أية علاقات خارجية لـ “إسرائيل” بعد الانتخابات؟

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

بعد إسدال الستار على الانتخابات “الإسرائيلية” الأخيرة، تتجه الأنظار إلى المشهد الحكومي المقبل بعد تكليف زعيم “حزب الليكود”، بنيامين نتنياهو، بتشكيل الحكومة الجديدة. الأخير “المُترسمل” على نصر انتخابي، بالتحالف مع قوى يمينية متطرفة تدخل المعترك السياسي للمرة الأولى كتحالف “الصهيونية الدينية”، يواجه تحديات داخلية وخارجية، ولا سيما أنه معني بالتماهي مع تلك القوى، التي وفرت له الفرصة للعودة إلى رأس السلطة التنفيذية في دولة الاحتلال، من جهة، كما أنه معني أيضًا باستكمال تحصين “إرثه السياسي” المتعلق بما عرُف بـ “اتفاقيات أبراهام”، وما نجم عنها لناحية دخول عدد من الدول العربية “نادي المطبّعين مع إسرائيل”، وتبعاتها على “عملية السلام” مع الفلسطينيين من جهة ثانية، الأمر الذي يطرح مجموعة عقبات أمام الرجل الذي يضع نصب عينيه جملة قضايا، من بينها محاولة إلغاء محاكمته أمام القضاء “الإسرائيلي” بتهم فساد.

وتُرجّح مصادر دبلوماسية غربية أن يعمد نتنياهو، فور عودته إلى منصبه الحكومي، إلى السير في طريق حرج، وأن يوازن بين حاجته لاسترضاء حلفائه المتشدّدين في الداخل، وبين رغبته في تلافي المواجهة مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتل أبيب، الداعمين لـ “حل الدولتين”، وعلى رأسهم دول الخليج، والاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة التي أبدت تحفّظها حيال حصول شركاء نتنياهو من القوى اليمينية الصهيونية على مقاعد وزارية في الحكومة الجديدة. فقد دعا المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس إلى التزام وزراء الحكومة العتيدة في “إسرائيل” بما أسماه “قيم المجتمع الديمقراطي”، مشدّدًا على أهمية ما وصفه بـ “الانفتاح”، و”التسامح واحترام الأقليات”، في إشارة إلى عرب الداخل الفلسطيني المحتل.

في هذا السياق، يرى آرون ديفيد ميلر، وهو مسؤول سابق في وزارة الخارجية الأميركية، أن الرئيس الأميركي جو بايدن، ورئيس الحكومة “الإسرائيلية” الجديدة بنيامين نتنياهو “سيحاولان تفادي الصدام، والدخول في مواجهة مع بعضهما البعض، لأن لدى كل منهما أولويات أخرى أكثر إلحاحًا”، مع تأكيده احتمال بروز حد أدنى من التباينات بين الرجلين حيال بعض الملفات. ولشرح هذه النقطة أكثر، يذهب الباحث في القانون الدولي والأوروبي بجامعة بروكسل، ألكسندر لونغاروف، إلى أن “العلاقات الأميركية- الإسرائيلية خلال الفترة المقبلة سترتبط إلى حد كبير بالتفاعلات السياسية في الداخل الأميركي، لا سيما بعد انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، وقبيل فترة الانتخابات الرئاسية للعام 2024”. ويختصر لونغاروف، وهو دبلوماسي أوروبي، وعضو سابق في اللجنة الاقتصادية والاجتماعية التابعة للاتحاد الأوروبي، المعادلة التي تستند إليها تلك العلاقات معتبرًا أنه “كلما زاد مستوى ركون أي حكومة إسرائيلية إلى أصوات وشخصيات اليمين المتطرف، كلما قلّت احتمالات استمرار الدعم الأميركي التقليدي المطلق لـ”إسرائيل”، لأسباب لا تنحصر فقط بالضغوط التي يمارسها الرأي العام، ومنظمات المجتمع المدني في الولايات المتحدة”.

أما المحلل السياسي الأميركي بلايس مالي فهو يعتبر أن الكيفية التي ستقابل بها إدارة بايدن نتائج الانتخابات “الإسرائيلية” الأخيرة، تبقى “سؤالًا مفتوحًا ومعلّقًا إلى حين”، وخصوصًا أن الأخير لم يكن يحبّذ عودة نتنياهو إلى السلطة، ولم ترق له تحالفاته مع القوى المتطرفة “الإسرائيلية”. وذكّر مالي بأن تعامل إدارة بايدن مع تل أبيب في الفترة الماضية كان مشوبًا بالحذر، حيث قللت من حدة الخطاب الداعم بصورة مطلقة لتل أبيب، قياسًا بإدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، رغم احتفاظها في الوقت نفسه بجوانب عديدة من النهج الأميركي التقليدي المؤيد للحليف التاريخي لواشنطن، مشيرًا إلى وجود تكهنات بأن الإدارة الأميركية قد تقرر عدم التعامل مع إيتمار بن غفير، المحسوب على معسكر “الصهيونية الدينية”، في حال تم اختياره لمنصب وزاري. ولا تبدو الانعكاسات المحتملة لـ “الحدث الإسرائيلي” مقتصرة على صعيد هيكل المؤسسة التنفيذية في الولايات المتحدة، بل تتعداها إلى أروقة المؤسسة التشريعية الأميركية، ذلك أن رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي بوب مندينيز كان قد حذّر زعيم “الليكود” في أيلول/ سبتمبر الفائت من أن تحالفه مع قوى متطرفة من أجل تشكيل حكومة “إسرائيلية” جديدة بعد انتخابات تشرين الثاني/ نوفمبر، “قد يؤدي إلى تآكل الدعم (لـ”إسرائيل”) في صفوف الحزبين الجمهوري والديمقراطي، على نحو خطير”. هذا بالضبط، ما اختصره الكاتب الأميركي الشهير توماس فريدمان، بعبارة: “نحن إزاء “إسرائيل” من نوع آخر اليوم”، قبل أن يحذّر من أن العلاقات الأميركية “الإسرائيلية” قد “دخلت نفقًا مظلمًا”، ملمحًا إلى وجود أسئلة جوهرية لدى الأميركيين اليوم حول حقيقة النظرة إلى “”إسرائيل” كدولة ديمقراطية”، أو حول ضرورة المضي في دعمها عسكريًا، ودبلوماسيًا.

أما عن السيناريو المتوقع للعلاقات الأوروبية- “الإسرائيلية” في عهد حكومة نتنياهو الجديدة، فيستغرق محللون في شرح أبعاد الخلافات المزمنة بين القادة الأوروبيين ودولة الاحتلال، والمتعلقة جوهريًا بعدم اعتراف الاتحاد الأوروبي بالسيادة “الإسرائيلية” على الضفة الغربية والمشاريع الاستيطانية فيها. ومع أن استئناف جلسات “مجلس الشراكة” بين الاتحاد الأوروبي و”إسرائيل” في أيلول/ سبتمبر الفائت، بعد توقف دام نحو عشر سنوات، وذلك خلال عهد حكومة بينيت- لابيد على خلفية تأييدها لـ “حل الدولتين”، إضافة إلى الموافقة على انضمام تل أبيب إلى مشروع المبادرة الأوروبية للعلوم والبحوث Horizon Europe، جاء كمؤشر على رغبة أوروبية في تحسين العلاقات مع تل أبيب بعد غياب نتنياهو عن سدة الحكم، فإن عودة الأخير إلى المشهد السياسي “الإسرائيلي” من باب انتصاره الانتخابي الأخير، ترجّح اتساع دائرة التباينات الأوروبية “الإسرائيلية” من جديد، وتضاؤل فرص الحوار بينهما، خصوصًا أن شخصيات محسوبة على الائتلاف المؤيد لنتنياهو تبدي رغبتها علنًا بضم أجزاء من الضفة الغربية إلى “السيادة الإسرائيلية”، وفق مجلة “ناشونال انترست”.

وبحسب المجلة الأميركية، فإن المعضلات التي تنتظر الحكومة المقبلة في “إسرائيل”، تتجسّد في الشخصية المرشحة لتولي حقيبة الخارجية فيها، داني دانون، بما يكتنفها من تناقضات. فالقيادي في حزب “الليكود”، وعضو الكنيست، الذي يتبنى مواقف اليمين المتطرف من خلال تأييده سلخ مناطق في الضفة الغربية، سبق له أن شغل منصب المندوب الدائم لتل أبيب في الأمم المتحدة، وهو ما يجعله “مدركًا لحساسيات التعاطي مع المجتمع الدولي”، وفي الوقت نفسه، قادرًا على “التوفيق بين أهداف سياسية متناقضة” للفريق الوزاري اليميني الجديد في “إسرائيل”، وفق ما تذهب “ناشونال انترست”.

وعلى صعيد العلاقات المتوقعة للحكومة “الإسرائيلية” الجديدة مع دول الخليج، تستبعد صحيفة “نيويورك تايمز” أن يعمد نتنياهو في عهده الجديد، إلى التراجع عن “اتفاقات أبراهام” مع عدد من تلك الدول، أو الانقلاب عليها، في سبيل نيل رضا حلفائه الحكوميين، مشيرة إلى أن التركيبة الحكومية الجديدة تطرح تحديات على صعيد العلاقات “الإسرائيلية”- العربية.
وبحسب الصحيفة، ثمة تقديرات بأن قادة الخليج، ورغم عدم تخليهم عن مواصلة السعي لحل “القضية الفلسطينية”، من خلال التفاهم مع تل أبيب، يولون مصالحهم الداخلية الخاصة أهمية أكبر، ويضعونها على رأس أولوياتهم الراهنة على حساب القضايا الأخرى. فمن جهتها، توضح الباحثة في “مركز دراسات الخليج بجامعة إكسيتير” في بريطانيا، إلهام فخرو، أنه “من وجهة نظر دول الخليج، يمكن القول إن التطبيع مسألة مرتبطة بخططهم الاستراتيجية بعيدة المدى، وليست لها علاقة بالمجريات السياسية اليومية في “إسرائيل””. وأضافت أن إعادة انتخاب نتنياهو “سوف تصعّب من إمكانية تطبيع العلاقات السعودية “الإسرائيلية”، بصورة رسمية”، على الرغم من موافقة الرياض على تقديم بعض التسهيلات لشركات الطيران “الإسرائيلية” مؤخرًا. وتشير إلى أن “السعودية تتوقع شيئًا في المقابل” من الجانب “الإسرائيلي”، مقابل السير في التطبيع، فيما يبدو نتنياهو، داخل الحلف الجديد، أقرب إلى “رفض تقديم تنازلات كبيرة” خصوصًا على صعيد “عملية السلام” مع الفلسطينيين.

وبحسب محللين، فإن ما يطرحه شركاء نتنياهو في برنامجهم الحكومي المنتظر، سوف يعرّض “إسرائيل” إلى أزمة أمنية وشيكة مع عرب الداخل الفلسطيني المحتل، وتوتر في علاقاتها الخارجية مع داعميها التاريخيين، كواشنطن، وشركائها الجدد، كأبو ظبي. وفي ذات الاتجاه، تلفت مجلة “ناشونال انترست” إلى أن انتهاج نتنياهو سياسات متطرفة حيال الفلسطينيين، سوف يلحق الضرر بعلاقات تل أبيب المتنامية مع الإمارات، والدول العربية المطبّعة حديثًا معها، كما أنه سوف يقضي على منجز رئيسي في السياسة الخارجية “الإسرائيلية”، اعتاد نتنياهو أن ينسبه لنفسه. وضمن هذا السياق، كشفت مصادر دبلوماسية غربية أن نتنياهو بعث برسائل طمأنة إلى دول الخليج، بعد فوز الائتلاف المؤيد له بأغلبية مقاعد الكنيست.

بدوره، يشدّد الباحث الأكاديمي الإماراتي في الشؤون السياسية، عبد الخالق عبد الله، على أن “العلاقات الإماراتية “الإسرائيلية” وُجدت لتبقى”، معتبرًا أن “صعود قوى اليمين المتطرف من شأنه أن يبطئ إلى حد كبير من وتيرة المشروعات المشتركة بين الجانبين”. ولفت إلى تنامي العلاقات بين أبو ظبي وتل أبيب، محذّرًا من أنه “لن يكون ممكنًا الحفاظ على هذه الوتيرة في ظل حكومة يمينية في “إسرائيل””. وأشار إلى أن مشاركة شخصيات متطرفة، على غرار إيتمار بن غفير، في الحكومة الجديدة “لهو أمر لا تستحسنه الإمارات، ولا تنظر إليه بعين الرضا”.

وعن اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع لبنان، رجّحت صحيفة “نيويورك تايمز” أن تكون طريقة تعاطي نتنياهو مع الاتفاق المذكور على غرار تعاطيه مع اتفاق “أوسلو” مع الجانب الفلسطيني، حيث انتقده حين كان زعيمًا للمعارضة، قبل أن يعود إلى تبنيه حين تولى السلطة.

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد