كلّما تحدّث جعجعيٌّ أساء. هي قاعدة لا تحتاج لإثبات، والأمثلة عليها كثيرة. كثيرة بعدد ضحايا جعجع وحده، وبعدد محاولاته الفاشلة للظهور بمظهر ندّ أو خصم وازن.
الجعجعيّ الذي أساء اليوم يُدعى شارل جبّور، ويحمل صفة رئيس جهاز الإعلام في القوات. ولولا أنّ الزمان فرض على الأميركيين تشغيل الصغار واستخدام الجهّال لما وجد هذا السيّئ الذكر منبرًا يستضيفه أو صحافيًا يطرح عليه سؤالًا أو يناقشه في فكرة. حصل ما حصل، والضيف الذي أساء كما المضيف الذي منحه هواءً يستغله ويتحدّث، يرِدان معلفًا واحدًا ويخضعان لتعليمات مشغّل واحد، ويستهدفان، بالتكافل والتضامن، البيئة نفسها، وبعض “الزحطات” خطّة مرسومة في عوكر، لا يمكن أن تنفذّها إلّا يدٌ ملوّثة، وهل أكثر تلوّثًا من اليد القواتية؟
باختصار، تورّط اليوم المدعو جبّور بجريمتين مسجّلتين: الأولى في الحديث عن “اغتيالات” قيد الإنشاء، وهو تصريح يستدعي المساءلة، والثانية في ازدراء الأديان والمعتقدات.
بالنسبة للجريمة الأولى، فلا غرابة فيها إذ اقترن اسم القوات بالاغتيالات تاريخيًا، وبحيث لا يمكن أن يقرأ اسم هذه العصابة المنحلة ولا تستعيد الذاكرة سيلًا من صور المجازر وضحايا الحواجز “على الهويّة”. أما بالنسبة للجريمة الثانية، والتي لشدّة وضوحها لا تحتاج إلى تفسير، فتتلخص بأن المدعو جبّور اعتبر عقيدة حزب الله “تجليطة”، ثمّ حاول تفسير ذلك بكونه يقصد العقيدة السياسية. وهنا أضاف إلى الإساءة تصريحًا بالجهل بالعقائد وبالثقافات، فالجاهل وحده من يفصل العقيدة الدينية عن العقيدة السياسية في منظومة حزب الله العقائدية: “ديننا عين سياستنا”. وهنا لا يلام جبور على جهله إذا أخذنا بعين الاعتبار حاجة معلّميه إلى جاهلين ينطقون باسمهم وبالتالي جهله هو قوّة عمله، لكنّه، وبكل الحالات، يُحاكم على استخدامه هذا الجهل في أمر يمسّ بقدسية العقيدة التي يخاصمها، أو على ادعاء الجهل لتبرير إساءة وقعت ولا يمكن تبريرها.
العقيدة الممتدة في السنين التي أحصاها جبّور بالآلاف (وهذا جهل حسابيّ وتاريخيّ بالمناسبة) هي العقيدة الثورية التي أسّست لعدم الخضوع للظالمين على مرّ العصور، وأسّست للمقاومة في كلّ زمان على قاعدة “هيهات منا الذلّة”، وعلى قاعدة “كرامتنا من الله الشهادة”، وعلى قاعدة “كِد كيدك واسعَ سعيك وناصب جهدك فوالله لا تمحو ذكرنا”. تلك هي قواعد هذه العقيدة المقاتلة المنتصرة على مشغّلي جبّور ومعلّمه، وهي بالطبع ليست فقط عقيدة دينية بل هي عين السياسة، وهنا مكمن الحقد القواتيّ والذي يمثّله المدعو جبّور وينطق باسمه.
مشكلة القوات مع حزب الله ليست طبعًا في كيفية أداء محازبيه للصلاة مثلًا، وإنّما في كون هذه الصلاة لا تنفصل عن مقاومة الظلم، بل لا تتمّ من دونها. وبالتالي تصبح “التجليطة” هي ببساطة التبرير الواهي الذي ألحقه جبور بكلامه. فالمسيء القويّ عادة لا يحاول التنصّل من الإساءة بل يواجه ويصرّ على كلامه حفظًا لماء وجهه، أو يقرّ بها ويحاول تدعيمها بحججه وبمنطقه، إلّا أنّ هؤلاء، المعروفين بالجعجعة، أجبن حتى من أن يتبنوا كلمات صدرت عنهم ووُثّقت، تمامًا كما ارتكبوا فعل القتل المشهود في الطيونة ثم ادعوا بوقاحة وجبن بالغين أنّهم ضحايا!
قد يقول قائل إن مهمّة جعجع في هذه المرحلة هي الاستفزاز بكلّ الطرق الممكنة لجرّ الناس إلى مواجهة دموية ذات طابع طائفي أو مذهبيّ، وإنّه من الحكمة أن يتجاهل المتضرّرون من إساءاته كلّ ما يصدر عنه، ويمكن اعتبار التجاهل في هذا المجال واجبًا أخلاقيًّا، إلّا أنّ التجاهل والتعالي المطلوبين وبشدّة لا يعنيان السكوت على الإساءة وتمريرها فتصبح مع الوقت حالة شائعة ومقبولة. اليوم، ردّ الناس بأخلاق عالية يُشهد لها على الإساءة المعرابية، دون السقوط في الردّ عليها بمثلها، وهنا يمكن القول إنّ جبّور فشل في استجرار إساءة مضادة ذات طابع مذهبيّ أو طائفيّ يحتاجه معلّمه للانتخابات القادمة، وحوصر في زاوية جهله وغبائه، بل في زاوية حقده.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.