عباس عثمان – خاص الناشر |
يكثر الحديث عن نظام عالمي جديد عند حدوث اي ازمة يسوق لها بشكل ضخم، ويتم تفعيل نظام توجيه الآراء من قبل الغرب بحسب حجم القضية. لكن وسط كل تلك الازمات، لم يتطرق أحد الى ذكر “النظام الثقافي العالمي” الذي هو بمثابة صنوِ لتلك الاحداث الكونية التي جرت وتجري وستجري على وجه هذا الكوكب. فهل لآراء الشعوب التي لا تعرف عن الثقافة شيئًا اهمية في تصميم الغلاف الثقافي العالمي؟
إذا أردنا الغوص في معالم الازمة الروسية الاوكرانية، نجد أن أحد اهم أطراف النزاع فيها هم النازيون الغربيون، ويعد وجودهم، كجهة تواجه أحد اقطاب العالم، صعودًا غير مسبوق-منذ الحرب العالمية الثانية- حدث في محيط الثقافات العالمية. لذلك يمكن القول إن الازمة الروسية الاوكرانية هي جزء من تغيرات استحدثت على وجه العالم الثقافي. فبعد هبوط القومية العربية بسبب السياسات الغربية، نشهد اليوم دعمًا للنازية الغربية من قبل الاصولية المسيحية العنصرية بشكل غير علني بالتزامن مع زيادة حدة العنصرية في بعض البلدان المتحالفة مع الولايات المتحدة الاميركية كالهند (مواجهة المسلمين بشكل اجرامي).
كل هذه التبدلات كانت نتيجة هندسة ثقافية اجتماعية اصبحت سلاحًا بيد الغرب الذي يعمل على ادخال مفاهيم تلاشت واياها فكرة التعلق بالوطن العربي، وحتى أنه لم يعد هناك مواطنون عرب ينتمون الى اوطانهم.
ومن اهم العوامل التي غيرت وجهة نواصي المجتمعات العربية هو “الفن الاستهلاكي” الذي صعد بقوة بفضل مقومات صنعت لأجله، وهي البرامج المتخصصة فقط بإنشاء “محتوى” فارغ يعكس هوية ثقافية متسارعة العدوى كبرنامج “التيك توك” الذي كان بمثابة فيروس اصيبت به المجتمعات العالمية بشكل عام والمجتمعات التي تعاني من تشتت سياسي واجتماعي وحروب عسكرية بشكل خاص. ولكن اهم تلك البلدان هي البلدان العربية المنهمكة بالصراعات الداخلية المستحدثة من قبل الغرب الذي يسيطر على تحركات هذه الثقافة الجديدة. والدليل على مدى قدرة الغرب على تسيير موجات الثقافة العالمية من خلال هذه البرامج هو قيام هذه التطبيقات بحملات دعم للمواقف الغربية والخطوات التي تتخذها الولايات المتحدة الاميركية حيال القضايا العالمية، فنرى أن برنامج “التيك توك” مثال واضح على تبيان هذه الفكرة، حيث قام التطبيق المذكور بتوقيف اعماله في روسيا ومنع نشر اي فيديو من قبل اي مستخدم هناك مهما كان موقفه من الازمة الروسية الاوكرانية، وهم ايضًا ليس لهم اي قرار في هذه الازمة. وما يزيد الامر سوءًا هو تأثر “المدمنين” من العرب باللحاق بموجة الخبر الشائع وبما تسوقه البرامج حتى ولو كان غارقًا في مستنقع من الازمات التي تمس بلده وحياته اليومية. وقد تشكلت قاعدة شعبية من المواطنين العرب بدأت بمناصرة اوكرانيا وتتخذ مواقف داعمة للعنصرية ضد روسيا بالرغم من أن التطبيقات التي تسيّر مواقفهم هي نفسها التي تقوم بتهميش قضاياهم التي تمسهم بشكل مباشر. وهنا يمكن الحديث عن الازدواجية بالمعايير التي تطبق بحق الرأي العربي، اذ إن سياسات تلك البرامج العالمية المتخصصة بالتواصل الاجتماعي تحذف الآراء التي يعبر بها العرب عن معاناتهم وخاصة تلك التي لا تتماشى واراء الغرب (مثال على ذلك القضية الفلسطينية والحرب اليمنية)، بينما وفي الوقت نفسه تنتشر الآراء التي تتباكى على معاناة المواطنين الاوكرانيين وتدعم النازية وتنشر رموزها بحرية مطلقة، علمًا أن شعار النازية يعد من ابرز الرموز العنصرية اضافة الى أن هناك جزءًا كبيرًا من هذه الاخبار التي تتمحور حول معاناة الشعب الاوكراني تبين انها اخبار كاذبة.
خلاصة لما تقدم، أصبح الغرب يمتلك سلاحًا طوِّر بمساعدة ادوات عدة كالنازية والاصولية المسيحية. وهذه الادوات تعاظمت ادوارها من خلال التشدد المتزايد وامتلاكها لوسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الاعلام ووكالات الانباء العالمية اضافة الى اهم العوامل وهي القدرة على تشتيت الرأي العربي وتسييره. والجدير ذكره أن الغرب يهتم بتقوية هذا السلاح لأي تكلفة وإن كانت تتطلب استقبال ودعم النازيين الجدد الهاربين من اوكرانيا علما أن الغرب نفسه قد عانى من جرائم كبيرة قام بها النازيون ضد شعوبهم.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.