د. أحمد الشامي – خاص الناشر |
أي سرّ يقف خلف عدد الأربعين؟ وما هي امتيازاته على الأعداد الأخرى، إذ إنّه الحاضر في التكوين الأوّل للإنسان، بين انتقاله من مرحلة إلى أخرى، مذ كان نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظامًا إلى حين اكتست باللحم. وهو بعد الولادة يحدد مرحلة النضوج، حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال ربي أوزعني أن أشكر نعمتك.
إنّ قدسيّة حضوره شديدة في ديانات السماء، حيث يرمز إلى تطهر الإنسان ونقائه الروحي والجسدي والنفسي، وتكثر الشواهد على ذلك في اليهودية والمسيحية والإسلام، والمجال لا يتّسع إلّا لذكر بعضها؛ فالأربعون مدة طوفان النبي نوح(ع)، وسنّ تكليف النبي موسى(ع) بنشر الوصايا، ومدّة صيام المسيحية، وبعثة النبي محمد(ص) بالرسالة الخاتمة.
ليس فعل سذاجة استحضار أحجية الرقم بمدلولاتها، أمام أربعينية حزب امتاز بجرأته على أنّه حزب لله، فتجاوز الأحزاب الوضعيّة بماهيّتها وغاياتها، ليتموضع في مشروع الرسل والقديسين بوصفهم أئمة البشر، للارتقاء بهم من حال التوحش وفق رؤية ملائكية إلى الإنسان الخليفة بتقدير الله. وهنا يصير لزامًا السؤال عن جدارة هذا الحزب الأربعيني باسمه.
بدوًا، لا تدّعي هذه المقالة المتواضعة القدرة على تقديم إجابة وافية عن سؤال بهذا المستوى من التعقيد، بل هي محاولة جادة لأخذ النقاش المحتدم والمستعر حول حزب الله نحو المزيد من الموضوعية والعقلانية، بالاستناد إلى ما يحدثه حضوره المتصاعد من تغيّرات نوعية وإشكاليات متعددة بأبعاد محليّة وإقليميّة وعالميّة.
في التفاتة إلى الخلف يدرك المنصف كم أسهم هذا الأربعيني في إحداث فوضى خلاّقة، عبثت باستراتيجيات لأيديولوجيات كادت تحتفل بتنصيب رؤيتها المادية نهايةً للتاريخ، وإعلانها الإقامة الجبرية لله في دور العبادة، وتحرير العباد من قيمهم الإنسانيّة، فإذا بالدين ينهض من جديد، ليعاود حركة إنتاج الإنسان. وهل استنهاض تلك الأيديولوجيات المادية لأفكار وحركات دينية متوحشة ورعايتها، إلّا محاولة لمعاودة تشويه صورة الله في مملكته؟
أمّا المقاومة التي هي في طبع الكائنات الحيّة، ومغزى استمراريتها، فقد سعى الغرب بأيديولوجيته الليبرالية للقضاء عليها بوصفها قيمة إنسانية تعيق الهيمنة والاستغلال، حيث أطلق في لبنان العنان لعميله المشبع بنفايات قيمه ليرمي العزّل بحقده في أزقة صبرا وشاتيلا، ويتسيّد على البلاد مستقويًا بآلات القتل المتعددة الجنسيات. وقد استطاع هذا الحزب المولود من رحم تلك المعاناة، أن يعيد لهذه القيمة الإنسانية حضورها المتألق في لبنان والمجتمعات المقهورة.
حتى في الاجتماع الإنساني وعلومه، قدّم الحزب أطروحته في حتمية التماهي بين المقاومة ومجتمعها، معلنًا أنه مع أي تباين بينهما ليس من المعلوم أن يبقى المجتمع مجتمعًا وأن تبقى المقاومة قيمة إنسانية. ومن يرصد الحجم الهائل من الضغوطات لإحداث الشرخ بين المقاومة وأهلها يدرك جيدًا أن ما بينهما لو كان التحامًا لانفك حتمًا، ولكنهما أظهرا وحدة الحال.
يبدو جليًا، أنه مع بلوغ الحزب عامه الأربعين، وما نشهده من تصرفات هستيرية من أكبر دولة في العالم إلى أصغر عميل في الزواريب اللبنانية اتجاه المقاومة وأهلها، إنّما يدل ذلك على إدراكهم أنّ هذا الأربعيني قد لامس بلوغ مرحلة الشدّة والاستعصاء، وهذا نذير شؤم لهم، فشواهد التاريخ تكشف وفق سننه أنّ الذين بلغوا النضج وفق الرؤية الإلهية هم كما الأنبياء والرسل لائقون بصناعة الإنسان، والعبرة في الخواتيم، هل سيثبتون ويحققون حلم الأنبياء؟
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.