هل هي استفاقةٌ مفاجئةٌ لضميرٍ إنساني كان قد غطَّ في نومٍ عميق؟
أم هو حصاد ثمار الانتصارات التي حققتها سورية ومحور المقاومة على مدى الأعوام المنصرمة؟ أم أنه ليس سوى مكيدة جديدة صهيوأميركية دُبّرت بليل؟
أولًا: علينا أن ندرك أن من يُحسن الظن بالشيطان الأميركي والإسرائيلي من باب تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة كمن يضع عقربًا في حجرهِ من باب تطبيق قاعدة الرفق بالحيوان.
ثانيًا: على من يثق بصحوة الضمير العربي عليه أن يصحو على فراش سيادته واستقلاله وشرفه وليس في أحضانِ أميركا وإسرائيل.
ثالثًا: علينا أن نرتب الأحداث ونربط ما ورائياتها لنفهم أبعادها:
- فتح أبواب الهجرة على مصاريعها أمام السوريين وخاصة الشباب إلى خارج سورية وبالأخص إلى أربيل!
- زيارة خاصة للملك الأردني إلى أميركا واجتماعه بالرئيس بايدن.
- فتح معبر نصيب الحدودي بين سورية والأردن أمام حركة الاستيراد والتصدير على خلفية زيارة وزير الدفاع السوري للأردن.
- الترحيب الأميركي بفتح معبر نصيب وإعادة العلاقات بين سورية والأردن.
- تخفيف العقوبات الأميركية على سورية وقرار الانتربول برفع الحظر عنها.
بالتمعُّن في هذه الأحداث نجد أن أميركا في كل شاردة وواردة ومن خلفها إسرائيل خاصةً فيما يتعلق بالهجرة إلى أربيل، تلك التي أصبحت محجًا للتطبيع وخنجرًا غزَّ في خاصرة العراق كان آخرُ ممارساته المخزية مؤتمر التطبيع الذي أقيم فيه بالأمس.
بالعودة إلى الأسباب التي تدفع السوريين إلى الهجرة نجدها تتلخص في سببين:
الأول: هربًا من ويلات الحرب المفروضة عليهم وممارسات الإرهابيين بحقهم وطلباً للأمن والاستقرار.
الثاني: الحصار الاقتصادي والعقوبات الأميركية التي باتت تقض مضاجع عيشهم وتنغص عليهم كل تفاصيل حياتهم اليومية.
فلماذا إذًا تأتي التسهيلات غير المسبوقة لهجرة السوريين تزامنًا مع تخفيف العقوبات ورفع الحظر عنهم وتطبيق اتفاقيات تحقيق الأمن والاستقرار سواء عبر الانسحاب التركي من مناطق إدلب أو ضبط الوضع الأمني في درعا والجنوب وغيرها؟
أما زيارة الملك الأردني إلى أميركا فكانت من أجل توقيع مهمته الجديدة في نقل عدوى التطبيع إلى سورية وإقناع القيادة السورية باتخاذ مواقف أقل حدة تجاه القضية الفلسطينية والصراع مع إسرائيل، وهذا ما يفسر الترحيب الأميركي بالانفتاح الأردني على سورية ودعمه.
لكن بالمقابل علينا أن نؤمن أن عدول أميركا عن ممارسة أشد الضغوطات السياسية والاقتصادية ضد سورية ومحاولاتها زعزعة الأمن والاستقرار وضرب هيكليتها ونظامها إلى تلك الدبلوماسية اللينة هو انتصار لسورية وكامل المحور أجبرها على تقليم أظافرها ولجمِ مخالبها بهذا الشكل. ولكن يبقى جزء من هذا الانتصار مفقودًا طالما أنها ما زالت تسرح وتمرح في منطقتنا بقواعدها العسكرية وأجندتها وخلاياها النائمة، وطالما أنها قادرة على إعادة فرض هذه العقوبات مجددًا متى شاءت حيث يذعن لها القاصي والداني من الدول الغربية والعربية والمجتمع الدولي.
إنما يكتمل انتصارنا بإخراج آخر جندي أميركي من أرضنا ذليلًا صاغرًا كما خرج من أفغانستان، وهذا ما سيحدث إذا ما تمسكنا ببصيرتنا ولم نستكن لدغدغتها الناعمة اللئيمة لظروف حياتنا المعيشية، ولم نبتلع هذا الطعم الذي تقدمه لنا بيدين مرتجفتين انهيارًا وتخبطًا.
وهذا ما جعل وزير الخارجية السوري فيصل المقداد يؤكد في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بالأمس على أن فلسطين قضيتنا المركزية خصوصًا بعد لقاءٍ جمعه بنظيرهِ المصري في نيويورك حيث أراد بذلك إيصال رسالةٍ مفادها أن القيادة السورية لم ولن تنفع معها كل محاولات إرضاخها للإرادة الأميركية وليس أمام الدول الأوربية سوى فهم وقبول وجود قوة إقليمية صاعدة ومؤثرة وفاعلة هي محور المقاومة المتمثل في سورية ولبنان وإيران واليمن وفلسطين. وعليه فإن لها الخيار بين تغليب مصالحها ومصالح شعوبها والتعاون مع هذا المحور بعيدًا عن المصلحة الأميركية الضيقة أو البقاء تحت وطأة الرق الأميركي وكل تبعات هذا الاستعباد.
إن أميركا وحلفاءها على علمٍ أنهم عاجزون عن إرغام القيادة السورية على التنازل عن مبادئها واتخاذ أي موقف سياسي يقبل بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، فتحاول عبثًا ضخ سموم التطبيع في البنية الفكرية والثقافية والمجتمعية للشعب السوري من خلال تسهيلات هجرته إلى دول تفشى في مفاصلها هذا الوباء ليعود بعد ذلك إلى سورية محملًا بتلوثاتِ أدلجته ومحو ذاكرة نضاله، فهنا على الشعب السوري الذي قاوم وصمد وانتصر في حربه ضد مشاريع الهيمنة الأميركية أن ينتبه وأن لا يسمح بأن يجعل موقفه تجاه قضيته أقل حزمًا وثباثًا ورسوخًا من موقف قيادته،
وأن لا تغرَّهُ كفُّ النعمة المزيفة التي امتدَّت له من قبل أمريكا وأدواتها لأن في الكفِّ الأخرى صفقةً تقبضُ من خلالها أميركا على بواطن خيراته وثرواته ومقدَّراته ومصادر قوته، وهذا ما يسيلُ له لعابُ الإسرائيلي المنتظر بفارغ الصبر قبول سورية بعلاقات طبيعية معه تتجسد في مشاريع استثمار وسياحة ينقض من خلالها على كنوزها ونعيمها المخبوء فلا يبقى للسوري ولا لأبنائه ولا لأجياله القادمة لا رغيف خبزٍ ولا كرامة.
وإنَّ من يؤمن بالشعوب يرى أن هذا المشروع الإسرائيلي حتمًا قد ولد ميتًا، فإن إسرائيل فشلت في فرض تقبل وجودها كدولة شرعية في وعي الشعوب العربية التي تقبع خلف قضبان حكامها المسلوبي الإرادة والسيادة والوعي لصالح مشغلهم الأميركي فكيف لحماقتها وحماقة أميركا من ورائها أن تفترض إمكانية قبول الشعب السوري لها وهو الذي تربى على أخلاقيات ومبادئ القائد المؤسس حافظ الأسد وقوة وصلابة مواقف الشرف لدى السيد الرئيس بشار الأسد وامتزاج واحتكاك الشعب السوري بحكم الحرب التي تعرض لها مع المقاومة اللبنانية ما جعل قيم المقاومة والتضحية والفداء تتجذر في صميمهِ وتتماهى مع تكوينه وتجري فيه مجرى الدم في العروق، واللهُ غالبٌ على أمره.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.