اسمهم مدافعو الحرم

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

أُطلق هذا الاسم على الشباب الذين توجهوا للقتال في سوريا من إيران وبلاد أخرى، وبعد فترة تحول إلى مصطلح يرمز إلى هذه الفئة التي ارتبط اسمها بالدفاع عن حرم السيدة زينب سلام الله عليها في الشام.

مدينة السيدة زينب كما أصبحت تسمى اليوم بشكل قانوني في الدولة السورية، يسكنها خليط تراكم خلال أكثر من خمسين عامًا من جنسيات وفئات متعددة غالبيتها مهجرون من داخل سوريا لأسباب مختلفة آخرها كانت الحرب العالمية على سوريا [٢٠١١-٢٠١٨]. هذا التركيب نفسه كان سببًا في صعوبة الدفاع عنها إذ لا يوجد انتماء حقيقي جامع لقاطنيها، فبعضهم يجمعهم البعد العقائدي وآخرون وُجدوا بسبب الفقر أو العمل والقرب من العاصمة. لذلك شكل الدفاع عنها مسألة للفئة التي تعتقد بها من الناحية الدينية فتهافتوا من عدة دول ومناطق يطلبون المشاركة. لكن المسألة الكبرى كانت شيئًا آخر، فالهجوم يشمل كل سوريا ويمتد إلى لبنان والعراق.

إذا أردنا أن نكون أكثر دقة، لم تكن مهمة هؤلاء الدفاع عن الحرم، بل كان هذا اسمهم، فقد ارتبطوا بالحرم كأهم معلم يقصدونه ويحبونه وحاضرون للتضحية لأجله. لكن الصورة في الميدان كانت مختلفة، فقد استشهد كثيرون دفاعًا عن عائلة وطفل وأرض زراعية ومعمل ومصفاة و.. أو بالمجمل المختصر وقفوا دفاعًا عن الأرض ومن فيها مقابل الظلم والخضوع للظالم. أما كلفة الدفاع عن الحرم فما كانت لتكون بالكلفة التي تكبدوها للدفاع عن كل المنطقة، خاصة أن الحرم قريب من لبنان ومن خلال حسابات عسكرية وجغرافية لا بدّ أن حلولًا ما كانت لتحمي الحرم دون الذهاب إلى حلب ودير الزور والمشاركة في مئات العمليات لسنوات على جميع المحاور.
فإن صح أن فرضية حفظ الحرم وحده هي ممكنة، فهل كان المقاتلون سيكتفون بهذا؟! بالطبع لا! وجميع المواقف والقرارات السياسية والأمنية والعسكرية كانت تشير إلى الدفاع عن سوريا ونظام سوريا وتشمل الدفاع عن الحرم كجزء من المعركة. أما الدّفاع عن بقعة محددة، مهما كانت أهميتها، فيعني القبول بالتقسيم وسقوط باقي المناطق وبالتالي نجاح الضربة الكبرى للمقاومة ومؤسساتها. لذلك قاتل مدافعو الحرم في كل بقاع سوريا.

وإذا نظرنا إلى المنطقة خلال العقود الأخيرة بعد الثورة الإسلامية الشيعية في إيران، فإننا نلحظ أن هذه الجهة إن كانت القيادة أو الأتباع الذين يتبعون لهذا المذهب ويفتخرون به، لا يحصرون أهدافهم بالدفاع عن مذهبهم فقط. وإذا نظرنا إلى هذه التجربة التي قاربت العقد الرابع من عمرها مؤخرًا فإن أغلب معاركها لم تنحصر بالشيعة وأهم دليل على هذا هو فلسطين، وكذلك سوريا وشمال العراق ضد داعش.

يقول الحاج قاسم: “أنتم لا تدافعون عن المراقد المقدسة فحسب، وإنما عن آل البيت والإسلام والإنسانية”. وهو هنا يوجه المقاتلين باتجاه الهدف الحقيقي وهو الإنسانية. وفي نفس الوقت لا نرى في تجربة الحرس الثوري أي مشاريع استعمارية، ولو كانت لكان من الأولى أن يتحول البقاع الشيعي ومحيط بعلبك في لبنان، الذي احتضن الحرس لعقود، لبيئة فارسية، لكن اليوم وبعد مرور كل هذ الوقت، لا نرى بيتًا يعرف طبخ “چلوكباب” أو يحب طعم “قورمه سبزى” أو يستعمل عبارات فارسية في كلامه، في حين أن المسلسلات التركية الاستعمارية أدخلت الكثير من المفاهيم والثقافة واللباس ونمط الحياة على نفس هذا المجتمع.

لقد كان لدينا نوعان من المدافعين عن الحرم، نوع كرار ونوع جهاد، قسمَ الشباب الأدوار فيما بينهم. “كرار” هو الشهيد حسن عبد الله الذي قاتل الفتنة في ريف حلب الشمالي، أما جهاد الذي اغتالته الطائرات الإسرائيلية في منطقة القنيطرة على حدود الجولان السوري المحتل من العدو الصهيوني، فقد عبر الفتنة ليعود إلى فلسطين وليُذبح هناك مع إخوة له من سوريا وإيران، من نوع جهاد كان سمير القنطار وكثيرون على هذا الدرب بعضهم لم نعرفهم بعد، وأمثال كرار مئات بذلوا أنفسهم في نفس المعركة لكن على أكثر من محور.

مع أن قرار الدفاع عن سوريا والمقاومة في المنطقة لم يكن مرتبطًا بالمقدسات فيها بالدرجة الأولى لكنه شكل عاملًا قويًا ومؤثرًا في التحشيد وأيضًا في حماية المقام. وإن الموقع الخاص للمقام في ضواحي العاصمة وبينها وبين المطار شكل حفظه أيضا ضرورة استراتيجية. وكذلك أثر هذه المفهوم في إيجاد المبرر الشعبي بشكل كبير جدًا، خاصة في حرب ضروس من جهة وفتنة معقدة من جهة أخرى. وقد احتاجت سنوات من التبرير في خطابات القيادة، وأدت المنتجات التي أنتجت في هذا المجال مثل فيلم “بتوقيت الشام” السينمائي لمنظمة أوج الايرانية والذي عرض عام ٢٠١٨ من إخراج ابراهيم حاتمي كيا، دورًا، إذ أكدت استطلاعات الرأي تغييرًا ملحوظًا في الرأي العام الإيراني بعد عرضه.

في إحدى الجلسات الداخلية يقول سماحة السيد حسن للحاضرين: عندما يكون المشروع هو القضاء على الإسلام وتدمير المنطقة فالمهمة ليست الدفاع عن الحرم.

فاطميون وحزب الله، حيدريون وزينبيون، حرس ثوري أو قوة القدس أو بسيج، كلهم وقفوا إلى جانب أصحاب الأرض وقاموا بدورهم وما زالوا. جمعهم اسم الدفاع عن الحرم، فهذا هو اسمهم، اسم ارتبط بالدور الاستراتيجي التاريخي، دور بحجم التحدي العالمي الذي حصل لتركيع المقاومة ولم يحصل بل أصبحوا أكثر شهرة ونموذجًا وقدرة إقليمية. فحفظكم الله يا مدافعي الحرم أينما حللتم وحتى آخر مهمة، وإلى أن يتمسح من بقي منكم بذلك السرج المقدس أو يعود معه فاتحًا.

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد