مصعب حيدر – خاص الناشر |
الدكتور حيدر دقماق فارس من الفرسان المقاومين العاملين الذين يفخر بهم المجتمع اللبناني المقاوم، بعد أن تنوعت إسهاماته الصادقة في أكثر من ميدان. فهو الشاب الذي ناصر القضية الفلسطينية منذ نعومة أظافره وكان حاملًا للفكر المقاوم حيثما حل وارتحل. ولقد يسر الله لذلك الطالب العصامي في مقتبل العمر أن يتلقى دراسته الجامعية في الجزائر بلد المليون شهيد حيث تكاملت عنده صورة ثورية مناهضة لكل ما هو استكباري وظالم في أرجاء الأرض. وقبل ذلك كان الطالب حيدر دقماق قد طُرد من العاصمة الفرنسية في بداية ثمانينيات القرن الماضي تحت ذريعة مساندة الإرهاب الفلسطيني، ما دفعه للاتجاه الى متابعة دراسته في الجزائر.
وعندما انتصرت ثورة الإسلام في إيران بقيادة الإمام الخميني، كان حريًّا بحيدر دقماق الشاب اليافع أن يرفع راياتها وأن ينخرط في مفاعيلها المحلية من خلال مسيرة حزب الله. وكانت حيازته للشهادة الجامعية في مجال الطب مدخلًا كي يجند نفسه في الميدان المقاوم وحيث تدعو الحاجة؛ فكان الدكتور حيدر دقماق من أوائل الأطباء الذين كسروا الحصار عن ثغور المقاومة من خلال مرابطته لشهور متواصلة في تلك الثغور على الرغم من أنه كان حديث عهد بالزواج، وقد وضعت زوجته مولودها الأول وهو في انغماس جهادي مبارك في تلك المحاور المقابلة لمواقع الاحتلال الصهيوني في إقليم التفاح. وأكمل الدكتور حيدر مسيرته المساهمة في بناء وتأسيس أهم المؤسسات الطبية والصحية المقاومة باذلًا ومضحيًا في كل ما له علاقة بتدعيم المجتمع المقاوم وتشييد بنيانه المتين. ويذكر أن له أياديَ بيضاء في تأسيس مستشفى الرسول الأعظم في ضاحية بيروت ومستشفى الشيخ راغب حرب في الجنوب. كما انه كان معنيًّا بتأسيس جمعية الأطباء المسلمين التي أُسست برعاية السيد الشهيد عباس الموسوي، فضلًا عن مساهمات عديدة في بناء أطر مختلفة ذات طابع صحي وثقافي متنوع .
كان الدكتور حيدر دقماق خمينيًّا حتى في شكله المتماهي مع حشود المستضعفين الهاتفين للثورة ولإمامها ولمسيرتها ولمعاركها المتعددة والمتنوعة في مواجهة مشاريع السيطرة الاستكبارية المقيتة. وكان في حياته الخاصة والعامة وفيًّا لنصرة المستضعفين في بيته وقريته ومدينته ومستشفاه وفي كل الميادين الفسيحة التي تواجد فيها. وكان مثالًا للتواضع والحب والمودة، وكان على الدوام فلسطيني الهوى مقدسي الهم والاهتمام، وهذا ما قاده الى العناية بالشؤون الثقافية والسياسية لبيت المقدس وكان له دور بارز في تأسيس جمعية للقدس الشريف نظمت العديد من الندوات واللقاءات والمنتديات الهادفة الى إبقاء هذه القضية حية يقظة في المواطن العربية والإسلامية البعيدة جغرافيًّا عن فلسطين. وهذا ما تمحور حوله نشاطه المميز في السنوات الخمسة عشرة الأخيرة من حياته التي توجها بالمشاركة الفاعلة في إطلاق حملات تضامن عالمية مع فلسطين التي تمنى أن يزورها محررة في يوم من الأيام.
وقد استمر في انخراطه الدائب في خدمة بيئة المستضعفين حتى أصابه ما أصابه من انتكاسات صحية، وهو مصر على الانكباب على عمله الطبي رغم كل الصعوبات الحياتية التي تحطم معظمها على يد هذا الرجل المجاهد المقاوم الذي يمتلك بعدًا نموذجيًا رائدًا في تجارب المجتمعات الحاضنة للثورات والمقاومات على اختلاف أوطانها ومسمياتها.
رحم الله الدكتور حيدر دقماق وأدخله فسيح جنانه وحشره يوم القيامة مع محمد وآل محمد.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.