ليست مزحة. استنفر كوكب MTV وسكّانه، تناسوا التراشق الفضائحي المقزّز بين شاشتهم وشاشة الجديد، وهُرعوا لكشف مؤامرة مدوّية، واكتشفوا وجود ربطات “خبز الهادي” في المحال التجارية في منطقة كسروان.
ليست مزحة مهما حاول الدماغ أن يترجمها كذلك، مهما حاول القارىء أن يكون منطقيًا في فرز الأخبار التي ترد إليه بين جديّة وساخرة، مهما استخدم المتلقّي قواه الموضوعية كي يبرّر تفاهة الخبر وكاتبه ومصدّقه.
تحت عنوان “الهادي يجتاح كسروان” نشر موقع mtv ما بشبه تحقيقًا صحفيًا حول ما بدا وكأنّه كارثة عظيمة جرت في كسروان.
في التفاصيل، أوضح التحقيق خيوط المؤامرة: برز مصطلح “غزو غذائي” مع إشارة من “مصدر كسرواني” إلى “مقاطعة عفوية” لهذه المنتوجات.
ما زال الأمر يبدو مزحة. ما زال الأمر تافهًا حدّ استحالة أن يكون المكتوب جدّيًّا، فلا يمكن أن يصدّق المرء فكرة “استغراب مواطنين كسروانيين” لوجود خبز ومنتوجات أفران الهادي في المحال. لا يمكن للمرء إلّا أن يسأل، ببراءة شديدة، ما هو المريب في الأمر؟ وجدتها! خبزٌ شيعي! ليست مزحة.
يا أهل لبنان وسائر المشرق، بلغ الأمر بالمتأمركين حد “استهبال” جمهورهم إلى هذا الحدّ، وصاروا سخرية القاصي والداني والذي بين بين.
بلغ بهم الفراغ بعد فشل معركتهم الوهمية مع الغزو الثقافي ومع الغزو الدوائي حدّ الحديث عن غزو غذائي. بلغت بهم التفاهة حدّ تكفير الخبز الآتي من أفران “لا تشبههم”.
حسنًا. يتخطى الأمر الانعزالية والعنصرية والإلغائية والشوفينية، فجميع هذه المفاهيم تستوجب الحدّ الأدنى من العقلانية لفهمها وتفكيكها والردّ عليها، أما أن تجتمع كلّها في قالب تافه ومسيء لعقل المتلقي ولا سيّما ذاك الذي يرتضي على نفسه هذا القدر من الاستخفاف، أو الذي يثق بالجهة التي تضلّله وتهينه حدّ منحها توقيعه وقبوله واستنفاره لصالحها في كلّ مرّة تريد منه أن ينفّذ ما تقول، حتى ولو قالت له: هذا الخبز غزوٌ غذائي! قاطعوه!
يودّ المرء أن يدعو للمصابين بهذه اللوثات بالشفاء العاجل، بالتعقّل في مقاربة كلّ الأمور، بالمهنية المحترمة وبالتعوّد، ولو على مضض، على احترام المتلقين، سواء المتابعين أو الذين يمرّ بهم الخبر صدفة. لكن انغماسهم المقرف في التفاهة يصعّب الفكرة، يضعنا أمام مشهد مربِك حقًّا: مَن هؤلاء يا الله؟!
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.