قبل البدء، لا داعي للتعريف بصاحب الاسم الوارد في العنوان، فهو أشهر من النار على علَم الجريمة، لا سيّما أنّه سجّل اسمه في لائحة متعدّدي المواهب الجرمية، من الاغتيال المباشر إلى التفجير، ويُسجّل له أيضًا التفنّن في أساليب القتل وإخفاء الضحايا، ويُقال إنّ الدواعش قد اقتبسوا من مآثره الجنائية بعض أساليبهم، وربّما هنا يكمن سرّ الشّبه بينه وبينهم.
يطمح سيئ الذكر والتاريخ إلى بلوغ منصب رئاسة الجمهورية في لبنان. والطموح بحدّ ذاته ليس محرّمًا، فبإمكان أيّ مجرم على وجه الأرض أن يحلم بما يشاء، وأن يهذي بما يشاء. أما أن تتحوّل الهذيانات والأحلام إلى وقائع فهو أمرٌ دونه عقبات وموانع كثيرة، ومنها أنّ هذا الكائن بالكاد يمثّل نفسه في شارعه، وأنّ ميليشياته التي انحلّت وعادت “حزبًا” ليس لها أيّ رصيد شعبي يُذكر، لا سيّما بعد أن خانت، في الحرب وفي السلم، كلّ حليف لها.
قام سمير جعجع، رئيس حزب القوات اللبنانية، الميليشيا المنحلة سابقًا وزوج النائبة ستريدا جعجع، ومشغّل ابراهيم الصقر الذي سمّي ببلوك الاحتكار النفطي، بتوجيه حديثه بالأمس إلى “الشيعة” في لبنان. وللأمانة، تلقّف الشيعة وأحبابهم من كلّ الطوائف والمذاهب كلماته باستحسان شديد إذ أمكن لخطابه أن يدخل بعض الفكاهة على الأخبار المتداولة القاتمة التي تثقل صدور الناس.
سأل جعجع الشيعة سؤالًا ظاهره خبيث وفحواه تبلغ من السذاجة ما يكفي لكشف حال الإفلاس العوكري الذي بلغ حدّ تكليف جعجع بمخاطبة الشيعة.
الخبث الظاهر في السؤال يقوم على فرضية يحاول الأميركيون ترسيخها في أذهان الناس وكأنّها بديهية لا نقاش فيها، فرضية أنّ حزب الله يسعى إلى تغيير وجه لبنان وهويّته، علمًا أنّ مشغّلي جعجع وسائر المجعجعين في لبنان والمنطقة يعلمون، سواء أقرّوا بذلك صراحة أو مواربةً، بأنّ من صنع وجهًا مشرقًا للبنان هو مقاومته التي تولى حزب الله تحويلها إلى قوّة اقليمية يحسب لها ألف حساب على كامل مساحة الكرة الأرضية ببحرها وبرّها، وأن لا هوية للبنان إلّا تلك التي كُتبت بدم المقاومين. يريد جعجع أن يعيد إلى الواجهة حلمًا ببلد هويّته التصهين ووجهه منبطح للأميركي.
أما مضمون السؤال، والذي يعكس حجم الارتباك في صفوف متأمركي البلد، فلا قيمة له إلّا بكونه تظهيرًا واضحًا لفشل المساعي الأميركية بعزل بيئة حزب الله عن سائر النسيج اللبناني والعربي والإقليمي، والاضطرار إلى مخاطبتها ومحاولة استمالتها عبر ترداد شعارات تلامس وجدانها وحالها.
يريد الجعجع من الشيعة في لبنان أن يلتحقوا باللبنانيين وأن يكونوا رأس الحربة في مواجهة حزب الله وأن يرفعوا بوجهه “بطاقة حمراء”. نسي ربّما أو تناسى أنّ الشيعة لبنانيون، وأنّه آخر من يحقّ له تحديد من هم اللبنانيون ومن عليه الالتحاق بهم، وأنّهم إن كانوا “اخوانًا” له كما يدعي فمن موجبات الأخوّة أن تكون على حد أدنى من العلم بطباع أخيك، وأنّه إن كان أبيًّا حرًّا فلا يمكنك استمالته للالتحاق بك وهو لا يرى فيك إلّا تاريخًا حافلًا بالجرائم وحاضرًا لا يختلف عن التاريخ إلا باختلاف ادوات الجريمة، التي ليس آخرها “ابراهيم الصقر”. ونسي أو تناسى أن “أشرف الناس” ليسوا بحاجة إلى تفسيراته المشبوهة لمعنى الشرف ولا لشرحه الذليل عن معنى الذلّة.
في الواقع لم ينطق سمير عوكر وسائر المتصهينين بجديد، ولم يضف إلى ملف التأمرك إلّا خطوة التوجّه المباشر إلى الشيعة بعد أن فشل “شيعة السفارة” في تحقيق أي اختراق حقيقي لبيئة المقاومة.
وبذلك يكون الأميركي قد أقرّ بخسارة استثماره في ما سُمّي بالمجتمع المدني وأوكل إلى “قوّاته” مهمة تكرّرَ الفشل فيها بعدد المحاولات وبعدد الموكلين بتنفيذها. فشلٌ جديد تحقّق بالأمس، وخيبة جديدة حلّت في فضاء العوكريين، فالسخرية الجارفة من كلام سمير جعجع في أوساط “الشيعة” وبيئة المقاومة بل وكلّ من سمعه، كانت جوابًا شافيًا وكافيًا.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.