علي علاء الدين – خاص الناشر |
كتب احد المغردين الاماراتيين ما نصه
“احدثكم من لاس فيجاس نيفادا”
“في الحقيقة اول مرة ازورها، لكن اللي لاحظته أن دبي تشبه لاس فيجاس في اشياء كثيرة جدا، حتى أن المدام تقول لي تصدق أن معظم مشاريع وتجميل دبي مستوحى من لاس فيجاس؟ فمثلًا النافورة الراقصة اللي عند فندق بيلاجيو هي نفسها اللي عند برج خليفة، ايضًا سقف اللوبي في بيلاجيو هو نفس سقف لوبي اتلانتس في دبي، الاسوار الممتدة في جميع انحاء دبي حقت المشاة نفس الديزاين الموجود في لاس فيجاس، طريقة ترصيف المحلات والاسواق والشوارع نفس طريقة شوارع لاس فيجاس، المترو نفس تصميم مترو لاس فيجاس.
المهم اتضح لي أن الشيخ محمد بن راشد وضع استراتيجيته بأن ينسخ كل ما هو موجود في لاس فيجاس الى دبي… وسلامتكم”.
يبدو أن أوجه الشبه الكبيرة بين مدينتي دبي ولاس فيغاس الصحراويتين بدأت تتضح أكثر فأكثر مع مرور الوقت، ويبدو أن حلم محمد بن زايد اصبح يتضح اكثر فأكثر.
ولمن لا يعرف لاس فيغاس فهي مدينة سياحية شهيرة على مستوى العالم، ومعروفة في المقام الأول بالقمار والتسوق والمطاعم الراقية والترفيه والحياة الليلية. وتصف المدينة نفسها كعاصمة الترفيه في العالم، وتشتهر بالكازينوهات والفنادق الضخمة والأنشطة المرتبطة بها. ومن اهم صفاتها أنها مدينة التخلي، التخلي عن كل شيء.
يدرك ابن زايد أن حلمه لتكون الامارات لاس فيغاس الشرق يبدأ بشرطين اساسيين الاول هو ارضاء العم سام ليكون مفتاحًا رئيسيًّا في تحويل الامارات الى العالمية، ولإرضاء العم سام لا بد من أن تجلس في احضان الكيان الصهيوني او تجلسه في احضانك. واما الشرط الثاني فهو بتوحيد الصفات بين دبي ولاس فيغاس، ومن اهم صفات لاس فيغاس (التخلي)، فبدأ ابن زايد من اكثر القضايا سخونة في العالم عامة وفي الشرق الاوسط خاصة والتي تحقق له الشرطين في آن واحد وهي فلسطين، وليتخلى عن فلسطين بدأ بالتخلي عن المعتقد وتلاه التخلي عن القومية.
لم تكن العلاقات الاماراتية الصهيونية وليدة ساعتها، واتفاق ابراهام لم يأت بسحر ساحر بل هو نتيجة خطوات عملية بدأت بها الامارات من سنوات طويلة في خطوات على المستوى الديني وعلى المستوى الثقافي والتعليمي والاقتصادي وكل ما يمكنه تغيير هوية المملكة لتحقيق حلم ابن زايد.
على المستوى الديني شهد شهر كانون الثاني / يناير 2010 أول تواصل ديني يهودي، عندما استقبلت الإمارات الحاخام اليهودي “يهودا سيرنا”، وقال يومها: “في الإمارات لا يوجد تاريخ يهودي، والآن يبدأ هذا التاريخ”! وذكرت صحيفة “مكور ريشون” الإسرائيلية اليمينية، أنه تجوّل “بحرية تامة” في أبو ظبي كما لو كان في “مانهاتن” الأميركية، مرتديًا القبعة الدينية “الكيبا” مع رموز واضحة على يهوديته، كما نشرت مجلة الايكونوميست موضوعًا مطولًا تحت عنوان: “بعد عقود من نفي اليهود، بعض العرب يريدون عودتهم”، تحدثت فيه عن “فيلا” في دبي، بجدرانها البيضاء، تقع على شاطئ الإمارة، وتقدم دروسًا بالعبرية، وما يُعرف بالطعام الحلال لدى الديانة اليهودية “الكوشر”، وعينت تل أبيب حاخامًا للكنيس. اما في عام 2019 فتم إنشاء أول معبد يهودي رسمي في الامارات، سيكون الأكبر من نوعه في المنطقة. وبحسب بيان رسمي نشرته وكالة الأنباء الإماراتية “وام”، في 22 أيلول / سبتمبر 2019: سيقع المعبد ضمن نطاق مُجمّع للأديان يطلق عليه “بيت العائلة الإبراهيمية” في أبو ظبي.
اما على المستوى الثقافي، ففي 2019 زار الإمارات رئيس المنظمات اليهودية الأميركية “مالكولم” “هوين بولي” على رأس وفد يضم 70 شخصية، وقال في تصريح لقناة “جويش برودكاستين سيرفس” اليهودية: الإماراتيون أخبروا الوفد أنهم يعملون على “تغيير” المناهج الدراسية و”تغيير” مجتمعهم من الداخل لتقبل التطبيع مع “إسرائيل”.
لا يمكن إحصاء العلامات التي تدل على أن الإمارات جاهزة لإقامة علاقات علنية مع الكيان الصهيوني، إلا أنه في السنوات الأخيرة تسارعت الخطى في سبيل تحقيق ذلك، وأصبحت نبرة الخطاب الرسمي الإماراتي مختلفةً تمامًا تجاه القضية الفلسطينية حتى الوصول الى اتفاقات ابراهام.
في آب / أغسطس 2020 نشر موقع “ميدل إيست آي” تقريرًا تحت عنوان “الإمارات و”إسرائيل” أكثر من علاقة مصلحة”، يتحدث عن العلاقات الجيوستراتيجية والتجارية والأمنية المتينة، وعن التقارب بين أبو ظبي و”الكيان الصهيوني” مبني على توجهات إيديولوجية مشتركة. ويذكر التقرير أن 3 آلاف يهودي يعيشون في أبو ظبي ودبي، والكثير منهم يحملون جنسيات مختلفة، وبعد التزايد المستمر في أعداد اليهود في أبو ظبي التي توفر لهم مناخًا مناسبًا. وبحسب التقرير “لعبت “إسرائيل” دورًا محوريًا في صعود الإمارات كقوة إقليمية على الصعيد التكنولوجي والسيبراني”، ما يشير إلى أن التعاون في مجال التجسس السيبراني وتحليل البيانات يبقى الأبرز في العلاقة بين الطرفين إضافةً للعلاقات التجارية.
في خلاصة بسيطة بالإمكان القول إن التطبيع ما بين الامارات والكيان الصهيوني قد مر بعدة مراحل ومن ابرزها:
*اعتماد الامارات بشكل كبير على الكيان الصهيوني للتوسط لها عند الادارة الاميركية. وعبّر عن هذه المرحلة الوزير البحريني الأسبق، “علي فخرو”، لراديو “راية” الفلسطيني: أن وزيرًا في دولة خليجية –الإمارات- أخبرني قبل سنوات، أنه إذا أراد شيئًا من أميركا، فإنه يتصل بتل أبيب ليحصل عليه.
*تطور تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية من خلال فتح ابواب الامارات امام الاستثمارات الصهيونية تحت عنوان شركات متعددة الجنسيات. كما انشأت الامارات صندوق استثمار في الكيان الصهيوني لدعم قطاعاته الاستراتيجية بتكلفة تصل لحدود العشرة مليارات دولار.
*تعزيز التعاون الامني المباشر بما يشمل تبادل المعلومات والمد بأجهزة تكنولوجية متطورة وعتاد واسلحة. وقد ظهر ذلك بشكل فاضح خلال معرض اكسبو دبي 2021 حيث تولت شركات صهيونية حماية المعرض وخاصة عبر المسيرات.
*التحول من العلاقة السرية الى العلاقة العلنية بشكل تدريجي؛ حيث عبر عن هذه المرحلة ما كتبه السفير الاماراتي بواشنطن “يوسف العتيبة” في صحيفة “يديعوت أحرونوت” في يونيو 2020. وهذه المرحلة مرتبطة ببند في “صفقة القرن، يحث على التحول من التطبيع السري إلى العلني. والمثير في وقاحة “العتيبة” نصيحته للكيان الصهيوني بأن “ضم أراضي الضفة الغربية دون مفاوضات سيُفشِل التطور في هذا التطبيع”.
*منح جنسية لحوالي 5 الاف يهودي خلال عام 2021 وذلك بحسب موقع اماراتي، وذلك بعد تعديل قانون الجنسية في الامارات. وعلى أثر ذلك حذر مستشار ولي العهد الإماراتي، عبد الخالق عبد الله، في 30 حزيران / يونيو 2021 من أن “المشهد السكاني الذي يتأسس لـ50 سنة قادمة سيكون مختلًّا وغريبًا”، دون أن يذكر تجنيس إسرائيليين. وأكد عبد الله أن “مئات ممن حصلوا على جنسية الإمارات مؤخرًا، لا يتحدثون العربية، وأبناؤهم لا يبذلون الجهد لتعلمها، ولا علاقة لهم بالإسلام ولا يعرفون عادات وتقاليد وقيم الإمارات، وأُعطوا حق الاحتفاظ بجنسيتهم الأصلية ولا نعرف مدى ولائهم للدولة”. وفي مقابل تحذير عبد الخالق دعت صحيفة “هآرتس” العبرية الصهاينة إلى استغلال الفرصة التي أعلنتها دولة الإمارات العربية المتحدة. وذكر المحلل الصهيوني في هآرتس تسفي بارئيل: “بالنسبة للإسرائيليين، يمكن أن تكون هذه فرصتهم ليس فقط للعمل في الامارات، بل للحصول على هذه الجنسية المتميزة التي ستمكنهم من زيارة دول محظور عليهم زيارتها”.
كل هذه الخطوات جعلت محمد بن زايد يشعر بأن حلمه قريب من التحقق وأن تحول الامارات الى ملهى ليلي على مستوى الشرق الاوسط أصبح قاب قوسين. ولكن ما فاته وجود منافس رئيسي له وهو محمد بن سلمان الذي يسير على خطاه محاولًا ابقاء السعودية الدولة في المقدمة، والتي تقود الخليج العربي تحت رايتها. ورغم محاولة ابن زايد بيع القضية الفلسطينية والبقاء على الحياد عبر محاولاته ارضاء المحور الداعم لفلسطين بلقاءات وتطمينات، فهو يدرك أن في أي معركة مقبلة لن يكون هناك أمان لأي صهيوني على ارض عربية، فهل سيلعب دور المدافع عن الصهاينة بشكل مباشر ليترك خيار “التخلي“ ويخسر حلمه نهائيًّا؟
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.