معزوفة “المشروع الايراني” وحملات التشويه المستمرة

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

لا يختلف اثنان، من الاعداء كانوا ام من الاصدقاء، على ان الثورة الإسلامية في ايران كانت الحدث الاعظم، الذي غير مجرى التاريخ واحدث اكبر زلزال سياسي قلب الخرائط الجيوسياسية ورسم طريقًا جديدًا في مسير التحرر والاستقلالية واخرج الى المواجهة العلنية الثعلب الأميركي المستكبر والمهيمن على العالم.

منذ اللحظات الاولى لانتصارها على نظام الشاه المحصن من قبل الشيطان الاكبر، لم تخفِ الثورة رؤيتها السياسية الخارجية وتبنيها لاستراتيجية سياسية يؤمن غطاءها القانوني دستورُ الدولة، وتدعم خط تحركها الايديولوجي عقيدة اسلامية راسخة؛ فالثورة تعني قيمًا ومبادئ انسانية عابرة للحدود والمعتقدات، عنوانها الابرز رفض الواقع الجائر والعمل لاجل تغييره، متجاوزةً بتحركها جغرافيا الدولة، ليكون مبدأ الجيوسياسة هو الاطار الذي تبني عليه حدود تطلعاتها.

لقد تبنت الثورة الاسلامية الايرانية، ومنذ اللحظة الاولى لانتصارها، مشروع تغيير يتجاوز حدود جغرافيا السياسة ليصل الى حيث يتطلب واقع المواجهة والحاجة، مدعمًا على المستوى العملي بثنائية الايديولوجيا العقائدية التي لا تعترف بالحدود، وبدستور سنته ليعكس المبادئ التي رفعتها، مشروع يجمع ما بين المصلحة الوطنية بما تعنيه من عناوين قومية وجغرافية، والمصلحة الاقليمية والدولية المرتكزة على مسلمات ومبادئ وقوانين، تراعي المصالح المشتركة بين الامم، ثورة تمتلك رؤية ايديولوجية تقوم على نظرية مشروع الدولة في خدمة الامة، والامة في خدمة الدولة الام.

لقد أدت المواجهة المبكرة، التي فرضت على الثورة وبالتالي الدولة الاسلامية، المولود الحديث للثورة الفتية، الى تفعيل وبمنسوب مرتفع جدًا، الدور الاقليمي، ان لم نقل الدولي، للاثنين معًا، ولبرنامج عملهما، في الداخل وفي الخارج، متجاوزة بذلك ما يعرف بالمجال الحيوي للدول.

لقد ارتكزت تلك المواجهة على ثابتتين، الاولى مرتبطة بالمصلحة القومية التي يكفلها القانون الدولي، والثانية مرتبطة بالواجب الايديولوجي والاخلاقي والثوري الذي يستمد شرعيته من القيم السماوية والدساتير المعمول بها.

-المشروع الايراني ودستور الدولة
لا يمر يوم لا يسمع او يقرأ كل متابع للسياسة معزوفة المشروع الايراني في المنطقة، ومواجهة مشروع ايران والتمدد الايراني، وغيرهما من العناوين والشعارات الرنانة التي يتم استخدامها على قاعدة كلمة حق يراد بها باطل بهدف تشويه الحقائق، الامر الذي يحتم علينا التنبه الى كل ما يشاع والتحقق من كل ما يقال قبل اتخاذ المواقف، وعدم الحكم على الامور من خلال ظاهرها.

ويجب علينا كمراقبين ومحللين ومهتمين بالشأن السياسي ان نتساءل، أولًا: هل هناك فعلًا مشروع ايراني في المنطقة وللمنطقة؟ وثانيًا: في حال وجود هكذا مشروع، هل يعني هذا بالضرورة امرًا مشينًا وعملًا مقيتًا، ام انه عنوان منطقي لطرح ضروري الوجود، وهو نتيجة متوقعة لثورة شعارها مقارعة الظلم ودعم التحرر والتحرير، وأن ترداد مقولة المشروع الفارسي او الايراني او الصفوي بالطريقة السلبية والمخادعة من قبل غرف الشيطان الاكبر وأتباعه، يأتي في سياق المواجهة وكجزء من عدة الشغل، في مواجهة محور المقاومة الذي ترعاه الجمهورية الايرانية؟.

الجواب، برأينا المتواضع، وبكل تأكيد هو “نعم” هناك مشروع ايراني للمنطقة وفي المنطقة، وهذا المشروع ليس عيبًا، والنطق به والحديث عنه ليس كفرًا ولا يستوجب ايضًا غسل الافواه ثلاث مرات متتالية او صلاة ركعتي استغفار. وبناء عليه فإننا نطمئن كل من يتحدث عن مشروع لإيران، ونقول له إنك لم تصل الى كتشاف غريب، ولم تفضح سرًا خطيرًا، وإن الحديث تارةً عن مشروع ايراني وتارةً اخرى عن مشروع فارسي ليس بالامر المشين او المقيت الذي قد يدفعنا الى الاختباء خلف اصابعنا متوجسين من هول المنازلة، وتعقيدات الرد على خبائث وأضاليل ثعالب السياسة، بل إننا على العكس نجده امرًا منطقيًا في مفهوم الثورات الايديولوجية التغيرية. وهذا الامر شاهدناه مع الثورات الكبرى التي مرت عبر التاريخ الحديث، كالثورة الفرنسية والثورة الماركسية اللتين لم تقفا عند حدودهما الجغرافية بل تخطيتاه الى انحاء الكرة الارضية متجاوزتين البعد القومي واللغوي والعقائدي، وذهبتا بعيدًا في نشر مشروعيهما الى اقصى الحدود.
إن ما يعتبره البعض منقصة، عند الحديث عن “مشروع ايران”، نحن نعتبره مفخرة لايران ولكل من يقف خلفها، لاننا نعتبر أنه ليس من المنطق ابدًا ان لا يكون لثورة، تتقاسم مع محيطها الاقليمي الكثير من العوامل والمصالح المشتركة التي تشمل التاريخ والجغرافيا والعقيدة، الحق في ان يكون لديها مشروع يشبهها ويشبه المنطقة والاقليم المتواجدة فيه. اننا نجد أن في هذا الامر الكثير من اللاواقعية السياسية ان لم نقل شيئًا آخر.

لقد كان الامام الخميني المؤسس والقائد، اول من اطلق مشروع ايران العابر للحدود والذي عرف في حينه بـ”تصدير الثورة”. وتجلى هذا الامر بالمقولات التي اطلقها الامام: “اننا سنصدر ثورتنا الى كل انحاء العالم حتى يعلم الجميع لماذا قمنا بالثورة، لقد كان هدفنا الاستقلال بمعنى التحرر من القيود والتبعية للشرق والغرب، اي اميركا والاتحاد السوفياتي (السابق) والحرية، اي التحرر من اغلال استبداد امبراطورية شاه ايران ( الحكم البهلوي)، اي ان يحقق الايرانيون حلمهم بإقامة حكومة على اساس “الاسلام والديموقراطية”.

“إن ثورتنا يجب ان تصدر الى كل انحاء العالم، لا يفهم من ذلك على نحو خاطئ، اننا نريد فتح البلدان، فمعنى تصدير الثورة هو ان تستيقظ كل الشعوب والحكومات”.

لقد خط الامام الخميني وبشكل جلي معالم مشروع ايران في المنطقة وفي العالم ورسم معالم السياسة الخارجية الاستراتيجية عبر مقالاته التي عكسها الدستور الايراني، والتي سنستعرضها في ما يلي.

-المشروع الايراني في ديباجة الدستور:
لقد تميزت الثورة الاسلامية عن الثورات الكبرى التي عرفها التاريخ الحديث، بأنها حولت الشعارات والنظريات الثورية التي اطلقها قائدها ومنظرها، الامام الخميني، الى مواد يكرسها الدستور ويعمل النظام الرسمي على تنفيذها. لقد تحدث الدستور الايراني عن المسؤلية الدينية لايران تجاه كافة المسلمين، ودعمها لكافة المستضعفين في العالم، كما حدد لايران الدولة، في ديباجته، هدف السير مع الحركات الاسلامية الجماهيرية الاخرى لبناء الامة العالمية وانقاذ المحرومين في كل مكان على الارض.

ونحنا في هذه النقطة بالذات نعلق ونقول: هل من المستغرب ان يكون لمشروع ايران صدى كبير في منطقة الشرق الاوسط والعالم العربي وهما ساحتان تعجان وتضجان بالمحرومين والمستضعفين؟ فبالتالي اننا لا نكشف سرًا ولا نعتبر انفسنا قد حققنا انجازًا او اتجهنا منحازين تطرفًا، اذا أكدنا على أن العالم العربي هو جزء من الكرة الارضية التي تحدث عنها الامام الراحل.

لقد اعتبر الدستور ايران قدوة لشعوب العالم واكد على التزامها بالعمل على اقامة حكومة العدل والحق في ارجاء المعمورة وحماية الكفاح.

لقد اعتبر الدستور ايران قدوة لشعوب العالم واكد على التزامها بالعمل على اقامة حكومة العدل والحق في ارجاء المعمورة وحماية الكفاح الشرعي للمستضعفين ضد المستكبرين، وما اكثر المكافحين والمستضعفين في المنطقة العربية وكل الاقليم الشرق اوسطي، اليس كذالك؟.

لقد نص الدستور الايراني وبشكل واضح في المادة (154)على ان جمهورية ايران الاسلامية تقوم بحماية النضال المشروع للمستضعفين ضد المستكبرين في اي نقطة من العالم، وللايضاح نقول إن الدستور، (ومع الاسف يا مناهضي المشروع الايراني) لم يضع اي استثناء يخص منطقة الشرق الاوسط “المتنعمة شعوبه بالحرية والديموقراطية والاستقلال ورغد الحياة”، فلا انظمة مستبدة ولا دول محتلة ولا شعب مشرد ولا كيان غاصب، وحدث بلا حرج، ام على قلوب اقفالها؟

وبالعودة الى المشروع الايراني “المشروع”، اننا لا نجد حرجًا بالتأكيد على وجود هذا المشروع لا بل اننا نستغرب وبشدة نفي حلفاء ايران ومؤيديها لوجود المشروع الايراني، بالوقت الذي يجب فيه على كل عاقل وعامل في سبيل الحرية، الترويج له، ان لم نقل الدفاع عنه لا بل معاتبة ايران في حال عدم وجوده.

ولكي نزيد من الشعر بيتًا، نجد انه من المفيد ان نذكّر حيث تنفع الذكرى، ببعض العناوين الاساسية للمسار السياسي الخارجي للثورة وبالتالي للجمهورية الذي حدده قائدها الامام روح الله، ونعني هنا ( للمشروع الايراني “المشروع “والمرحب به لدى كل الشعوب المضطهدة والمحتلة)، وملخصها النقاط التالية:
١- لاشرقية لا غربية
٢- اميركا الشيطان الاكبر
٣- الكفاح المستمر ضد الصهيونية
٤- تحرير القدس
٥- مناهضة الاستعمار
٦-تقديم الدعم للمستضعفين.

اخيرًا، ونظرًا للقصور الذي لدى الكثيرين والحساسية السياسية التي يختبئ خلفها مدللو السياسة، اجد نفسي مضطرًا، كمراقب ومؤيد للحق، إلى ترجمة النقاط الستة للمشروع الايراني (المشروع) الى لغة الواقع السياسي المبسط وغير المنمق:
١- ايران دولة مستقلة
٢- اميركا الدولة المهيمنة على دول وشعوب العالم
٣- دعم قوى المقاومة والتي يعَرّفها منتجو شعار (المشروع الايراني) بالادوات
٤- هذه هي اكبر علائم المشروع الايراني
٥- ما يعرفه اعداء المشروع الايراني “بالمقاومة والممانعة”.
٦- ما يسميه اعداء المشروع الايراني “بالتدخل بالشؤون العربية”.

هذا هو المشروع الايراني المشروع الذي واجهت وتواجه ايران لاجله الاعداء، الذين لم يتركو سلاحًا الا واستخدموه ولا وسيلة الا وحاولوا من خلالها دفعها الى التخلي عنه، بالاخص التخلي عن اهم نقطة من نقاطه المشروعة ونعني بها “تحرير القدس ومكافحة الصهيونية”.

اخيرًا وفي ختام هذه الجولة على المسمى حقًا، المشروع الايراني، حري بنا القول إن العقل يحتار امام امة مشوشة مختالة كالامة العربية، امة عقارب بوصلتها مقلوبة، امة وجهة سيرها عكس المنطق والتاريخ والجغرافيا، امة ترحب بالمستعمر، الذي يحتقرها ويسرق خيراتها، وتفتح له القواعد وتقدم له الحوافز وتتخلى له عن سيادتها، وفي المقابل، تتحامل وتتآمر على الاخ والجار والصديق الذي يمد لها ايادي المساعدة ويضع في خدمتها كل امكانياته، امة تتحالف مع من اغتصب جزءًا منها وشرد شعبًا من شعوبها وتفتح له السفارات والقلوب، وتغلق ابواب التواصل وفضاءات الاتصال مع من تحمّل ويتحمل المشقات ويقدم التضحيات في سبيل قضية عادلة كانت على الدوام قضيتها الا وهي “القضية الفلسطينية.

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد