تختلف أدوات القوة وتُصنّف وفقًا لما تحقّقه من تأثير على مسلك الدول المُعادية، وتُقسم إلى قسمين: القوة الصلبة التي تتمثّل باستخدام الأدوات العسكرية المادية لإرغام العدو وإخضاعه وبالتالي تحقيق السيطرة العسكرية، حيث إن هذه القوة وحدها اليوم قيد التراجع مع ابتكار سلاح أكثر فتكًا وأقل كلفةً وأكثر تأثيرًا، هو سلاح القوة الناعمة كالدبلوماسية والدعم الاقتصادي والترويج للديمقراطية والتبادل الثقافي ونشر الأفكار.
ظهر في الفترة الأخيرة ما يسمى بالإرغام، وهي وسيلة تتّبعها الدول الكبرى، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية بحنكة سياسية عبر وسائل عدّة كالعقوبات والإجراءات السياسية والعمليات الإلكترونية والاستخباراتية، وكذلك الحملات الدعائية وأمور أُخرى. تندرج هذه الخطوات ضمن الحرب الناعمة التي يسعى العدو من خلالها إلى السيطرة على العقول المضادة بأسهل الطرق، فيلجأ إلى الإعلام المأجور والأفراد “مزعزعي” العقيدة إن صحّ التعبير، ويحاول ضربهم ضربة قاضية، ولكن على درجات ومراحل للوصول إلى الهدف المُخطّط له.
لقد جاءت هذه الفكرة نتيجة فشل الدول الكبرى في تحقيق انتصارات كاملة في الحروب الأخيرة في المنطقة، حيث تتصارع أطراف عدة على عدة جبهات. لذلك، لجأت معظم هذه الدول إلى ما تراه الأفضل في تحقيق النتائج والأهداف ولو كان الأمر يتطلب فترات أطول، فعمدت إلى اجتياحٍ آخر عبر وسائل الإعلام، ودفعت مقابل الكلمة والموقف ملايين الدولارات من أجل تجييش شعوب مختلفة ضد بعضهم البعض بل حتى تحريض أفراد شعب الدولة الواحدة بعضهم على بعض.
وقد ظهرت محاولات عدة من هذا النوع ضمن بيئة المقاومة اللبنانية، في الضاحية الجنوبية لبيروت. ففي حين فشل العدو في تحقيق النصر ضد محور المقاومة على اختلاف أطرافه في مختلف الجبهات في سوريا ولبنان وغيرهما، لجأ إلى دفع الأموال الطائلة في سبيل غسل دماغ أفراد هذه البيئة بمختلف الطرق.
لكن ما يجب الوقوف عنده قليلًا هو تعمّد قسم من هذه البيئة تجاهل هذه المخططات غير آبهين بآثارها ونتائجها السلبية على المدى القريب والبعيد. وهنا، لسنا في معرض التهجّم على أحدٍ أو الانتقاص من عقل أحد، ولكننا في صدد توضيح بعض النقاط لتوجيه القارب نحو مجراه الصحيح.
تعمد أطراف عدة، معروفة التوجّه والتمويل، إلى عملية تنميط لهذه البيئة؛ فتارةً يختلقون الأكاذيب ويعمدون إلى تكرارها عبر وسائل إعلام مأجورة للنيل من هذه الجهة، وتارةً أُخرى يلجؤون الى استهداف فئة الشباب من خلال أشخاص لديهم القدرة على عرض الأفكار الملغومة ومدفوعة الثمن عبر شاشاتٍ تلفزيونية معروفة التمويل والتوجّه للوصول إلى داخل البيوت سريعًا وبأكثر الطرق سلاسةً.
لقد ظهرت منذ فترة ليست ببعيدة، مجموعة من الأفراد الذين يسعون إلى إلباس بيئة المقاومة ثوبًا لا تنتمي إليه، عبر أشخاص من داخل البيئة يحملون هوية الطائفة الشيعية ويتكلّمون باسمها، وحاولوا إظهارها للآخرين بشخصيات لا تمتّ لها بصلة. ظهرت المحاولة الأولى، في المدى القريب، عبر شخصية الممثل الفكاهي اللبناني عباس جعفر في أحد البرامج التلفزيونية، فخلع سرواله في الإطلالة الأولى وتحوّل فيما بعد إلى شخصية لا تفقه شيئًا غير تدخين “الحشيش” والفرار من مطاردة الدولة اللبنانية لتلبّسها قضايا عدّة. فلم يظهر “عباس” ولو لمرّة واحدة إلّا وسيجارة الحشيش حليفته الدائمة بوضعيات وتصرفات تُظهر عدم ثبات صاحبها.
أما الشخصية الثانية فكانت حسين قاووق الذي ظهر منذ مدة على وسائل التواصل الاجتماعي عبر فيديوهات فكاهية، متحدّثًا باسم “علي”، وكانت أكثر العبارات على لسانه انتشارًا “يا كوثراااني، جيب المولوتوف”، حيث يتذمّر من الوضع المعيشي المزري في لبنان وخاصة بالانتظار عند محطات البنزين غير المتوافر أصلًا، ويصرخ نحو صديقه المسمّى “كوثراني”، وهو اسم إحدى العائلات اللبنانية الشيعية، طالبًا منه إحضار المولوتوف لإشعال المحطة والتحول إلى بطل قومي، ولكن بطريقة فكاهية. وفي سكيتش آخر، يظهر “علي” اللبناني الشيعي القاطن في الضاحية الجنوبية للبنان متقدّمًا نحو إحدى الجهات التي تبحث عن الهنود الحمر خوفًا على انقراضهم، فيذكر قاووق أنه هندي أحمر متحضّر من البرية ويقطن في الضاحية الجنوبية، مُقسمًا في سياق الحديث بالإمام علي (ع) و”حق” الحسين(ع). أما المشهد الأكثر استفزازًا فهو حين يُنمّط أكثر أفراد البيئة تضحيةً، أولئك المضحين بدمائهم في سبيل الوطن والناس، كأفراد ماديين لا يعنيهم سوى حفنة من الدولارات، مستغلّين من خلالها أوجاع الناس وارتفاع سعر صرف الدولار، فيعبّر قاووق عن ذلك في حديث له في أحد السكتشات عن قدرته على التخلّص من هؤلاء ليس بضربة عادية، بل بإخبارهم عن انخفاض سعر صرف الدولار.
“شو اسمك؟ حمودي أو علوشي “الشيعي” كالعادة؟ من وين؟ من الضاحية، شو بتشتغل؟ بخبط موتسيكلات، مخدرات، خوّات اكسبرس… وحياة الاماموو علي”. هكذا يعرّف قاووق عن نفسه وبيئته التي يتبنّى الانتماء إليها.
لا مشكلة في التعبير، فلسنا من الديكتاتوريين الرافضين لحرية إبداء الرأي، لكن، إياك وهويتي. إنها الهوية التي سالت من أجلها دماء آلاف الشهداء، هويّة أّسّست على يد موسى الصدر والموسويّ، زُيّنت بعماد وجهاد، وأكملت، وجهتها الحق، بنصر اللّه. إنها هوية تلك الأحياء الفقيرة، لكن الغنية بالعفة والكرامة بمقدارٍ يُسمن ويغني من جوع. إيّاك وهويتي، فإن كانت هويّتك يُعبَّر عنها بمولوتوف، فهويتي كرامة لا يفقهها فاقدها. وانظروا أخيرًا إلى الأهداف أين تكمن مصلحة العدو، فإن تقابلت مصالحك معه، فاعلم أنك في غير وجهة الحق، وأن تفكيرك بحاجةٍ إلى التعديل.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.