تقول الحكاية إن صباح ١٢ تمّوز ٢٠٠٦ لم يكن صباحًا عاديًا، وإن في ذلك اليوم صارت “خلّة وردة” أرضًا تنطق بالعزّ الذي كلّما مرّ عليه الوقت توهّج وازداد بريقًا.
يحكي الزمان عن رجال تعاهدوا في الليل على المضيّ إلى صدرِ العدوّ طعنةً في وضحِ الصّباح، وعلى افتتاح مراحل تنفيذ الوعد الصادق بالمواجهة المباشرة مع الجيش الذي قيل فيه إنّه “لا يُقهر”، وإنّه مخرزٌ والبلاد عين. ويحكي هواء عاملة عن تكثّفه في العتم لثامًا حول مواقع تواجدهم بانتظار ساعة التنفيذ، وتحكي الشّمس هناك عن بهاء لهفتهم صوب الاشتباك مع القوّة العسكرية الصهيونية بعد تفجير العبوّة، وكذلك تحكي النسمات عن صدى ضحكاتهم وهم عائدون غانمين، يستعجلون زفّ البشرى إلى القيادة.
في ذلك اليوم البهيّ، وقف العالم كلّه محدقًّا صوب الجنوب، هناك، حيث الأسلاك الشائكة التي تزنّر الأرض المحتلة، وحيث تتربّص بالمقاومين الآلةُ العسكرية الأكثر توحّشًا، وحيث يريد ما يسمى بالمجتمع الدوليّ وكثير من الأعراب أن تكون “اسرائيلهم” في أمان واستقرار. وبالمقابل، شاهد هذا العالم مجتمعًا كيف تكون الروح المقاتلة وربّما أيقن ولو لم يقرّ أن لا أمان ولا استقرار لسرطانه في جسد أرضنا.
دخل الشباب بعيد التفجير، اشتبكوا مع القوّة المعادية، قتلوا منها ثلاثًا وعادوا وبحوزتهم أسيران وعزّ يغمرون به كلّ القلوب المؤمنة بالحق.
استنكر يومها مَن اعتادوا الهزيمة ومن طاب لهم طعمها فأدمنوه ومن تخلّوا عن شرف القتال والمقاومة ففضحهم عزم رجال الله الذي كان قد حقق تحرير الجنوب عام ٢٠٠٠. كذلك استنكر الذين كانوا في السرّ أو في العلن ينتمون للمعسكر الأميركي الصهيوني، وما استطاعوا بعد “نبأ” الوعد الصادق أن يخفوا شحوب وجوههم وهم يرون مشغّلهم يتلقّى طعنة مقاومة، طعنة سيلحقها نصر أعاد رسم مسار التاريخ تحت عنوان “زمن الهزائم قد ولّى”.
حكاية تمّوز، غيّرت كلّ المسارات التي رسمها الاستعمار فوق خريطة أرضنا، وبدّلت كلّ الخطط التي اجتهد في وضعها خائبون جهلوا حقيقة المقاومة وطبيعة أهلها وجذرية خياراتها. لذلك، خاب كلّ ما كان في ذهن الغرب وربيبته “اسرائيل” حول المنطقة، وسقطت أكذوبة التفوّق العسكري وقدرته على فرض وجود “اسرائيل” وأمانها، وأُجبر على إعادة صياغة مخططاته مستبعدًا ولو مرحليًا فكرة المواجهة المباشرة مع المقاومة في لبنان.
في ١٢ تموز ٢٠٠٦ احتار المستنكرون في صياغة بيانات شجب تفي بحجم هزيمة الصهاينة، والتي تشاركوها معهم وعانوا من تبعاتها مثلهم؛ فزوال حلم الصهاينة بالأمان وشعورهم بالقدرة على الاستقرار تحقّق منذ اللحظة التي التفت فيها المستوطنون ناحية صوت الطلقات الآتية من صوب عيتا الشعب، ومنذ شهدوا عجز جيشهم بكل ترسانته عن استرداد أسيريه، بل عحزه حتى عن كشف مصيرهما قبل تحقّق التبادل وفقًا لشروط المقاومة.
وفي ١٢ تموز، صار لنا حكاية بحكايات كثيرة، نرويها لأطفالنا، للجيل الذي وُلد بعد ٢٠٠٦ وعاش في كنف أرضٍ تحرّرت بدم وعرق رجال الله، وفي كنف عزّ تحقّق قبل أن يولد وأمّن له أرضية لائقة كي يكبر عزيزًا ويحفظ أمانة النّصر ويدرك أهميّته بل ويبني عليه عالمًا جديدًا، عالمًا يخلو من “اسرائيل” وكلّ ملحقاتها.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.