“إسرائيل” في مواجهة احتمالات التوصل إلى اتفاق حول النووي الإيراني

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

على الرغم من أن إدارة الرئيس جو بايدن اعتبرت، في الأول من أيلول/سبتمبر الجاري، الرد الإيراني الأخير على المشروع الذي قدمه الاتحاد الأوروبي في الثامن من آب /أغسطس الفائت للإيرانيين والأميركيين “غير بناء”، فإن الأوساط السياسية والأمنية في “إسرائيل” ما زالت تعتقد أن الولايات المتحدة وإيران “على بعد أسابيع من استئناف الاتفاق النووي”، إذ أشار تقرير صادر عن وزارة الخارجية الإسرائيلية في 2 من الشهر الجاري إلى أن الولايات المتحدة “تواصل اعتبار الاتفاقية السبيل الوحيد للتعامل مع البرنامج النووي الإيراني”. وكان رئيس الدبلوماسية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، قد عبّر عن أمله، في 31 آب/أغسطس الفائت، “في التوصل إلى قرار في الأيام المقبلة لإحياء الاتفاق النووي لسنة 2015 المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)”. ويبدو أن عقبتين رئيسيتين ما زالتا تعترضان إبرام الاتفاق الجديد وهما مطالبة إيران بإنهاء التحقيقات التي تجريها الوكالة الدولية للطاقة الذرية في ثلاثة مواقع إيرانية غير معلنة عُثر فيها على آثار يورانيوم مخصّب، وبالحصول على ضمانات بأن أي إدارة أميركية قادمة لن تنسحب من الاتفاق كما فعلت إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب[1].

اتفاق “كارثي” في نظر المسؤولين الأمنيين والسياسيين في إسرائيل
في 26 آب الفائت، نشرت صحيفة “معاريف” تقريراً أشار إلى أن رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي دافيد برنياع حذر من أن الاتفاق النووي الوشيك مع إيران “سيكون بمثابة كارثة استراتيجية، لأنه سيسهل على طهران في المدى الطويل محاولة الحصول على أسلحة نووية”، مؤكداً أن “نسبة احتمال توقيع الاتفاق النووي باتت قريبة من 100%”، ومعرباً عن اعتقاده أن إيران “ستعود إلى الاتفاق، لأن لها وللولايات المتحدة مصلحة استراتيجية في القيام بذلك”. وأمام هذا الاحتمال الكبير للتوصل إلى اتفاق، أعاد رئيس الموساد التأكيد على أن الاتفاق الدولي مع إيران “لا ينطبق على دولة إسرائيل”، وأن الموساد “يواصل العمل طوال الوقت لمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية”. وكانت صحيفة “معاريف” نفسها قد نقلت، في تقرير نشرته في 23 آب الفائت، عن مصدر سياسي رفيع المستوى أن “كل قيادة المؤسسة الأمنية الآن مع موقف برنياع، وانتصر توجّه الموساد بالأساس لأن الغرب، بقيادة الأميركيين، رضخ للإيرانيين في كل المجالات تقريباً”، وأن “كل ما يمكن أن يحققه الاتفاق في الوقت الراهن هو تمديد الوقت مدة عامين ونصف العام، حتى الموعد الذي تستطيع فيه إيران استئناف سباقها النووي، برعاية دولية هذه المرة”. وقال المصدر للصحيفة: “كل الكوابح والموانع والمصاعب التي اعترضت طريق الاتفاق كانت على المستوى التكتيكي، ولم تؤثر في القرار الاستراتيجي؛ هذا الاتفاق سيُلحق ضرراً استراتيجياً بالشرق الأوسط على مدى أجيال، وسيدفع بالعديد من الدول إلى طرق باب إيران، ونحن نرى منذ الآن بداية هذا المسار”.

والغريب أن تصريحات رئيس الموساد، الذي سيتوجّه اليوم الاثنين إلى واشنطن، وموقف المؤسسة الأمنية، جاءا بعد تسرب أنباء عن نجاح زيارة مستشار الأمن القومي الإسرائيلي إيال حولاتا إلى الولايات المتحدة لبحث الملف النووي الإيراني، إذ ذكر موقع “واللا” الإخباري أن المسؤولين في البيت الأبيض أكدوا له أنهم لن يتنازلوا في موضوع التحقيقات، ولن يمارسوا ضغوطاً على رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي من أجل إغلاق تحقيقات وكالته في بعض المنشآت النووية الإيرانية، وأنهم لن يقدموا تسهيلات محتملة فيما يخص العقوبات الأميركية المفروضة على شركات إيرانية مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني[2].

ويتفق المسؤولون الإسرائيليون، في الحكومة والمعارضة، مع هذا التقدير للمؤسسة الأمنية. فمنذ 24 آب الجاري، وفي خضم الحملة للانتخابات التشريعية الإسرائيلية في 1 تشرين الثاني/نوفمبر القادم، دعا رئيس الحكومة الانتقالية يائير لبيد القوى الغربية إلى “وقف” مفاوضات فيينا لأن الاتفاق سيسمح لإيران بكسب “مليارات” الدولارات و “زعزعة استقرار” الشرق الأوسط، وكان قد حث في الأيام الأخيرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتز على عدم التوقيع على اتفاق مع طهران. وفي 31 آب، أوضح لبيد، في سياق إحاطة قدمها إلى مندوبي وسائل الإعلام الأجنبية في إسرائيل، أن الاتفاق “لا يستوفي الشرط الذي كان الرئيس الأميركي جو بايدن نفسه قد طرحه، وهو منع إيران من التحوّل إلى دولة ذات قدرات نووية”، واصفاً الاتفاق بأنه “سيئ،”، ومؤكداً أن “إسرائيل” “ترى نفسها غير ملتزمة بهذا الاتفاق”، وأنها “ستتحرك لإزالة التهديد الايراني الذي يشكله نظام إسلامي يتسم بالتطرف والعنف”. وفي اليوم نفسه، أجرى لبيد مكالمة هاتفية مع الرئيس الأميركي جو بايدن، وذكر بيان لمكتبه أن الزعيمين “بحثا مطولاً المفاوضات بشأن الاتفاق النووي” و “التزامهما بوقف تقدم إيران نحو امتلاك أسلحة نووية”، وأن بايدن أكد “التزام الولايات المتحدة بعدم السماح لإيران أبداً بامتلاك أسلحة نووية”. أما وزير الأمن الإسرائيلي بني غانتس، فقد أعلن عشية سفره إلى واشنطن أن “الهدف من زيارته إلى الولايات المتحدة التي تبدأ الخميس (1 أيلول) هو نقل رسالة واضحة إلى الإدارة الأميركية، فحواها أن الاتفاق المتبلور مع إيران بشأن ملفها النووي في محادثات فيينا سيمس الأمن على الصعيدين العالمي والإقليمي”، ومؤكداً أن “إسرائيل” “ستستمر في تعزيز قوتها وإمكانياتها لتستطيع الدفاع عن نفسها في أي سيناريو محتمل”[3].

أما زعيم المعارضة بنيامين نتنياهو، فقد وصف الاتفاق النووي المرشح للتوقيع بأنه “سيئ للغاية، ويلقي بظلاله على أمن “إسرائيل” ومستقبلها”، وأضاف، في مؤتمر صحفي عقده في 31 آب الفائت، أن هذا الاتفاق “يعطي أموالاً طائلة للإرهاب والعدوان الإيراني، وهي مبالغ لا يمكن تخيّلها على الإطلاق”، كما هو “يمنح إيران مجموعة من أجهزة الطرد المركزي، ولديها حالياً 5000، وستحصل خلال عامين، بفضل الاتفاق، على 3500 أُخرى تزيد في قدرتها من عشرة أضعاف حتى عشرين ضعفاً، إنها مضاعفة هائلة لقدرة إيران، ولأهم عنصر في التخصيب النووي”[4].

ما هي خيارات “إسرائيل” في حال إبرام الاتفاق؟
تواجه إسرائيل، كما يبدو، مشكلة كبيرة بشأن طبيعة الخيار الذي يتوجب عليها اعتماده في حال توصل القوى الدولية الست إلى إبرام اتفاق نووي جديد مع إيران. ووفقاً للمحللين الأجانب والإسرائيليين ليس أمام “إسرائيل” سوى خيارين لا ثالث لهما: اللجوء إلى الخيار العسكري في مواجهة البرنامج النووي الإيراني، من جهة، والتعايش مع خيار إيران نووية أو على عتبة النووي مع السعي للحصول على ضمانات أميركية، من جهة ثانية.

أ- الخيار العسكري ومحاذيره
يشير بعض المسؤولين الأمنيين والسياسيين الإسرائيليين، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، إلى أن “إسرائيل” مستعدة، عندما تدعو الضرورة إلى ذلك، لشن هجوم عسكري على المنشآت النووية الإيرانية لتدميرها، وأنها بذلت وتبذل مساعيها للتسلح بالأسلحة التي تمكّنها من القيام بذلك. وفي هذا السياق، أعلن عضو الكنيست عن حزب الليكود يوآف غالانت قبل أيام، في مقابلة أجرتها معه إذاعة أف أم 104، أنه “من أجل كبح الإيرانيين يجب شن عملية عسكرية، أو على الأقل توجيه تهديد حقيقي بعملية عسكرية”، وأن “كل ما تبقى هو مجرد كلام؛ فالإيرانيون يسعون للحصول على سلاح نووي، ومشكلة الاتفاق النووي أنه يسمح لهم بتصدير النفط ودخول الملايين إلى حساباتهم، وهذا المال سيستخدمونه في الإرهاب، وفي تمديد سيطرتهم على دول أُخرى تدور في فلكهم، وهذه الأمور هي الأخطر”[5].

ويستند أنصار هذا الخيار إلى ما يُعرف بـ “عقيدة بيغن”، التي ارتبطت باسم رئيس الوزراء الأسبق مناحم بيغن الذي أكد في نهاية سبعينيات القرن العشرين، في سياق التعليق على تطوّر البرنامج النووي العراقي، أن “إسرائيل” “لن تتحمل أبداً ظهور قوة نووية إلى جانبها من شأنها أن تهدد وجودها”، وذلك بعد أن كان العراق قد ابتاع من فرنسا مفاعلاً نووياً نُصب في محطة حملت اسم “تموز” أو “أوزيراك”، الأمر الذي دفع بيغن، في 7 حزيران/يونيو 1981، إلى الإيعاز إلى سلاح الجو الإسرائيلي بتدمير هذه المحطة النووية. وفي أيلول 2007، قام سلاح الجو الإسرائيلي، في إطار “عقيدة بيغن” نفسها، بتدمير موقع سوري يقع في قرية الكُبّر على نهر الفرات، بعد أن زعمت الحكومة الإسرائيلية بأنه يحتوي على مفاعل نووي.
فهل يمكن لإسرائيل أن تعتمد على “عقيدة بيغن” هذه المرة أيضاً في مواجهة البرنامج النووي الإيراني؟

منذ سنة 2010، نشر الباحث سامي كوهين دراسة مطوّلة في مجلة “سياسة خارجية” الفرنسية، أشار فيها إلى أنه عندما يُبحث اللجوء إلى هذا الخيار العسكري يجب التوقف عند ثلاثة عناصر رئيسية هي: تصوّر التهديد الإيراني، وطبيعة قدرات سلاح الجو الإسرائيلي، وموقف الولايات المتحدة الأميركية من هذا الملف. فبخصوص العنصر الأول، استرجع الباحث موقف إيهود باراك، الذي كان في سنة 2009 وزيراً للأمن في حكومة بنيامين نتنياهو، والذي “نأى بنفسه عن النبرة التحذيرية لخطابات رئيس الوزراء”، مؤكداً في مقابلة مع صحيفة “يديعوت أحرونوت” بتاريخ 17 أيلول من ذلك العام أن “إيران لا تشكل خطراً على وجود “إسرائيل”؛ فـ”إسرائيل” قوية ولا أرى من يستطيع أن يشكل خطراً على وجودنا”. ويضيف كوهين أن من يتحفظ على الخيار العسكري يعتقد أن إيران لن تقدم على مهاجمة “إسرائيل” لأنها ستخاطر، في حال حصول ذلك، “بالتدمير من خلال الضربة الثانية لهجوم نووي تمتلك “إسرائيل” الوسائل لشنّه، لا سيما بفضل غواصاتها القادرة على إطلاق صواريخ كروز”. وبخصوص العنصر الثاني، قدّر أن الضربة الجوية ضد المنشآت الإيرانية لا تعتبر مستحيلة، لكن جميع الخبراء المدنيين والعسكريين “متفقون على أن إيران ليست العراق، وأنه لم يعد من الممكن أن يؤثر هجوم جوي مفاجئ فيها، ذلك إن أوزيراك كان هدفاً سهلاً تمّ بناؤه عملياً في العراء، بينما المواقع الإيرانية مبعثرة ومدفونة في أعماق الأرض”، كما “أن هناك شكوكاً حول قدرة القوات الجوية على تدمير المنشآت النووية الإيرانية بضربة واحدة”، فضلاً عن أن أي هجوم “من شأنه أن يترك جزءاً من المواقع النووية سليمة، بما يسمح لإيران بإظهار أن قدرتها النووية، التي تضررت جزئياً أو هامشياً، قد تأخرت ببساطة لبضع سنوات”، ويشجعها على القيام بـ “عمليات انتقامية” تنفذها هي وحلفاؤها في المنطقة. أما العنصر الثالث، فإن من الواضح، كما يرى كوهين، أن الولايات المتحدة لن تغامر بمهاجمة إيران، وأن من الأفضل لـ”إسرائيل”، في حال وصلت إيران إلى عتبة النووي، أن تطوّر علاقاتها مع الولايات المتحدة وأن تطالبها “بزيادة مساعداتها وتعزيز قدرات الدفاع الصاروخي الإسرائيلي، وتمديد ضمانها النووي، في تلميح إلى أن أي هجوم نووي على “إسرائيل” من قبل إيران سيؤدي إلى ضربة أميركية انتقامية”[6].

وبعد 12 عاماً على نشر دراسة سامي كوهين هذه، رأى محلل الشؤون الاستخبارية في صحيفة “هآرتس” يوسي ميلمان، في مقال نشرته الصحيفة في 30 آب، أن “إسرائيل” لا تملك، في الواقع، خياراً عسكرياً ضد إيران، وأن قياداتها الأمنية والسياسية “تكذب” على الجمهور منذ ثلاثين عاماً، و “تبث الأوهام وتضلل”، معتبراً “أنه لو كانت لـ”إسرائيل” إمكانية كهذه، كانت ستظهر عندما كان المشروع [النووي الإيراني] في مراحل التحضير”. أما السبب في التلويح المستمر بهذا الخيار، فيعود، “إلى الاستثمار السياسي الداخلي، وأيضاً إلى ميل السياسيين والعسكريين إلى تعظيم دورهم أو نسب قدرات لأنفسهم”. ويؤكد المحلل نفسه أنه “على عكس العمليات التي استهدفت المفاعل النووي العراقي والسوري، لا يوجد لدى “إسرائيل” إمكانية حقيقية لإحباط البرنامج النووي الإيراني بعملية عسكرية”، وخصوصاً بعد أن “استخلصت إيران العبر، وقامت بنشر مواقعها النووية في أراضي الدولة”، وبات “لديها عشرات المواقع التي تُدار فيها حلقات البرنامج: اليورانيوم، ومعالجته وتحويله إلى غاز، وتخصيبه وتجميعه، وبعض هذه المواقع موجود عميقاً في باطن الأرض (نتانز وفوردو)”، ليخلص إلى أن الدولة الوحيدة القادرة على العمل عسكرياً ضد إيران هي الولايات المتحدة “لكن الولايات المتحدة، بعد حرب أفغانستان والعراق، لم تكن تريد ذلك في فترة ولاية ترامب، ولا اليوم في فترة ولاية بايدن؛ لذلك، من الأفضل للمستوى السياسي والعسكري التوقف عن التبجّح، وهذا ينطبق على لبيد وبينت ونتنياهو أيضاً”، وإلى أن “العودة إلى الاتفاق ستُبعد إيران ثلاثة أعوام تقريباً عن القدرة على تصنيع القنبلة، وهذا أفضل السيئ”[7].

ب- تنظيم التعايش مع إيران نووية أو على عتبة النووي
ما دام اللجوء إلى الخيار العسكري غير واقعي، أو ينطوي على محاذير كثيرة، يتوجب على “إسرائيل” كما صار يعتقد عدد من المحللين تنظيم تعايشها مع إيران نووية أو على عتبة النووي. ففي نظر المستشرق والمحاضر الجامعي دورون متسا فإن “تهديد إيران نووية غير ناجم عن إمكانية شن هجوم نووي على “إسرائيل”؛ التخوف مفهوم، لكن الهستيريا لا لزوم لها”، ذلك إن “هذا السيناريو ليس معقولاً لأن لا قيامة من بعده، أيضاً بالنسبة إلى إيران، وهذا تعرفه طهران”، وإنما هو ناجم عن الآثار الجانبية لهذا الخطر، على اعتبار أن إيران تمثّل “فكرة وجدول أعمال مختلفاً في الشرق الأوسط، يقوم كله على المقاومة، ويهدف إلى زعزعة الوضع القائم، ولجدول الأعمال هذا شركاء وأطراف أُخرى، أغلبيتها قريبة من حدود “إسرائيل”، مثل حزب الله و”حماس” والجهاد الإسلامي”، وبالتالي فإن المغزى الضمني لواقع إيران نووية، أو دولة على عتبة النووي، هو “التغيير في قوة الصراع العام الدائر في الشرق الأوسط، بين معسكر المقاومة (الذي يعرّف نفسه بمصطلحات أيديولوجية متشددة) وبين المعسكر المنافس له (الذي يعرّف نفسه بواسطة مفاهيم اقتصادية)”. ولدى مقارنته بين كوريا الشمالية وإيران، أشار متسا إلى أن كوريا الشمالية دولة لديها قدرة نووية، “لكن ظروف العزلة الدولية المفروضة عليها، ووضعها الاقتصادي البائس، يجعلانها كياناً مخيفاً على الورق”، بينما سيسمح الاتفاق الآخذ في التبلور لإيران “بإزالة نظام العقوبات عنها والوصول بسرعة إلى التزامن بين قدرات على عتبة النووي العسكري وبين قدرات أُخرى تمنح طهران مجدداً مكانتها كدولة إقليمية كبرى”[8].

وكان تشاك فرايليخ، نائب رئيس مجلس الأمن الإسرائيلي سابقاً، قد علّق على وصف رئيس الموساد الاتفاق الجاري التحضير له في فيينا بأنه “كارثي” بتأكيده أن “الكارثي” حقيقة كان انسحاب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، بتشجيع من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، من اتفاقية سنة 2015، ذلك إنه عشية ذلك الانسحاب في سنة 2018، كانت إيران “على مسافة نحو السنة من الحصول على مواد انشطارية مطلوبة لصنع قنبلة واحدة”، بينما هي اليوم “بحاجة إلى بضعة أيام للحصول على مواد انشطارية تكفي لإنتاج أول قنبلتين، ونحو 6 أشهر من أجل 5 قنابل”، مضيفاً أن “إسرائيل” هي “دولة تنظر فقط إلى النصف الفارغ من الكأس، وهذا راسخ فينا منذ بداية التاريخ اليهودي”، ومعتبراً انه “لا جدوى من تكرار الشعار المثير للشفقة بأن “إسرائيل” ليست ملزمة بالاتفاق، وستدافع عن مصالحها بنفسها، فمن الواضح أن ليس لديها خيار عسكري مستقل، لذا، ليس من المستغرب مواصلة عمليات إحباط محدودة من أجل تأجيل النهاية”. وردّ فرايليخ على المخاوف التي يبديها المسؤولون الإسرائيليون بقوله: “يخيفوننا من أن الاتفاق سيحرر أموالاً كبيرة لمصلحة الإرهاب – لكنهم لا يذكرون أن إيران لم توظف مثل هذه الأموال قبل العقوبات، وأن سكانها، البالغ عددهم 85 مليوناً، يتوقون إلى استثمار هذه الأموال في مجالات عديدة. يخيفوننا من أن برنامج إيران النووي سيحظى بشرعية دولية بعد الاتفاق – لكن هذا يتعارض مع الاتفاق المكتوب وسياسة الدول الكبرى كلها، وعلى رأسها الولايات المتحدة”، ليخلص إلى أن الجهود يجب أن تتركز الآن “على محاولة الدفع قدماً بتفاهمات مع الولايات المتحدة بشأن الرد على انتهاكات محتملة للاتفاق من جانب إيران، والسقف الممنوع على إيران تجاوزه، وكذلك على الوسائل لتقليص تحويل الأموال إلى الإرهاب”، والسعي من أجل “الدفع قدماً بتفاهم صامت تعلن فيه الولايات المتحدة وسائر الدول الكبرى الغربية، عشية انتهاء الاتفاق، تمديد صلاحيته لوقت معين”، وهذا كله يوجب “التعاون مع الإدارة الأميركية، والعمل بشراكة كاملة مع حليفتنا المركزية، والتوقف عن الخطاب المزعج والتافه، وبلورة استراتيجيا مشتركة”، والسعي من أجل توفير “ضمانات أمنية من الولايات المتحدة، وإنهاء سياسة الغموض [النووي الإسرائيلي]، أو القيام بمساع إقليمية للرقابة على السلاح”[9].

وهكذا، يتخبط المسؤولون الإسرائيليون، الذين يدركون أن خياراتهم محدودة في مواجهة المشروع النووي الإيراني، فيصعّدون لهجتهم التحذيرية من مخاطر الاتفاق مع إيران، ويتقاطرون الواحد تلو الآخر على واشنطن، لعلهم ينجحون في إقناع الإدارة الأميركية بإدخال تعديلات معيّنة تحسّن شروط اتفاق لم يعد في إمكانهم الحؤول دون إبرامه عندما تقرر حليفتهم الكبرى ذلك.

[1] https://www.i24news.tv/fr/actu/israel/diplomatie-defense/1662193940-nucleaire-iranien-israel-pense-qu-un-accord-est-toujours-imminent-malgre-les-difficultes-dans-les-pourparlers;
https://icibeyrouth.com/dernieres-infos/116711
[2] https://digitalprojects.palestine-studies.org/sites/default/files/26-8-2022.pdf;
https://digitalprojects.palestine-studies.org/sites/default/files/23-8-2022.pdf
[3] https://www.lefigaro.fr/flash-actu/nucleaire-iranien-israel-appelle-les-occidentaux-a-quitter-les-pourparlers-20220824;
https://digitalprojects.palestine-studies.org/sites/default/files/25-8-2022.pdf;
https://www.lanouvellerepublique.fr/france-monde/l-ue-espere-un-accord-sur-le-nucleaire-iranien-dans-les-jours-a-venir
[4] https://digitalprojects.palestine-studies.org/sites/default/files/25-8-2022.pdf
[5] https://digitalprojects.palestine-studies.org/sites/default/files/31-8-2022_0.pdf
[6] https://www.cairn.info/revue-politique-etrangere-2010-1-page-111.htm
[7] https://digitalprojects.palestine-studies.org/sites/default/files/31-8-2022_0.pdf
[8] https://digitalprojects.palestine-studies.org/sites/default/files/30-8-2022.pdf
[9] https://digitalprojects.palestine-studies.org/sites/default/files/29-8-2022.pdf

ماهر الشريف – مؤسسة الدراسات الفلسطينية

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد