استُخدم في الأطعمة والحروب.. تعرف إلى قصة اختراع «الفازلين»

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

في خمسينيات القرن التاسع عشر، كان هنالك كيميائي يعمل على تنقية الكيروسين في الوقت الذي كان مصدرًا مهمًّا للطاقة الصناعية والمنزلية، ولكن سرعان ما تبدلت حياته، وأصبح عيشه مهددًا مع اكتشاف النفط. فلم يكن أمامه سوى التعايش، واستغلال الاكتشاف الجديد. وهذا ما دفعنا لنذكره في هذا التقرير، إنَّه الكيميائي الأمريكي «روبرت تشيزيبرو» مكتشف الفازلين.

بئر جديد للنفط كان سببًا في اكتشاف «الفازلين»
بدأت قصة اكتشاف الفازلين عام 1859، بعد اكتشاف بئر جديد للنفط في مدينة تيتوسفيل بولاية بنسلفانيا الأمريكية. ووجد الكيميائي روبرت تشيزيبرو أن عمله في تنقية الكيروسين من الشوائب أصبح على حافة الخطر، فقرر الرحيل من مدينة بروكلين بولاية نيويورك إلى تيتوسفيل، بينما كان لا يزال يبلغ من العمر 22 عامًا. أراد تشيزيبرو معرفة المنتجات الجديدة التي يمكن تصنيعها من النفط، والمنتجات الجديدة التي يمكنه الحصول عليها من جراء عمليات التنقيب.

أثناء عمل الحفارات، لاحظ تشيزيبرو وجود فضلات عجينة سوداء تشبه البارافين، تعلق بين أسنان الحفارات وتعوق حركتها، وحينما سأل العمال عن هذه المادة، قالوا له إنهم يسمونها «شمع القضيب»، ويستخدمونها في علاج الجروح والحروق، ولكنها تتسبب في تعطل معداتهم.

دفعت ملاحظة تشيزيبرو إلى جمع المادة في جرار، والسفر بها إلى بروكلين لدراستها. وانخرط في دراستها وتكريرها، حتى أطلق عليها «المرهم البترولي»، واكتشف أنه من خلال تقطير الزيوت الأرق والأخف وزنًا يمكنه إنتاج هلام فاتح اللون، وحصل على براءة اختراع لهذه الطريقة عام 1865.

يحرق جسده من أجل تسويق «المرهم البترولي»
أمضى تشيزيبرو سنواته التالية في إتقان تنقية منتجه، واتخذ من جسمه حقل اختبارات لها. أحدث تشيزيبرو الخدوش والحروق الصغيرة في يديه وساعديه، لاختبار فاعلية اكتشافه وخصائصه الشفائية، ولاحظ سرعة التئام الجروح ومقاومتها للالتهاب في حال وضع عليها المرهم البترولي.

بعد التأكد من فاعلية منتجه، افتتح تشيزيبرو مصنعًا في بروكلين بنيويورك. وفي سبيل تعريف الناس بمنتجه الجديد، استقل تشيزيبرو عربة يجرها حصان، وجاب شوارع نيويورك يوزع المادة على كل من يعده باستخدام هذا المنتج في حال الإصابة بجروح أو حروق.

كان تشيزيبرو يحرق جسده بالأحماض واللهب ثم يضع عليها الهلام ليقنع مشاهديه بخصائصه الشفائية القوية. وبسبب نجاح تجربته، أصبح هناك 10 موظفين يجوبون الشوارع لبيع الأونصة الواحدة (ما يقارب 30 جرامًا) من المرهم البترولي مقابل سنت واحد.

وفي عام 1972، سجل تشيزيبرو منتجه باسم «فازلين»، وهناك نظريتان لاختيار هذا الاسم، تقول الأولى إن استخدام اسم فازلين لأنه يتكون من مقطعين المقطع الأول «فاز – vase» بمعنى إناء الزهور، وقد كان تشيزيبرو يستخدم إناء الزهور الخاص بزوجته لإجراء التجارب على المرهم البترولي، والمقطع الثاني «لاين – line» وكان شائع الاستخدام في تسميات الأدوية آنذاك.

أما وجهة النظر الأخرى فتقول إنَّ تسمية المرهم باسم فازلين جاء بناءً على أسس علمية من الكلمة الألمانية «Wasser» ومعناها ماء، والكلمة اليونانية «Elaion» وتعني زيت الزيتون. وبحلول عام 1875، كان الأمريكيون يشترون الفازلين بمعدل جرة في الدقيقة، أي أكثر من 1400 علبة في اليوم، وبذلك أصبح عنصرًا أساسيًّا في خزانات الأدوية في أنحاء البلاد.

استخدامات غير مألوفة للفازلين
اكتشف المستهلكون استخدامات أخرى للفازلين، فقد استخدمته الأمهات لعلاج طفح الحفاضات لصغارهن، كما استخدمته المعرضات للبرد الشديد لعلاج الجلد الجاف والمتشقق. كذلك، استخدمه سكان إقليم نيو إنجلاند في إزالة الخدوش والبقع من الأثاث الخشبي وتلميعه، وفي معالجة الأثاث الجلدي.

استخدم المزارعون الفازلين لتغطية معداتهم المعدنية بكميات كبيرة لحماياتها من الصدأ والتآكل، بينما وضع الصيادون كتلًا منه في صنارات الصيد لجذب أسماك السلمون المرقط. فيما بعد، لاحظت مصانع السيارات أهمية الفازلين في حماية أقطاب بطاريات السيارات من التأكسد.

بين الحروب واستكشاف القطب الشمالي
لعب الفازلين دورًا كبيرًا في رحلة استكشاف القطب الشمالي عام 1909؛ فبسبب خواصه المضادة للتجمد، استخدم روبرت بيري مستكشف القطب الشمالي الفازلين لوقاية جلده من التشقق، كما استخدمه لحماية معداته المعدنية من الصدأ والتآكل.

وكان الفازلين عنصرًا أساسيًا في الحرب العالمية الأولى، فقد استخدمه الجنود الأمريكيين في الخنادق لعلاج الجروح والكدمات وتخفيف حروق الشمس. كان الطلب على الفازلين مرتفعًا لدرجة أن العديد من الجنود كانوا يكتبون إلى أهلهم يطلبون منهم إرسال المزيد، حتى أنها استخدمت أداة مقايضة مع الجنود البريطانيين.

أثبت الفازلين فاعليته كذلك في الحرب العالمية الثانية، فقد كلف الجراح العام للجيش الأمريكي خلال الحرب «شركة شسبروج للتصنيع – Chesebrough Manufacturing Company» بإنتاج ضمادة معقمة تحتوي على الفازلين لإرساله إلى صفوف الجنود، وقد عمل بشكل جيد في المساعدة على التئام الجروح.

الفازلين في الطعام!
كان مكتشف الفازلين تشيزيبرو يرى في الفازلين معجزة حقيقية، فقد أوصى ممرضته بدهن كامل جسده بالفازلين عقب إصابته بمرض التهاب غشاء الجنب في الخمسينيات من عمره، وقال ممازحًا إنه يجعله ينزلق من الموت، وظل تشيزيبرو على قيد الحياة 40 عامًا أخرى حتى توفي عام 1933. ليس هذا فحسب، فكان يتناول ملء ملعقة من الفازلين يوميًّا حتى وفاته.

لم يقتصر تناول الفازلين على تشيزيبرو، فوفقًا للجمعية التاريخية للنفط والغاز الأمريكية، فإن إصدار عام 1886 من مجلة «Manufacture and Builder» جاء فيه أن الخبازين الفرنسيين يستخدمون الفازلين بشكل كبير في الكيك والمعجنات الأخرى، ويتميز عن الزبدة في أنه مهما كانت المعجنات قديمة، فإنها لن تصبح فاسدة.

الملكة فيكتوريا تمنح تشيزيبرو وسام الفروسية
في عام 1883، قررت الملكة فيكتوريا منح تشيزيبرو «وسام الفروسية»، وهو أعلى وسام يمكن أن يمنحه ملك بريطاني، وأخبرت أنها من محبي منتجه الهلامي، وأنها تستخدم الفازلين في شفاء بشرتها الجافة.

انتشر الفازلين من قارة إلى أخرى، واعتمد عليه الكثيرون بصفته الخيار الأكثر أمانًا ونقاءً، ولاستيعاب هذا الانتشار الواسع، نقل تشيزيبرو مصنعه إلى ولاية نيوجيرسي، كما افتتح مصانع في أوروبا وكندا وأفريقيا، وتقاعد من رئاسة شركته عام 1908.

جذور مستحضرات تجميل «مايبيلين» تعود إلى الفازلين
في عام 1915، اشتعلت النار في رموش وحاجبي مابل شقيقة رجل الأعمال الكيميائي «توم لايل ويليامز»، ولكي تصلح ما أفسده النار، وضعت مابل الفازلين على غبار الفحم من الفلين المحترق، ورآها أخوها بينما كان تفعل ذلك. وفي رواية أخرى، لا ذكر لأي نيران، ولكن مابل كانت تضع الماكياج لأنها تخطط لحضور موعد، ورآها أخوها بينما تستخدم تلك الوصفة.

أشعلت هذه الفكرة خيال توم، وبدأ في بيع الخليط تحت مسمى «Lash-Brow-Ine»، وعندما أصبح الخليط معروفًا، وضع ويليامز، الذي كان يعمل في شيكاغو باسم «Maybell Laboratories»، في 24 أبريل (نيسان) 1917، علامة تجارية على الاسم على أنه «وصفة لتحفيز نمو الحواجب والرموش». وتكريمًا لأخته مابل بعد زواجها عام 1926، أعاد توم تسمية الماسكارا الخاصة به إلى «مايبيلين».

زهراء ابو العنين – ساسة بوست

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد