بدأت الحركة النسوية عام 1895 تقريبًا، أي في أول القرن العشرين، بهدف التركيز على حقوق المرأة المهمّشة والوصول إلى إلغاء التمييز الجنسي بين الرجال والنساء. وهنا القضية واضحة لا غبار عليها، فلا مانع في تطور حياة المرأة لأنها جزء ومكوّن أساسي في المجتمعات الحضارية. ولكن النقطة الفارقة في هذه البديهيات، وعلامات الاستفهام التي صدرت أخيرًا، خصوصًا داخل المجتمع اللبناني، حول تغيير المسار النسوي إلى الوجهة المعاكسة لما ارتكزت عليه، بحيث أصبحت النسوية إما حركة متطرّفة تعتمد أسلوب المغالاة في طرح الأفكار، كرفض المشاركة مع الرجل ورفض الارتباط به وفرض المساواة بطريقة عنيفة، وإما نافذة تستقبل عدة مفاهيم دخيلة مرفوضة أخلاقيًا كالإباحية، بذاءة اللسان، الإلحاد والشذوذ.
فكيف غُرسَت تلك المفاهيم في موسوعة النسوية المناهضة للحقوق والحريات الأساسية لتنغمس في وحل الانحطاط الأخلاقي؟ ربما هي طريقة وأسلوب لتبرير القيام بأي عمل هو في الأصل محل رفض المجتمع، أو طريقة هروب من المواجهة الحقيقية.
النسوية المتسلّقة
إن المقصود بالنسويات المتسلقات، هو استغلالهن للمفاهيم الحقيقية لتمييعها وتسخفيها، فمثلًا تستغل بعض النساء مفهوم النسوية للتدخّل في الحياة السياسية بشكل يلغي مشاركة الخصوم، أي أنه يوجد نسوية “بسمنة” وأخرى “بزيت”، فلا يمكن مثلًا تقبّل فتاة من حزب الله داخل الفريق النسوي لأنها غير قادرة على المشاركة بنفس الطريقة المطلوبة، فلا يمكنها أن تتعرى لتوصل فكرة الحرية، ولا يمكنها أن تشتم وتذم الآخرين لتوصل فكرة القوة في التعبير، فيتم نبذها ومهاجمتها. والدليل على ذلك يتجلى واضحًا في مواقف النسويات، كالصورة التي نشرتها الإعلامية ديما صادق (المعروفة بدعمها للنسوية في لبنان) والتي تجمع عددًا كبيرًا من النساء المنقبات يسرن في اتجاه محدد، عدا امرأة وحيدة سافرة اختارت السير في الاتجاه المعاكس، لتعبّر عنها بـ”رائعة”، معتبرة أن الحجاب عائق أمام التحضر والتطور.
هذه ليست المرة الأولى التي تستغل فيها النسويات المفاهيم والمصطلحات لضرب المجتمعات المحافِظة، ففي كل مرّة يحصل فيها صراع سياسي يلجأن إلى إهانة المرأة الملتزمة دينيًا. وكمثال جديد ظهرت الصحافية مريم مجدولين في فيديو تهين فيه الفتيات الملتزمات بالعباءة اللواتي يزرن معرض الكتاب في بيروت، وكأن الحرية محصورة بالولاء السياسي لا بالمفهوم ذاته.
هنا تتمركز النسوية بين التقبّل والنفور، ففكرة دعم حقوق المرأة ورفض الظلم والاستغلال ورفض الذكورية المجتمعية أمر جوهري لا يمكن التخلي عنه ولا التفريط به ولا حتى الاستهانة بقدرة النساء على التغيير والتطوير مهما كانت خلفيتهن الثقافية، ولكن النفور الحقيقي يأتي نتيجة الاستغلال للمفاهيم الراقية لتكون سببًا في التفكك المجتمعي الحاصل نتيجة الانحدار الأخلاقي.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.