ

لم تكن حادثة قتل “إسرائيل” للمراهقين مفاجئة، لكنه الوقت الذي من المتوقع أن تنتشر فيه أكبر أكاذيب “إسرائيل”، فعند قتل الأطفال يفيق العالم فجأة وينتبه لمعاناة الفلسطينيين قبل أن ينساها مرة أخرى.

في عام 2014 وأثناء القصف الإسرائيلي لغزة، قتلت سلسلة من القصف 4 أولاد من عائلة بكر كانوا يلعبون كرة القدم على الشاطئ، في ذلك الوقت زعمت “إسرائيل” أن الأولاد قُتلوا بالخطأ لأنهم ضلوا طريقهم أمام مجمع للشرطة البحرية والقوات البحرية التابعة لحماس، الذي يستخدمه المقاتلون فقط.

كانت مزاعم “إسرائيل” التي انتشرت بين وسائل الإعلام تشير إلى أن هؤلاء الأولاد كانوا مجرد أضرار جانبية لقصف الدرونز للمسلحين الفلسطينيين، لكن لسوء حظ “إسرائيل” دُحضت تلك المزاعم بسهولة.

فقد تمكن عدد من الصحفيين الغربيين – الذين غامروا بدخول غزة – من رؤية هذا القصف لأن الشاطئ كان قريبًا من فندقهم، وفكرة وجود قاعدة لحماس على الشاطئ بالقرب من فندق معروف باستقباله للصحفيين الغربييين كانت سخيفة تمامًا.

أكد هؤلاء الصحفيين أنه لم يكن هناك أي مسلحين في المنطقة في ذلك الوقت، وأنه من المفترض أن مشغلي الدرونز تمكنوا من رؤية الأطفال بكل وضوح.

أشارت التقارير إلى أن الشاطئ يُستخدم عادة من الصيادين والعائلات، كما كشف تحقيق لحاوية شحن صغيرة دمرها صاروخ إسرائيلي عن كذب المزاعم الإسرائيلية التي قالت إنها كانت تحتوي على معدات عسكرية.

وجد تحقيق لاحق أن مشغلي الدرونز أطلقوا الصاروخ دون أن يهتموا بالتمييز بين الأطفال والمسلحين، لكن كل هذه التقارير لم تكن مهمة، فقد نُسيت المذبحة، وقد قضت المحكمة العليا الإسرائيلية بأنه لا حاجة لإجراء المزيد من التحقيقات وأُغلقت القضية.

الإعدام على يد قناص

وقعت أشهر حملة دعايا مضللة إسرائيلية قبل 18 شهرًا، عند مقتل صحفية الجزيرة شيرين أبو عاقلة، فقد أثار مقتلها بينما كانت ترتدي سترة واقية مكتوب عليها بوضح كلمة “صحافة” في أثناء الاقتحام الإسرائيلي لمخيم جنين في الضفة الغربية، موجة من السخط الدولي.

كانت تلك الحادثة خطيرة لـ”إسرائيل”، فقد اهتمت وسائل الإعلام بالأمر بشكل غير مسبوق لأن أبو عاقلة كانت صحفية بارزة عملت مع الكثير من الصحفيين كما أنها كانت تحمل الجنسية الأمريكية.

مرة أخرى، ألقت “إسرائيل” باللوم على الفلسطينيين ونشرت مقطع فيديو يكشف عن تبادل لإطلاق النار مع مسلحين فلسطينيين بالقرب من المكان الذي قُتلت فيه أبو عاقلة.

لكن التحقيق الذي أجرته منظمة “بتسليم” الإسرائيلية الحقوقية أثبت أن مقطع الفيديو كان في منطقة مختلفة تمامًا في جنين، أجرت وسائل إعلام أمريكية تحقيقاتها أيضًا وكشفت كذب “إسرائيل”، فلم يكن هناك مسلحون بالقرب من أبو عاقلة، والتفسير العقلاني الوحيد هو أن قناص إسرائيلي قرر إعدامها، حيث استهدف المنطقة الصغيرة المكشوفة بين خوذتها والسترة الواقية، بعد ذلك ومع انتشار القصة، اعترفت “إسرائيل” أن أحد جنودها مسؤول عن الحادث.

لم تكذب “إسرائيل” فقط بشأن جرائمها، فقد وقعت واحدة من أكثر خدعها المثيرة للسخرية في 2021، عندما صنفت 6 منظمات حقوقية ومجموعات رعاية اجتماعية في الضفة الغربية بأنها منظمات إرهابية.

وقد طالبت الاتحاد الأوروبي بوقف تمويلهم فورًا، واقتحمت مكاتبهم وصادرت معداتهم ودمرتها وأغلقت أبوابهم واعتقلت العاملين بهم.

كان هدف “إسرائيل” واضحًا: إغلاق المنظمات التي تقدم الدعم للمواطنين الفلسطينيين وتدافع عن القضية الفلسطينية في المحافل الدولية بتوثيق جرائم “إسرائيل”، كان ذلك مهمًا بعد أن أغلقت العديد من المكاتب الإعلامية الأجنبية أبوابها في المنطقة بسب ضائقة مالية.

كانت الكذبة مشينة للغاية حتى إن المنصات الإعلامية المناصرة لـ”إسرائيل” عادةً لم تتمكن من تقبلها، وبعد عدة أشهر سُرب تقرير سري لوكالة الاستخبارات الأمريكية كشف أن الاتهامات الإسرائيلية لم يكن لها أي أساس من الصحة.

ثقافة الكذب

هذه القائمة لحملات التضليل والخداع تطول وتطول، ابحث عن أسماء مثل محمد الدرة وراشيل كوري وجيمس ميلر وتوم هورندال وإيان هوك، ستجد أن “إسرائيل” تنصلت من تلك الجرائم التي ارتكبها جنودها.

حتى الأبحاث السريعة تُظهر كذب “إسرائيل” بشأن استخدامها قنابل عنقودية في لبنان عام 2006، وقتلها الجماعي للمدنيين في قرية قانا اللبنانية في نفس الحرب، قبل 20 عامًا تمامًا بعد أن كذبت قبلها بشان مسؤوليتها عن قتل أكثر من 100 مدني في مجمع للأمم المتحدة بنفس القرية.

كذبت “إسرائيل” بشأن إشرافها على القتل الجماعي للفلسطينيين في مخيم صبرا وشاتيلا للاجئين في لبنان عام 1982 على يد حلفائها في الكتائب المسيحية.

لكن ذلك كله ليس مفاجئًا، فثقافة الكذب منتشرة منذ تأسيس “إسرائيل” عام 1948، فمنذ البداية روجت الحركة الصهيونية لكذبة تقول إن فلسطين كانت أرضًا خاليةً.

ولتخليد تلك الأسطورة، كذبت “إسرائيل” بشأن عمليات الإبادة العرقية واسعة النطاق التي أجرتها عام 1948، إحداها كانت عملية “المكنسة” في الشمال التي أجبرت فيها نحو 750 ألف فلسطيني على ترك منازلهم وأرسلتهم إلى مخيمات للاجئين، وقد زعمت حينها أن الدول العربية المجاورة من أمرتهم بذلك.

أخفت “إسرائيل” أدلة أرشيفية على مذابحها ضد المدنيين الفلسطينيين التي ارتكبتها قواتها في الطنطورة والدوايمة، وشوهت سمعة كل من حاول جذب الانتباه لتلك المذابح، وبالمثل كذبت وقالت إنها عرضت على اللاجئين فرصة للعودة.

دمرت “إسرائيل” كذلك مئات القرى الفلسطينية لمنع اللاجئين من العودة إلى منازلهم، ثم سعت إلى إخفاء تلك الجرائم بزراعة الغابات في تلك المناطق.

صرح من الأكاذيب

تلجأ الجيوش إلى الكذب في أوقات الحرب لأنها تحاول إخفاء الجرائم التي ارتكبتها، لكن الفرق هنا أن أكاذيب “إسرائيل” جزء لا يتجزأ من وجودها المستمر منذ عقود كدولة أُسست باستعمار أرض شعب آخر وطرده منها.

كان عليها أن تخفي نظامها العنصري وجرائمها المتأصلة في هذا النظام القمعي، إن “إسرائيل” في حرب دائمة مع الفلسطينيين، لذا عليها أن تكذب باستمرار وكل كذبة تُبنى على سابقتها، لذا إذا انكشفت كذبة واحدة سيتعرض الصرح بأكمله لخطر الانهيار، وهو ما يجعل مهمة كشف تلك الأكاذيبة صعبة للغاية.

إن الانخراط في معارك قضائية مستمرة ضد “إسرائيل” والمدافعين عنها لكشف كل كذبة يصرف الانتباه عن خدعة “إسرائيل” الكبرى، فهو يحجب السياق تمامًا.

فالقتال لمحاسبة “إسرائيل” على قتلها مئات المدنيين في مستشفى المعمداني يأتي على حساب صرف الانتباه عن حقيقة محاولة “إسرائيل” تنفيذ إبادة عرقية في غزة وارتكاب عملية إبادة جماعية ضد الفلسطينيين هناك.

إن النضال ضد كذبة واحدة يفسح المجال أمام انتشار الأكاذيب الأخرى بين الوعي العام، هذه الصعوبات يضاعفها رغبة الإعلام في التواطؤ مع التضليل الإسرائيلي مثلما يفعل منذ إعلان تأسيس الدولة اليهودية لأن “إسرائيل” تمتلك رصيدًا إستراتيجيًا مهمًا، وكحليف موثوق به، فهي بمثابة مشروع للقوى الغربية في الشرق الأوسط الغني بالنفط.

وكل من يسعون لتسليط الضوء على تلك القضية الغارقة في الظلام يتعرضون لتشويه سمعتهم باتهامهم بـ”معاداة السامية” كأن التضامن مع المعاناة الفلسطينية لا يتحقق إلا بكراهية اليهود.

لهذا السبب يمكن لـ”إسرائيل” أن تعيش على النزاع بشأن من المسؤول عن قصف المستشفى، لأن العاصفة ستمر قريبًا، وبالطبع لن يعود الضحايا الفلسطينيون إلى الحياة مرة أخرى.

المصدر: ميدل إيست آي
ترجمة حفصة جودة – نون بوست

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد