معالجة استغلال سلاح المقاومة في الحملات الانتخابية التحريضية

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

ضحى حمادة _ خاص الناشر |

“نحن نواجه في هذه الانتخابات حرب تموز سياسية”. بكلّ وضوح وشفافيّة وصّف الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله بهذه الكلمات طبيعة المعركة الإنتخابية التي أرادها خصوم المقاومة. معركة الإلغاء الذي يريدها بعض السياسيين كرمة للدول الجائرة وعلى رأسهم أميركا والكيان المؤقت.

“ففي حرب تموز 2006 التي كانت أدواتها عسكرية وسلاح جو وقصفًا وصواريخ ونارًا وقتلًا وتدميرًا، كان هدفها إلغاء المقاومة، والتخلص منها، واليوم هم يقولون إنهم يريدون أن يتخلصوا من المقاومة ونزع سلاحها، وهي الأهداف ذاتها في حرب تموز العسكرية. الآن ما يطرحه هؤلاء حرب تموز سياسية، لأن الهدف الذي ينادون به، يقولون للناس صوتوا لنا حتى نذهب إلى المجلس النيابي ونشكل حكومة لننزع سلاح حزب الله، لننزع سلاح المقاومة، أليس كذلك؟ هذه أدبياتهم، إذاً هذه حرب تموز سياسية بأدوات سياسية وليس بأدوات عسكرية، بالخطاب وبالتحريض وبالتلفزيون وبالكذب وبالافتراءات وبالاتهامات وبالدجل وبالوعود الكاذبة ووو إلى آخره…”[1]

انطلاقًا من توصيف الأمين العام لطبيعة المعركة الانتخابية، نضع بين أيديكم تحليلًا إعلاميًّا يعمل على تفكيك الحملة التحرضية في سياقاتها الدلالية وملابساتها السياسية، للوصول إلى الهدف الأساسي منها وهي نزع سلاح المقاومة. والجدير بالذكر أن هذه الحملة بدأت بعد انفجار آب 2020 ووصلت الى ذروتها قبل أسابيع من الانتخابات النيابية اللبنانية. الأمر الذي سنبيّنه في هذا التحليل، بالإضافة الى الإستراتيجيات المعتمدة ومدى تأثير هذه الحملة على النتائج الانتخابية على المدى القصير وعلى مصير سلاح المقاومة في لبنان على المدى الطويل لأن هذه الحملة لا يُراد منها تأثير آني على الانتخابات فقط إنما تغير جذري في عقلية الجماهير.

الإستراتيجيات الإقناعية

يستخدم أعداء المقاومة اللبنانية استراتيجية الإقناع المكروه المتمثل بعمليات الحرب النفسية وغسيل الدماغ من خلال إنشاء المعاني وتشكيل الصور الذهنية وصناعة واقع جديد[2] من خلال الشعارات الانتخابية المستخدمة في الحملات الانتخابية ومن خلال اللقاءات والجلسات التي يعقدها الخصوم مباشرة مع الجماهير أو من خلال شاشات التلفاز والرسائل الإعلامية التي ينشرها الذباب الإلكتروني والتي تعتمد على ثلاثة سياقات أساسية : المجال النفسي والسياق المعرفي والتحليل المضلل:

أولًا، في المجال النفسي:

ليضمن أعداء المقاومة اللبنانية استحكام الجمهور اللبناني والتأثير في رأيه يستخدمون أسلوب الإثارة بالعاطفة، لأنهم اذا أرادوا استخدام منطق أرسطو بالإقناع “لكي يكون الإقناع مؤثرًا يجب توافر ثلاثة عناصر: الثقة، المنطق، العاطفة”، فإن العنصرين الثقة والمنطق غير متوفرين في أفكارهم التحريضية ضدّ حزب الله وسلاحه. فلا الجمهور اللبناني يثق بهم فهم مشمولون تحت شعار “كلن يعني كلن”، ولا يتوفر عندهم المنطق. فكيف لسلاح قاوم العدو الإسرائيلي أكثر من 40 سنة و أمّن الأمان والطمأنينة لسكان جنوب لبنان والبقاع أن يقلقل أمن وطمأنينة الشعب اللبناني بكل طوائفه، فلجأوا الى العاطفة ليستثمروا بها الحلّ الوحيد لتشويه وشيطنة حزب الله والتحريض ضدّه باستخدام سياسة الإغراق بالأكاذيب والافتراءات ولصقها بحزب الله. هذا التحريض يعمل على تشويه سبب ضرورة وجود سلاح المقاومة في لبنان القائم على الدفاع عن المواطنين اللبنانيين من الاحتلال الإسرائيلي والذي لولاه لكان لبنان فلسطين ثانية، ويعمل على شيطنته وترهيبه وإثارة المشاعر الكراهية تجاهه.

الشيطنة والتحريض

في محاولة اغتيال حزب الله إعلاميًا، يحاول أعداء المقاومة شيطنة حزب الله وإلصاق تهم به هو بريء منها وبعضها عمل حزب الله بالأصل على محاربتها مثل الفساد والإتجار بالمخدرات والسيطرة على الدولة وزعزعة الاستقرار وغيرها من التهم التي سنفنّدها من خلال هذا التحليل، وذلك لتشويه صورة حزب الله ودور سلاحه الحقيقي. إذًا، المطلوب “شيطنة” هذا الحزب وتحميله مسؤولية كل ما نحن فيه من بلاءات. المطلوب إلباسه “لبوس” الفساد وفشل سياسات أكثر من ثلاثة عقود مضت، لتحقيق هدفهم نزع سلاح المقاومة اللبنانية. حجم ابتداع واختلاق صور سلبية عن حزب الله وتكرارها لكيّ الوعي وغرسها في عقول الرأي العام هو التكتيتك الأنسب لجماعة أعداء المقاومة.

الأفكار التحريضية المستخدمة:

  1. زعزعة الاستقرار
  2. مصادرة القرار الوطني
  3. الدويلة
  4. التورط بانفجار المرفأ
  5. تجارة المخدرات
  6. حزب الله يتحسس من الجيش اللبناني
  7. الإرهاب
  8. افتعال أعمال فوضى وقلاقل

الشعارات الانتخابية المستخدمة خدمة لهذه الأفكار:

  1. نحن فينا نستعيد السيادة
  2. 2.       نحن فينا نطبق اللامركزية
  3. 3.       صمتنا بذلّ بيروت مرّة تانية
  4. نحنا فينا نحمي الهوية
  5. نحنا فينا نبني للشباب
  6. عدالة أو سلم أهلي
  7. بدنا نتصالح وما ننهان
  8. نحن فينا نحقق العدالة
  9. نحنا فينا نوقف السرقة
  10. نحن فينا نحمي المودعين
  11. نحنا فينا نضوي البلد
  12. حياد أو قوة
  13. صمتنا بعتّم بيروت
  14. حرموك من العدالة صوّت ضدّهم
  15. نحنت فيمنا نحمي التحقيق

وغيرها من الشعارات..

هذه الشعارات غير الواقعية يجب أن تواجه بحقائق واقعية.

  •  زعزعة الاستقرار لن تأتي إلا من المحتل الذي لا يزال يحتل الأراضي اللبنانية من مزارع شبعا الى تلال كفرشوبا، ويخترق الأجواء اللبنانية من حين الى آخر وليس من سلاح المقاومة الذي يعمل ليلًا نهارًا لحماية اللبنانيين من الكيان الذي يرتكب الانتهاكات بشكل شبه يومي والذي يستبيح سيادة لبنان ويرتكب المجازر بحق شعبه. لولا المقاومة لما وجدت دولة لبنانية بالأصل.
  • لو أن حزب الله  يصادر القرار الوطني اللبناني، لكان قد وافق على التعاون مع الإيراني والصيني وبدأ العمل على المشاريع الاستثمارية، ولم يكن ليسمح بسرقة الغاز اللبناني من قبل الكيان المؤقت، ولم يكن وقف شاهدًا على سرقة أموال المودعين، إضافة الى ذلك، لم تكن السفارة الأمريكية لتحرّك أذرعها في لبنان في 17 تشرين، ولم يتكتّم عن نيترات الأمونيوم التي تسببت في قتل الأبرياء، ولم يكن ليضطر لكسر الحصار الذي فرضته أميركا على لبنان ليحضر المازوت والبنزين من ايران ليدفئ الشعب اللبناني قبل الشتاء ويخلّصه من القهر اليومي الذي يعيشه.
  • دويلة حزب الله، تلك السيمفونية الأساسية في الشعارات التي تستخدم لشن هجوم على حزب الله واتهامه بضرب كافة مقومات الدولة اللبنانية وعرقلة مسيرة الإصلاح. الرسالة التي يريد ايصالها أعداء المقاومة اللبنانية أنّ حزب الله يمنع تنفيذ الإصلاحات، بتجاهل فطن لحملة حزب الله على الفساد [3]والجهود التي بذلها في الحكومة والبرلمان للقيام بإصلاحات شاملة وواسعة. والجدير بالذكر أن مع إفلاس البرامج الانتخابيّة من الخطط الإنقاذية، فإن المقاومة الوحيدة التي طرحت خطة جديّة لنهوض اقتصادي متكاملة، تحاكي المشاكل الحقيقية للمجتمع وتستعد لمواجهة قانونية وبرلمانية وحكومية.
  • لو كان حزب الله متورطًا بانفجار المرفأ، لما كان أكد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في كلمة متلفزة أن “حزب الله يريد التحقيق حتى لو تخلّت العائلات عنه، لأننا نعتبر أننا من الذين أصيبوا معنوياً وسياسياً وإعلامياً بانفجار مرفأ بيروت”. وقال “بالاعتبار الإنساني، نحن نريد الحقيقة والمحاسبة، وبالعنوان السياسي والمعنوي الذي يتعلق بنا كحزب الله نريد الحقيقة والمحاسبة”.
  • في الحديث عن تجارة المخدرات، يكفي التمعّن في كتاب حزب الله “البريء الوحيد من المخدرات”[4] ، الذي يحبط كل الادعاءات حول تورط حزب الله بالمخدرات والذي يثبت تورط سمير جعجع والكتائب اللبنانية بتجارة المخدرات منذ أكثر من 30 سنة.
  • حزب الله يتحسس من الجيش اللبناني، هذه الفكرة لا تمتّ الى حزب الله بصلة، فلطالما كان الأمين العام حريصًا على قيام الجيش اللبناني بمهامه على أكمل وجه، وأكد ذلك في خطابه بعد تحرير عرسال حين قال “جبهة النصرة انتهت في الجرود، ونحن موجودون فيها، ومتى أعلنت قيادة الجيش استعدادها لتسلّم المنطقة فنحن جاهزون لتسليمها”، “بات واضحاً أن عملية تحرير بقية الجرود اللبنانية سيقوم بها الجيش اللبناني”، “إن الجيش قادر على القيام بهذه العملية بإمكانياته وعديده، وهو لديه ضباط ورتباء وجنود كفوؤون. إن “الجيش اللبناني سيقاتل في الأرض اللبنانية”، معلناً أن الحزب في الجهة اللبنانية “سيكون بخدمة وتصرف الجيش اللبناني، ونحن جاهزون لكل ما يطلبه الجيش ويحتاج إليه”.
  • الإرهاب، فكرة خلقها الأمريكي ولا تليق إلّا به وبأذرعه في لبنان مثل جعجع الذي سمح لنفسه بنشر القناصين على أسطح البنايات في عين الرمانة وإطلاق الرصاص على المتظاهرين السلميين، وقتل الشهيدة مريم فرحات من داخل منزلها، وقطع الطريق على سيارات الإسعاف لمنعها من نقل الجرحى، ولمجرمي الحرب الذين قتلوا آلاف الأبرياء وارتكبوا بحق اللبنانيين المسيحيين والسنة والشيعة مجازر لا تنساها الذاكرة.
  • افتعال أعمال فوضى وقلاقل، هذا الوسام يتشرّف به أعداء المقاومة اللبنانية الذين لا يفوتون فرصة الا ويقومون بافتعال الفتن الطائفية وأعمال فوضى، وكمثال بسيط على ذلك، أعمال التخريب والفوضى والتكسير التي مارسها حزب الكتائب في انتخابات نقابة الأسنان في كانون الثاني 2022. والجدير بالذكر أن حزب الله لطالما كان حريصًا على عدم افتعال الفوضى والفتن من خلال تحذير الأمين العام في أغلب خطاباته من الفتن والابتعاد عن الحرب الأهلية، بالإضافة الى طلبه من مناصيره التحلي بالصبر والبصيرة.

وتوضيحاً للحقيقة التي لا تحتاج الى توضيح انّ لبنان قبل الاستقلال وبعده عرف أزمات أشدّ قسوة وإيلاماً ودموية، ومجاعة أكثر مما نشهده هذه الأيام، ولم يكن حزب الله موجودًا بالأصل. وتبياناً لمن لا يعرف، وللذين يعرفون ويطنشون ويكذبون ويضحكون على ذقون البسطاء من اللبنانيين، انّ لبنان قبل الاستقلال وبعده هو “خزان” للحروب الأهلية والنزاعات الطائفية منذ العام 1860.

هذا التاريخ الأسود الى اليوم هل كان بفعل “احتلال إيراني”، ووجود سلاح حزب الله الذي أخرج “إسرائيل” من جنوب لبنان عام 2000 دون قيد ولا شرط، وهو الحزب عينه الذي أنجز ما عجزت عنه الجيوش العربية، وهزم “إسرائيل” في حربها على لبنان عام 2006، وهو عينه الذي حمى لبنان من الغزوة التكفيرية وقدم الشهداء الى جانب الجيش اللبناني، ولولا ذلك ما أقيمت صلاة في مسجد ولا كنيسة.[5]

كل هذه الأفكار التحريضية تستخدم في إطار تحريف الأولويات الحياتية التي يحتاجها الشعب اللبناني من كهرباء ومحروقات وأزمات دولار وتصويبها على سلاح المقاومة اللبنانية الذي يقوم بتنفيذ مشروع الأمن والأمان والاستقرار والعزة والكرامة للوطن الذي يريده أعداء المقاومة ممرًا ومستقرًّا للصهاينة ومشاريع واشنطن التنفيذية.

 ثانيًا، في السياق المعرفي:

يقوم أعداء المقاومة اللبنانية بعملية التشكيك والتهويل والتضخيم ليشعر الجمهور اللبناني بأنه يعيش في خطر ويتوقع مستقبلًا أسوأ، الأمر الذي يخدم هدفهم في بثّ شعور الخوف والهلع من المقاومة اللبنانية بدل الإحساس بالأمان والطمأنينة التي لطالما عمل ولا زال يعمل عليها حزب الله، وذلك في سبيل تفجير المشاعر السلبية الممزوجة بالخوف والحقد والكره ضدّه ومطالبتهم بنزع سلاحه لتحقيق الغايات الوجودية للمقاومة اللبنانية المتمثلة بالأمن والأمان واسترجاع الكرامة.

وبعد رصد مجموعة من المواقع العربية والغربية والخليجية، منها الحرة وسكاي نيوز و DW وفرانس 24 والعربية ومجموعة من التلفزيونات المحلية مثل mtv والجديد والlbc، يمكن ملاحظة مجموعة من الرسائل التي تستهدف سلاح حزب الله.

التشكيك

– التشكيك بملف محاربة الفساد.

– التشكيك بنزاهة المعركة الانتخابية.

– استشراف أعمال “زعرنة” يقوم بها مناصرو حزب الله لعرقلة عملية الانتخابات في المناطق الأخرى.

– استشراف حكومة ورئيس جمهورية خاضعين “تحت سيطرة حزب الله”.

التهويل والتضخيم

– التهويل بتعطيل أو تأجيل مواعيد الانتخابات النيابية.

– حزب الله يشتري الأصوات الانتخابية.

– تسليط الضوء على قضايا التهريب في البقاع اللبناني.

– حزب الله يتحدى المجتمع اللبناني بتقديمه نفس النواب السابقين.

توقع الأسوأ

– فوز حزب الله سيضع لبنان تحت وطأة الإحتلال الإيراني.

– نشر جو عام أن فوز حزب الله في الانتخابات سيشدد الحصار على لبنان وستزداد الأزمة المعيشية وأزمة الدولار والمحروقات.

– فوز حزب الله سيعيد مشاهد 7 أيار.

– فوز حزب الله يعني حرب أهلية.

كل هذه الأساليب، تساهم في تحويل معركة حزب الله الإنتخابية الى معركة وجودية.

ثالثًا، التحليل المضلل:

الى جانب الوسائل الإعلامية التي تمارس التعتيم والتضليل والإغراق من أجل إقناع الجمهور بضرورة نزع سلاح المقاومة، يبرز دور التضليل من خلال التحليل كأداة أساسية في الاستراتيجيات الإقناعية، حيث يدخل المحللون المضللون في استديوهات الأخبار والنشرات الإخبارية والبرامج السياسية والإجتماعية والثقافية في بعض الوسائل الإعلامية مثل mtv والجديد وlbc.

موجة تضليل كبيرة يمارسها المحللون في برامج مثل مع مرسيل غانم، وبرامج التوك شو التي تسلّي الجمهور، والتي ستقوم على استكمال حملتها التضليلية بعد الانتخابات استكمالًا لمسارها الطويل الذي لن ينتهي مع انتهاء الانتخابات النيابية. فالمحللون يستثمرون كل خطاب من خطابات الأمين العام ليحللوه بشكل تضليلي، على سبيل مثال “حزب الله يسيطر على الشعب اللبناني ويهدد أمنه بسبب قول الأمين العام مئة ألف مقاتل”، و “نصر الله يحوّل معركة الإنتخابات الى أمر جهادي”.. والأمثلة كثيرة.

والجدير بالذكر، أن المحللين المضللين يرددون مرارًا وتكرارًا مصطلح “الاحتلال الإيراني” في سبيل توصيف كل من هو مع المقاومة اللبنانية أنه تحت وطأة الإحتلال الإيراني.  وقد لا تستحقّ جملة من المقولات التي تطرح أن يُردّ عليها؛ لخفّتها وتهافتها، وذهابها بعيداً في الاستخفاف بالعقل. لكنّ الإمعان في هذا المصطلح الذي يتردد بكشل كبير على شاشات التلفاز والصحف والمواقع، قد يتطلّب نوعًا من الإلفات أو التنبيه إلى جملة من الأمور، حتّى لا يتحوّل هذا المصطلح، على خفّته، إلى حقيقة.

أولًا، هذه الجماعات التي تستخدم مصطلح “الاحتلال الإيراني” تنزع صفة “لبناني” عن فئة كبيرة من الشعب اللبنانيّ، فهي بذلك تمارس أسوأ أنواع الإلغاء بحقّ تلك الفئة، وتعمل على تكريس المنطق الإلغائيّ بأبشع صوره في الثقافة اللبنانيّة، لأن ما يعنيه توصيفها هو أنك اذا كنت تفتح الباب أمام “اسرائيل” فأنت لبناني، وإذا قاومت “اسرائيل” فأنت غير لبناني.

ثانيًا، إنّ مصطلح الاحتلال الإيراني لا يفضح فقط رؤية هذه الجماعات لمن هو اللبناني، بل أيضاً رؤيتها للبنان وحاضره ومستقبله، ولما تريده منه، إذ إنّ ما يستفاد من توصيفها ذاك هو أن لبنان الذي تريد، هو لبنان الذي لا يحتضن المقاومة، ولا تحميه المقاومة. لبنان الذي تستطيع فيه “إسرائيل” أن تعتدي عليه متى شاءت، وأن تحتلّه متى أرادت، وأن تفرض عليه خياراتها متى ارتأت، وأن تتدخّل فيه متى رغبت في ذلك، وأن تمارس عليه تغوّلها وهيمنتها وتنمّرها متى وجدت إلى ذلك سبيلاً.[6]

إنّ هذا التوصيف يعبّر عن مستوى خطير من العَور السياسي، بل عن عمى الرؤية في تحديد من هو العدوّ، ومن هو الصديق؛ من وقف – ويقف – إلى جانب لبنان في مواجهته للاحتلال الإسرائيلي، ومن وقف – ويقف – إلى جانب العدوّ الإسرائيلي وعدوانه على لبنان، وأمدّه بجميع أنواع الأسلحة الفتّاكة، وأدوات القتل والدمار.

وعليه، كيف يمكن تفسير أن يصبح “الإيراني” وصمة يُربط بينه وبين الاحتلال، مع أن هذا “الإيراني” هو الذي وقف إلى جانب الشعب اللبناني – وما زال – في تحرير أرضه وردع العدوان عليه، في حين تتعامى تلك الجماعات عن دولٍ أخرى تقف إلى جانب العدوان الإسرائيلي، وتقدّم له مختلف أنواع الدعم والسلاح الذي تمّ استخدامه في ارتكاب المجازر بحقّ اللبنانيين، وأسهم – ولا يزال يسهم – في تهديد أمنهم وحياتهم ووجودهم.[7]

الخاتمة

الحملات الإنتخابية المعادية تستبدل الحملات المطلوبة والمرغوبة من قبل الجمهور التي تتعلق بالأولويات المعيشية والسياسية بمعركة دونكيشوتية بقيادة دون كيشوت الأحمق الذي ظنّ نفسه في مهمّة مقدّسة وراح يحارب طواحين الهواء. هذه الحملات تسلّي الجمهور وتحرف نظره عن الأولويات التي سرقها منه قائد هذه الحملات وفي المحصلة ستبقى أحلامه وهميّة. فلبنان لن يعيش بلا مقاومته التي أعادت العزة والكرامة وله ولن يترك السلاح الذي يحميه من عملاء الداخل وأعداء الخارج.


[1] كلمة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في خطابه في مدينتي صور والنبطية 9 أيار 2022

[2] الدعاية الهشّة، مركز الاتحاد للأبحاث والتطوير، 25 حزيران 2022

[3]  الفساد والقضاء.. الملفات الكاملة

[4] The Lebanese Connection: Corruption, Civil War, and the International Drug Traffic (Stanford Studies in Middle Eastern and Islamic Societies and Cultures) 1st Edition

[5] حُمّى الحملات الانتخابية: تزوير وكذب وادّعاءات

[6] لبنان والمقاومة وأكذوبة الاحتلال الإيراني، جريدة الأخبار، محمد شقير، 13 ايار 2022

[7] المصدر نفسه

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد