أين تختار السينما الأميركية بلاتوهاتها لتنفيذ أفلام ضد العرب والمسلمين؟ ومعنى كلمة بلاتوه هو البهو الواسع، وبالمفهوم السينمائي هو مكان التصوير الذي ستدور فيه الأحداث التي سيتم تصويرها، وتطلق أيضًا على أماكن تصوير المسلسلات والمسرح أيضًا. لكن أين تختار السينما الأميركية أفلامها المُنَفَّذَة ضد العرب والمسلمين لتأتي المشاهد مطابقة تمامًا للبلد العربي أو المسلم المُسْتَهدَف؟
هناك بلدان أحدهما عربي والآخر مسلم قدما “بلاتوهين” كاملين لكل ما تحتاجه السينما الأميركية لاستهدافنا سياسيًا ودينيًا وأخلاقيًا وتراثيًا وتاريخيًا. إنهما المغرب وتركيا، وبدأ ذلك عام ١٩٦٠ في المغرب عندما قدّم الملك حسن الثاني كل ما تحتاجه السينما الأميركية من صحاري وجبال وسهول ومدن وقرى، وقدم يومها تبريرًا لشعبه أن في ذلك خدمةً كبيرة للسياحة المغربية وأوعز لوزارتي الداخلية والإعلام بتقديم كل التسهيلات اللازمة للأميركي ليَشُنَّ أكبر حملة سينمائية على كل شيء في البلاد العربية، فشهدنا عام ١٩٦٠ فيلم “لص بغداد” الذي قدم المسلمين وحضارتهم في بغداد إبان فترة العباسيين على أنهم لصوص سرقوا حضارتهم من الفرس والروم والهنود وغيرهم. ثم كرّت سُبحة هذا النوع من الأفلام الأميركية، فشهدنا فيلم “The Paradise” “الجنة” الذي تم تصويره في المغرب، وهو يقدم الكرة الأرضية على أنها الجنة، لكن هناك مكان في الصحراء يعيش فيه رجل اسمه أحمد دوره تخريب “الجنة”، فنراه إنسانًا خارج التاريخ والجغرافية في كل شيء. ثم جاء فيلم “لورانس العرب” وفيلم “القافلة” لأنطوني كوين وفيلم “حريم” “Hareem” ضد الخليجيين. والعديد من الأفلام التي طالت الخليجيين كلها صُورت في المغرب. لكن أكثر ما لفت الانتباه وأصاب المغرب نفسه في صميم سمعته فيلم “المهمة المستحيلة” في نسخته الأولى عام ١٩٦٧ لروجر مور، حيث تم تصويره في مدينة الدار البيضاء المغربية، وهي من أجمل المدن المغربية، لكن المفاجأة أن التصوير كله تمّ في الأحياء الشعبية للمدينة حيث الفقر المدقع وعدم الترتيب وعدم النظافة والوجوه المُنَفِّرَة. وكانت معظم أحداث الفيلم عبارة عن “أكشن” ومطاردات في تلك الأحياء. فبمَ خدمت السياحة هذه الأفلام كلها في المغرب؟ وكيف؟ لقد كان الملك المغربي حسن الثاني وحكومته يعلمون جيدًا نوعية تلك الأفلام وأهدافها لكنه قدّم التبرير أمام شعبه.
البلاتوه الثاني في تركيا، ونُفِذَت فيه كل الافلام التي استهدفت إيران والعراق وسوريا لوجود التشابه الجغرافي والعمراني والإنساني لتلك الدول مع التركي، فجاءت أخطر الأفلام التي نفذها الأميركي ضد إيران والعراق وسوريا، منها فيلم “Not Without
myDAUTER ” الذي يعتبر من أخطر الأفلام التي نفذت ضد إيران وإسلامها وتقاليدها، ثم “Naked Gun ” الذي توجه مباشرة إلى شخص الإمام الخميني (قدس)، وكل الأفلام التي استهدفت العراق وسوريا نفذت على الأراضي التركية مثل فيلم ” Steal The Sky” الذي روى قصة الطيار العراقي الذي هرب بطائرة الميغ العراقية إلى الكيان الصهيوني قبل النكسة وهزيمة العرب بسنة واحدة، وكذلك فيلم “Mission Spy الذي يحكي قصة الجاسوس الصهيوني الذي زرعه الموساد في سوريا وكاد أن يصل إلى رئاسة الجمهورية في دمشق وكل الأفلام التي طالت عهد صدام حسين نُفِذَت في تركيا وعددها ثمانية أفلام.
يبقى أن نشير هنا إلى أن “بلاتوه” الأفلام الأميركية التي نُفذت ضد الثورة الفلسطينية وقادتها كان في الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام ١٩٦٧ وفي مخيماتها بالذات، وأحيانًا كان يتم بناء أحياء فلسطينية بكاملها في نابلس وجنين. أما الأفلام التي نفذت ضد المقاومة في لبنان وحزب الله، وبالذات الأفلام التي تطرقت إلى موضوع الرهائن، فقد تم تنفيذها أيضًا في الأراضي المحتلة وبالذات في مدينة حيفا.
وهنا لا ألوم الأميركي والصهيوني بِقدر اللوم والعتب على المغرب وتركيا اللتين خدمتا الصهيونية خدمات جليلة في تنفيذ هذه الأفلام على بلاتوهاتهم، والتي مهدت كلها لتدمير العراق وأفغانستان وسوريا واحتلال لبنان عام ١٩٨٢ ونجحت إلى حدٍ كبير في إجهاض الثورة الفلسطينية، والأهم أنهم نجحوا باحتلال العقل العربي قبل احتلال الأرض العربية وسيطروا على اللاوعي لدى كل مَن شاهد هذه الأفلام عربيًا كان أو أجنبيًا بل ساهمت هذه الأفلام أيضًا بالوصول إلى التطبيع المُذِل الذي نشهده اليوم. ولنتَذَكر دائمًا أن البلاتوه هو المكان العربي المسلم الذي انطلقت منه السينما الأميركية ضدنا بشكل كامل٠
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.