دخل ملف انتخاب رئيس للبنان مرحلة جديدة من المراوحة والتعطيل مع تشعّب مواضيع هذا الاستحقاق، ودخوله في دهاليز المطالب الدولية والصراعات الإقليمية في إطار تنازع داخلي ومحاولة فرض أمر واقع يخدم المصالح الغربية، ويُبقي نفوذ الأنظمة العربية بما يتناسب مع دورها في مرحلة التطبيع للسيطرة على لبنان والإمساك بورقة سياسية مقررة داخل سلطة الحكم بواسطة موقع رئاسة الحكومة ودورها بحسب دستور الطائف والممارسات التي بدأت مع الرئيس الأسبق رفيق الحريري، في الحياة السياسية اللبنانية كرئيس للحكومة وحاكم مطلق بدعم غربي وغطاء عربي وحماية أمنية سورية.
ما سبق، يضاف إلى الدور الأساسي لرئاسة حكومة ما بعد الطائف في إسناد أمراء الحرب الأهلية – زعماء المليشيات، الذين تم إدخالهم كشركاء في السلطة، فشكلوا شبكة مصالح ومنافع قوّضت الإدارة ودقت آخر مسمار في نعش ما تبقى من الدولة، وحولوا الاقتصاد إلى ريعي دون أي مواكبة ومراعاة لحاجات مثل تلك الخطوة. فسُلّم القرار المالي في لبنان لإرادة المصرف بسياسة الاستدانة التي تبتتها الحكومات المتعاقبة، باستثناء حكومة الرئيس سليم الحص، عام 1999، التي انتهت بانقلاب سياسي على عهد الرئيس إميل لحود، بقانون انتخاب عرف بـ”قانون غازي كنعان”، وما تركه من أكلاف على الوطن والمواطن الذي سحقته المحادل السياسية وتحالفات مصالح أهل السلطة التي لا زالت تناور وتطل بأوجه جديدة وأسماء مختلفة دون أن تغير الأسلوب والأهداف، طالما أن المشغّل واحد والدافع واحد اسمه المصالح الغربية.
وفي متابعة لموضوع استحقاق رئاسة الجمهورية، فقد رُبط برئاسة الحكومة وشكلها في العهد الجديد دون مواربة، على اعتبار أن ربطهما من شأنه تسهيل إنجاز الملف كاملًا، والذي تعرقله صراعات على هوية الوطن، وليس على شخص الرئيس فحسب. فأفرقاء الداخل اعتادوا تقاسم الحكم، ولا مانع لديهم من الاستمرار، إلا أنّ الظروف السياسية قد تغيرّت، فالأزمة المالية غيّرت الموازين الدولية اتجاه لبنان، من قبل نادي الدول المنتجة للنفط، باعتباره السلعة التي تلهث خلفها أوروبا.
وفي هذا الإطار، جرى حديث داخل الأروقة والصالونات السياسية عن اقتراح للسير برئيس جمهورية محسوب مباشرة على أحد الأطرف، بمعنى أوضح، مرشح يفضله الثنائي الشيعي، وهو رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، مقابل رئيس حكومة معارض لحزب الله أي نواف سلام، وفي حال تعذّرت هذه التسوية، يتم التفاهم على انتخاب قائد الجيش جوزيف عون، أو الوزير زياد بارود، كرئيس توافقي، على أن يكون رئيس الحكومة توافقيًا أيضًا، يحظى بثقة دولية ودعم عربي وقبول داخلي، خصوصًا لدى الطائفة السُنيّة، الأمر الذي كان أحد أسباب الخلاف بين أعضاء نادي رؤساء الحكومات السابقين، فرئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي يعتبر نفسه الأكثر حظًا لتولي رئاسة أي حكومة مقبلة لأكثر من سبب، أولها نجاحه بفتح باب السعودية، ولم يتورط بمعاداة حزب الله، وعلاقته الممتازة مع الرئيس نبيه بري، حيث أبلغه مؤخرًا أن الفرنسيين يفضّلونه على غيره من الشخصيات المطروحة لتولي الرئاسة الثالثة. فضلًا عن أن ميقاتي أكثر مقبولية من السفير السابق نواف سلام، الذي يعتبر مرشحًا متقدمًا مع أي تسوية لانتخاب رئيس جمهورية، أو وزير الداخلية بسام المولوي، رغم تصنيفه من “الصقور” المعادين لحزب الله والذي تربطه علاقة متميزة بالمملكة العربية السعودية، في حين أن رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل يناور باسم وزير الاقتصاد أمين سلام لرئاسة الحكومة. في المقابل، يعوّل أنصار رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، على تسوية تعيده إلى السراي الحكومية، إلا أن الأمر غير مطروح إطلاقًا في المرحلة الراهنة، فالحريري نفسه ليس متحمسًا للعودة إلى العمل السياسي في هذه المرحلة الصعبة.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.