الإمطار الصاروخي.. تكتيكات في الرد على العدوان الصهيوني

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

عماد خشمان – خاص الناشر |

عرفت البشرية منذ القرن الميلادي الأول بدايةً عند الصينيين مبدأ الصواريخ التي تنطلق بدفعٍ من خليطٍ لموادّ متعدِّدة كوّنت ما يعرف بالبارود، حيث كانوا يستخدمونها في أنابيب من الخيزران يتم إشعالها لتحدث انفجارات خلال الاحتفالات الدينية. وبقيت هذه الأساليب مستخدمة حتى القرن الميلادي الثاني عشر حيث طوّر الصينيون أنفسهم هذه الصواريخ واستخدموها في الدفاع عن إمبراطوريتهم ومدنهم في وجه الغزوات المتتالية وخاصة من قبل المغول في ذلك التاريخ.

تتالى تطوّر هذه التقنية البدائية في صناعة الصواريخ واستخداماتها العسكرية في أوائل القرن التاسع عشر، وتحديدًا في العام 1903 ميلادي، وأطلقت تسمية كونغريف روكيت Congreve rocket على أول إنتاجات هذا الجيل من الصواريخ.، وبعد تجارب متعددة استخدم الوقود السائل في إطلاق أول صاروخ أمريكي في العام 1926. وأصبحت الضواريخ أكثر فاعلية وقدرة على التدمير وإيقاع الإصابات بين المتحاربين في الحرب العالمية الثانية بعد تطور الاسلحة النارية والمقذوفات بمختلف أنواعها وعياراتها، ثم دخلت السباق الفضائي بين المعسكرين الشرقي والغربي حين أطلق الاتحاد السوفياتي في حينه أول قمر صناعي -سبوتنيك الأول- ليدور حول الأرض في العام 1957.

في الحروب دخلت الصواريخ لاعبًا أساسيًا ومهمًّا في ميدان القتال، واتخذتها الجيوش المتحاربة سلاحًا رئيسيًا في قصف الجبهات المقابلة، حيث أخذ الجيش الأحمر السوفياتي يدكُّ جبهات القتال مع الجيش الألماني النازي بزخّاتٍ من هذه الصواريخ والتي أطلق عليها تسمية “الكاتيوشا” ومن عيارات مختلفة وفوهات متعددة تم تركيبها على شاحنات ومركبات بهدف سرعة الانتقال والتموضع وأحدثت رعبًا في صفوف الجنود الألمان.

وتطورت هذه المنظومات مع مرور السنين حتى يومنا الحاضر، حيث تعددت أحجامها وقياساتها وعياراتها وحمولتها التدميرية وتقنيات وأساليب إطلاقها.

كان بعض الخبراء العسكريين لا يعطون أهمية إستراتيجية أو عسكرية لهذه المنظومات رغم قدرتها على التدمير الهائل لدى العدو وتشكيلها خطرٍا حقيقيًّا في ساحات القتال بمختلف تضاريسها، هذه القدرات الصاروخية التي أحسنت المقاومة في لبنان وفي فلسطين الاستفادة منها رغم قِدَمِ صناعتها وقامت بتطويرها حتى أضحت تشكِّلُ خطرًا إستراتيجيًا قاسيًا وداهمًا على العدو الصهيوني في عمق كيانه المؤقَّت وجبهته الداخلية وأعطت هذه المقاومة يدًا طولى في الدفاع والهجوم وتوازنًا في الردع مقابل العدوان.، وأيضًا بات العدو يعرف أن منظومات الصواريخ لدى قوى المقاومة أضحت أكثر قوّة وقدرة. ولا ننسى في هذا المجال الصواريخ الذكية التي تمتلكها والتي يتم توجيهها عن بعد والتحكّم في مساراتها وتغييرِ أهدافها وأضحت تشغل بال العدو وحماته وترعبهم وتسلب النوم من عيونهم.

هذه المقاومة راكمت خبرات وقدرات في تصنيع وتطوير الصواريخ أذهلت دول المنشأ، وأيضًا أظهرت ارتقاء في الأداء والمناورة وإدارة هذه المنظومات ومنشآتها فوق الأرض وتحتها بما يخدم أهداف المعركة، وبات حجم النيران المستخدمة في قصف جبهات كبيرًا العدو وفي مهلة زمنية قليلة يتطلبها إعداد المنصّات والبدء في الإطلاق والرد على العدوان فورًا في ترجمة واضحة وصريحة أن لدى المقاومة إمكانيات هائلة في استخدام ما يسمّى بــتكتيكات ” الإمطار الصاروخي ” جعلت هذا العدو يعيشُ قلقًا وجوديًا. وهذا ما شهدناه في لبنان في ما يسمى بــ “عملية تصفية الحساب” في تموز من العام 1993، وتاليًا “عناقيد الغضب” في نيسان من العام 1996 وأخيرًا في عدوان تموز وآب من العام 2006 حيث شهدت القدرات الصاروخية لدى المقاومة تطورًا كمًّا ونوعًا، ومنها على سبيل المثال لا الحصر صاروخ فاتح 110 والذي كان يبلغ مداه في حينه ما لا يقل عن 200 كلم واليوم شهدَ تطويرًا كبيرًا على مستوى المدى والقدرة التدميرية.


هذا ما رأيناه وشهدناه عبر شاشات التلفزة، وكان واضحًا من تكتيكات استخدمتها “سرايا القدس” الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين وفصائل المقاومة المختلفة في مواجهة العدوان الصهيوني على قطاع غزّة في الأيام الماضية. وتتالت زخَّات الصواريخ وبأعدادٍ كبيرة مما أفشل منظومات التصدّي لها وفي مقدِّمها ما يسمى “القبَّة الحديدية” والتي أظهرت فشلًا ذريعًا كبيرًا وواضحًا في محاولة إسقاطها للصواريخ المنطلقة نحو المستوطنات والمدن المحتلة ناهيك عن الكلفة الباهظة للصاروخ الواحد من هذه المنظومات. كل هذه التجارب ستجعل العدو يتكهَّن حول هذه القدرات الأكثر تطورًا وخاصة لدى المقاومة الإسلامية في لبنان وما تمتلكه من خاصيّة وإمكانية المناورة الواسعة والحركة المريحة نوعًا والمتوفرة لها في جغرافيا مختلفة عن قطاع غزَّة، وسيتكهَّن أيضًا ودائمًا حول عدد الصواريخ التي تمتلكها هذه المقاومة وأماكن منصَّاتها وكيف ومن أين ستنطلق وأنواعها ومدياتها والأهداف التي ستتساقط عليها، وبالتأكيد سيأخذ في الحسبان تراكم وتطور هذه القدرات على مدى 16 عامًا مضت على تاريخ آخر مواجهة له مع المقاومة في العام 2006، وسيفكِّرُ مليًا قبل قيامه بأي خطوة حمقاء في شنِّ أي عدوانٍ نحو لبنان حيث ستُفتحُ عليه أبواب جهنم إمطارًا صاروخيًّا وسيكون الردُّ قاسيًا والثمن غاليًا جدًّا.

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد