ياسر رحال – خاص الناشر |
ينتفض “التواصل الاجتماعي” مع كل “فاجعة”، وينكب اللاهثون وراء “اللايكات” على إهالة التعليقات على مدار الـ 24 ساعة، ويفتحون قبورًا ويغلقون شوارع، وفي نهاية البث يصمت الكل، إلا أن للحكاية دقات قلب في مكان آخر خارج القفص الصدري تبدأ من الذاكرة.
مَن تجشم مِن كل مَن يكتب ويدلي بدلوه نواحًا عناء البحث عن تاريخ ظاهرة الهجرة غير الشرعية هذه، هل استخرج من وثائق وأرشيف الاغتراب اللبناني مجريات أحداث بداية مواسم الهجرة من شواطئ بيروت إلى الأرجنتين أو أميركا أو استراليا في القرون الاولى؟
من منهم طلب من أهله على الأقل إن كانوا أحياء ـ بعض الاحياء أموات ـ أن يحكوا له حكاية المهاجرين في ثمانينيات القرن الماضي إلى ألمانيا الغربية يومها، وكيف كان العبور مرًّا من دول المنظومة الاشتراكية إلى ما زعموا انه رغد “ألمانيا الديموقراطية” قبل سقوط جدار برلين؟
ليست هذه الأيام وأحداثها وليدة أعوام القلة المادية التي مر بها من يقطن هذا البلد.
من منهم يعرف كم كانت تمتد طوابير مقدمي طلبات اللجوء إلى سفارة ألمانيا الشرقية بالأمتار؟
من منهم يعرف كيف كان “الغش” والكذب على السفارات لا سيما الأميركية عبر المغادرة إلى دمشق، وطلب الفيزا من هناك بدل طلبها من بيروت، وتزوير شهادة الإقامة، والحسابات البنكية الوهمية؟ من منهم كان يعرف ان العديدين غادروا بيروت بواسطة جوازات سفر تم تغيير صور حامليها؟
وحكايا تطول وتطول.
مهلًا يا سادة التواصل الاجتماعي، اول “كرْجكم” يجب ان يكون تأمين زاد الإبحار، كما زاد الصيف لأطفال المدارس.
لا يمكنكم فتح قنوات بث، ومباشَر، وتعليقات، وتغريدات، وأنتم لا تملكون بعض ذاكرة ولو راكدة عن مواسم الهجرة إلى الموت.
ليس كل من حمل تعبه وأولاده وغادر هو مثقف خمسة نجوم مثلكم، وليس كل من أثقلته غرامات الأيام هو مثلكم يعيش تحت حرارة المكيف، وفي ظل مولد كهرباء.
في تلك الأيام أيها المتقدمون في الفكر والثقافة، باعت الأمهات “صيغة” اعراسهن لينجون بأولادهن، ولم يحصل، وأخريات رهنّ “الحيلة والفتيلة” لتؤمنّ فيزا مضروبة لأولدهن ولم يعبروا الحدود. كان الموت حاصل “الرهن” و”الحيلة والفتيلة”.
أما أنتم يا بسطاء بلادي، مع كل موسم شتاء ستسمعون من تجار الموت ما يلي:
1ـ في موسم الشتاء ينخفض عدد الدوريات البحرية.
2ـ في موسم الاعياد يسكر خفر السواحل ويمكننا العبور.
3ـ في آخر السنة لا يعود الاوروبيون يتشددون على الموانئ ومحطات القطارات ويتلهون بموسم الثلج، والاعياد.
4ـ من البلد الفلاني إلى البلد العلاني/ الحدود مفتوحة للعابرين ولا يدققون بجوازات السفر.
5ـ العبور بحرًا إلى قبرص سهل ومنها إلى اليونان، والانتقال برًا سيفتح أبواب النعيم.
.. ولن تنتهي المغريات، الا بما حصل في مركب الموت 1، وبالأمس في مركب الموت 2.
يا بسطاء هذا الوطن، لا تصدقوا كل ما سبق، ولكن تجهزوا لما هو آت. اصنعوا مستقبلكم، لا تتركوا تجار الموت والفيزا المزورة، ومراكب السفر الى المجهول هم من يرسمون لكم أقداركم.
وإلى صبية وسائل التواصل: تعلموا وتثقفوا وادخروا المعلومات لتتمكنوا من تقديم الحجة بدل “الجعدنة”. المسؤولية الاجتماعية تقتضي العمل بمسؤولية وليس التعليق وإطلاق الأفكار “النيرة” التي لا تفيد سوى بإظهار مدى جهلكم.
وإلى أن يستفيق ضمير البعض، ويعتدل البعض الآخر، لن يتوقف المتاجرون، ولن يتوقف “المهاجرون”؛ فهذا ليس موسم تزاوج البط، هو موسم الهجرة إلى الموت. الرحمة لمن رحل والشفاء للناجين من عواقب المياه المالحة، ودمتم سالمين.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.