د. أحمد الشامي – خاص الناشر |
منذ الصغر وعلاقتنا بالتاريخ ليست على ما يرام، كمن يقرأ تاريخ غير بلاده، حيث كنّا نتعامل مع سردياته بوصفها فرضًا إلزاميًّا، وأكثر ما أزعجنا فيه، تواريخ حفظناها كرهًا، وسرعان ما غادرت ذاكرتنا مذ أودعناها أوراق الامتحان.
وفيما تعددت التفسيرات لسلوكنا الغريب، يلاحظ تقاطعها عند حقيقة ثابتة، أنّ من صاغ هذا التاريخ قد تعمّد نفينا منه، وكأننا وجود لبقايا عابري سبيل، وفي أحسن الأحوال، لم يجعلنا من صنّاع هذا التاريخ لنفي أصالة وجودنا ولتقديمنا من دون فاعليّة.
حتى هؤلاء الذين ألقوا القبض على هويّتنا بمصادرة تاريخنا، لم يمكنهم التحرر من مشهديات مؤلمة ومهينة عايشوها على يد من استحكموا بهم، فحولوا حياتهم قهرًا، ذلًا، حين أفقدوهم فرصة رسم حدود كيانهم.
وأكثر المشهديات إيلامًا، التي يستحيل أن تغادر ذاكرتنا والوعي، الموقف المهين للضابط والجندي اللبناني وهما يقفان أمام المحتل الإسرائيلي بعجز، ليس لضعف ذاتي، وإنّما التزامًا بإرادة حكّام أوكلت إليهم مهمة بثّ روح الهزيمة وفق وصفة مهينة: قوّة لبنان في ضعفه.
تلك من حكايات زمن أبطالها جعلوه رديئًا، نستذكرها في 25 أيّار، موسم حصاد نهضتنا وانتفاضتنا على هذا الواقع الأليم، والتي رويناها دمًا، عرقًا، ودموعًا، وبفضلها تحرّرنا من قيود الاحتلال والعجز، فأعدنا كتابة تاريخ بلادنا بأحرف من عزّة وكرامة.
لقد صار تاريخنا أجمل، ففي سردياته باتت حكايات عن بطولات، وإرادات حرّة، وقيادات مسؤولة وشريفة، وحدود تفاخر بشرفها أمام عدو لطالما استباحها، وأناس هجروا بيوت التهجير وعادوا إلى قراهم ليصلوا رحمهم مع أرض باركها الله.
لقد صار في تاريخنا تواريخ محفورة في القلب تريح الذاكرة من تعب المذاكرة، وصارت تنتقل عبر الأجيال، حبًا لا كره فيه، وفيما كان تاريخ لبنان مدرسة للإحباط، صار نموذجًا لكل من حولنا لصناعة الحياة بكرامة حتى تكون أجمل.
كل نصر وأنتم بخير.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.