د. حسن محمد – خاص موقع الناشر |
ما كاد ينتهي السيد حسن نصر الله من خطابه الذي حمل دلالات عديدة على مستوى لبنان والمنطقة، وفرض فيه معادلات جديدة أكبر من الجغرافيا اللبنانية والإقليمية، حتى انهالت ردود فعل قوى 14 آذار المتشنجة والمرتبكة، وكأن خطاب السيد نصر الله يطالها بعينها، مع أنه وجّه الخطاب إلى الإدارة الأميركية ومن معها الدول المنخرطة في مشروعها، وإلى الكيان الصهيوني محذرًا إياه من أية حماقة يرتكبها على لبنان سواء في البرّ أو البحر بأي اعتداء على سفنية النفط القادمة من إيران.
لقد تفاجأ اللبنانيون بحجم الحمأة النارية التي اعترت خطابات قوى 14 آذار، في الوقت الذي كنا ننسى فيه بعض أطرافها والمبعدين عنها لعدم قيمتهم الشعبية والسياسية، لا سيّما فيما يتعلّق بالاعتداءات الإسرائيلية المتكررة والحصار المفروض على الشعب اللبناني منذ فترة طويلة، إلا أن الهبّة الإعلامية التي تأكل حطب وسائل الإعلام جعلت من هذه القيادات منتفخة بالعنتريات والأضاليل والتعليقات في غير موقعها حتى يظن أحدنا أن أصحابها يعيشون على كوكب آخر.
لقد جاءت ردود فعل القيادات العليا في 14 آذار على وجه السرعة وبتصاريح متلاحقة تظهر الارتباك والضياع ووحدة غرفة الإشارة والعمليات الإعلامية، نتيجة ما خسروه من هدف الحصار الأميركي على لبنان وشعبه، المشاركين فيه.
لقد بدا الأمر كأن الأرض اللبنانية يستبيحها العدو الإسرائيلي، إلا أن الواقع هو معادلة جديدة وضعها حزب الله في وجه الأميركي والإسرائيلي لتعزيز سيادة لبنان ومِنعَتِه، ما أحرج السفارة في عوكر والكيان الصهيوني وبعض الدول العربية الخليجية، وهو ما يرتدّ سلبًا على أتباع أميركا في لبنان، فانبرى هؤلاء لله للهجوم على السيد نصر الله دون أية معطيات واقعية أو دلائل حِسّية صادقة، إنما كانت بظاهرها وباطنها مواقف سياسية لا تعطي الشعب اللبناني إلا المزيد من الانقسام ووضع عنوان جديد لإلهائه عن الحقيقة التي تعمل تلك القيادات الآذارية على طمسها في وحول الحصار الأميركي والعربي.
من هنا، فإن الحديث سيطلّ على تصريحات رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع لكونها تشمل مضامين ما جاء في تعليقات وتصريحات الآخرين، لا سيّما سعد الحريري وفريقه، ونظرًا لتعددها وتوافقها بما ينسجم تمامًا مع رغبة السفارة الأميركية في لبنان، دون الحديث عن صغار قوم 14 آذار الذين لا حيثية شعبية أو سياسية لهم، أمثال الجميّل أبناء عمّ، أو فؤاد مخزومي الطامح إلى رئاسة الحكومة أو ما جاء عن حزب الأحرار المنقرض، أو آخرين لا قيمة فعلية لهم.
لقد أدلى جعجع وأتباعه وحلفاؤه، في فترة أقل من 24 ساعة على معادلة السيد حسن نصر الله، بأكثر من تصريح، سواء بتغريدة تويتر أو مقابلة على أحد المواقع الإخبارية، لكن الأبرز هو ما أورده جهاز التواصل والإعلام في قواته، بشكل يكاد يكون فريدًا من نوعه طيلة سنوات لهذا الجهاز، ما يؤشر على عمق الأزمة التي تعيشها القوات من جهة، واستغلال المبادرات الاجتماعية والاقتصادية لحزب الله بتحويلها إلى استغلال سياسي قديم – جديد يصوب به سهامه إلى أكثر من جهة.
ويمكن تفنيد ما ادعاه جعجع بتصريحاته بمقاربة منطقية وعلمية وسياسية، بعيدًا عن البروباغندا الإعلامية والمكاسب الضيقة، ومن أبرز التساؤلات والتفسيرات التي تطال تلك التصريحات ما يلي:
أ. جاءت تصريحات جعجع متتالية ومتسارعة بشكل يثير الشك والريبة حول سرعتها ومضمونها وتعدّدها، في الوقت الذي لم نشهد له فيه هذه الإطلالات المكثفة إلا في حربه ضد الجيش اللبناني في العام 1989، ما يفسَّر على أنه في حال استنفار وحرب يخوضها ويلزمها هذا التحشيد السياسي والإعلامي، ولو كان في المستطاع لاستعمل وسائل أخرى.
ب. جاءت تصريحات جعجع وفريقه ردًّا على خطاب السيد حسن نصر الله ومبادرته لاستيراد المازوت من إيران، في الوقت الذي لم يذكر فيه السيد نصر الله القوات اللبنانية بأية عبارة بل تجاهلها من الوجود، وركز خطابه إلى الأميركي والإسرائيلي، فعلام انفعل جعجع وأصحابه؟ وهل جاء الرد على الخطاب على قاعدة أنا أعترض على الحق لتنتبهوا لي؟ أو على مبدأ خالف تُعرف؟ أو أنا أتكلم إذًا أنا موجود؟
ج. جاءت تصريحات جعجع بعد صمت مطبق على الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة التي لا تستحقّ برأيه أية ردة فعل ولو لفظية أو تغريدة تويتر، حفاظًا على مشاعر اللبنانيين من مختلف الطوائف والمناطق، لأن اعتداءات إسرائيل لا تفرّق بين مسلم ومسيحي، أو بين منطقة وأخرى. وقد صادفت تعليقاته مع اعتداء إسرائيلي جديد ليلًا على الأراضي السورية، غير أن هذا الاعتداء جاء من فوق الأراضي اللبنانية، حيث استغلّ العدوّ الصهيوني طائرة ركاب مدنية للاحتماء بها من نيران القوات العربية السورية التي تأخر ردها حفاظًا على المدنيين، وكاد أن يسبب مجزرة إنسانية، فلم يكن من جعجع إلا إغفال الموضوع والذهاب إلى تصريح كلامي يزيد به وجع الشعب اللبناني من أجل طمس خطر العدوان الإسرائيلي وما كاد أن يتسبب به.
د. جاء كلام جعجع في الوقت السياسي الحسّاس بالنسبة للولايات المتحدة بانسحابها من أفغانستان، فعمل على تصعيد المواقف السياسية الإعلامية لصرف الحديث عن الانهزام الأميركي وتوجيه الأنظار إلى سفينة النفط للتصويب على محور المقاومة في محاولة رد اعتبار.
ه. توجيه رسالة إلى رئيس الجمهورية ميشال عون لتصفية الحسابات السياسية على حساب لقمة عيش الشعب اللبناني بمختلف أطيافه السياسية والحيادية والدينية والاجتماعية.
و. استغلال الانهيار الاقتصادي والتركيز على ما طالب به مرارًا بتكرار أولويته بالسيطرة على المجلس النيابي الذي يتأتى عنه مجلس وزراء يكون من نفس الطينة المتماشية مع القرار الأميركي، فطلب “تغيير ميزان القوى داخل البرلمان تمهيدًا لتغيير رئاسي فعلي وحقيقي وليس الاكتفاء بتغيير وهمي وشكلي”، بما يفيد أنه يعمل للمجيء برئيس خاضع لإملاءات الأميركيين كما كان في السابق.
ز. وضع رئيس الجمهورية في خانة المتآمر على البلد من “جراء تخليه عن مسؤولياته في مواجهة مثلثة: مواجهة مع الشرعية الدولية، مواجهة مع الشرعية العربية، مواجهة مع الشعب اللبناني”، وهو ادعاء خطير جدًا، يريد من خلاله أن يمهّد الطريق لنفسه إلى قصر بعبدا، بإعلان برنامجه الرئاسي بالحفاظ على الشرعية الدولية والعربية والشعب اللبناني، الذين يؤمن بهم هو نفسه لا الشعب اللبناني والقوى السياسية الأخرى والكبيرة.
ح. وفي تفسير المواجهة مع الشرعية الدولية، هناك أكثر من تفنيد لهذا المبدأ:
- إن كان جعجع يعتبر أن الشرعية الدولية متمثلة بنظره بأميركا وفريقها حصرًا، فإن هذه الدول لم تعتبر أن استقدام باخرة النفط إلى لبنان هي مخالفة للشرعية الدولية.
- اعتكفت الدول، التي يعتبر جعجع أنها تمثّل الشرعية الدولية، عن التصريح أو التلميح بمخالفة لبنان القوانين الدولية، فكيف ينطق هو باسمها؟ وهل أوعزت تلك الدول إليه للنطق باسمها؟ وهل إن السيادة اللبنانية التي يتغنى بها هو وفريقه تسمح أن توكل إليه مهمة النطق عن الجهة المحاصِرة للبنان مقابل التخلي عن مصالح لبنان وشعبه وعدم الدفاع عنها؟
- هناك دول كثيرة أخرى ضمن الشرعية الدولية مؤيدة وتساعد لبنان على استعادة عافيته، لم تعترض على السفينة موضع أزمة جعجع، إنما هي مشجعة ومساعدة للبنان في هذا المجال.
- إن استقدام النفط إلى لبنان لا يشكّل خرقًا للقوانين الدولية، لأن من حق الشعب اللبناني العيش وتأمين غذائه، وهو لم يتخذ موقفًا عدائيًا من الأمم المتحدة أو المجتمع الدولي.
- إذا كان جعجع يعتبر أن لبنان غير محاصر أميركيًا وسعوديًا، فعلام استنفر كل أجهزته وكأن لبنان أقدم على خطوة انتحارية ضد هذا الفريق المحاصر له، في الوقت الذي يعرف الشعب اللبناني أن السفارة الأميركية في عوكر ومن خلفها إدارتها في واشنطن هي السبب في هذه الأزمة.
- يعتبر جعجع أن لبنان خالف الشرعية الدولية باستقدام النفط عن غير طريق أميركا والسعودية بل اخترق حصارهما، فماذا عن مساعدات واستثمارات روسيا والصين وغيرهما، فإن هذه الدول تدخل في صميم المجتمع الدولي والشرعية الدولية، وقد تكون في موقع المساعد للبنان وشعبه.
ط. وبالنسبة للشرعية العربية، من أعطى جعجع الأمر بالنطق عنها؟ وهل هناك إجماع عربي على ما يدّعيه جعجع من شرعية عربية؟ وهل السعودية تمثّل الشرعية العربية؟ في الوقت الذي لم يصدر فيه أي بيان عن أية دولة عربية تعتبر فيه أن استقدام سفينة المازوت هي مخالفة للوحدة العربية.
ي. أما فيما يتعلّق بالمواجهة مع الشعب اللبناني، فإن هذا الشعب الصابر قد عانى الأمرّين من أفعال جعجع وسياسته، وهناك العديد من التساؤلات عن ادعائه حفظ مصلحة الشعب اللبناني وحمايته، منها:
- لم يذكر جعجع شرعية الشعب اللبناني، على غرار الشرعيتين المزعومتين حسب مزاجه في الدولية والعربية، إنما تحدث عن “مواجهة مع الشعب اللبناني” في ما يشير إلى استغلال الشارع وتحريضه على رئيس الجمهورية ومن خلفه حزب الله، لا من أجل مصلحة هذا الشعب وحلّ أزماته، وهو يدرك أن لا شعبية مؤيدة له تفوق عدد المؤيدين لرئيس الجمهورية وحزب الله، وبالتالي فإنهما يمتلكان الشرعية الشعبية.
- هل يختزل جعجع الشعب اللبناني بمن يناصره، ليسحب الجنسية اللبنانية عن معظم الشعب الذي يعارضه؟
- هل نسي الشعب اللبناني حرب جعجع على الجيش اللبناني؟
- لم يغب عن بال الشعب اللبناني تصفيته للعديد من القيادات اللبنانية، سواء من المسيحيين أو المسلمين، على رأسهم طوني فرنجية ورئيس الحكومة الأسبق رشيد كرامة.
- ولم ينسَ الشعب تعامله مع العدو الإسرائيلي على الأقل في السابق وتآمره على الدولة اللبنانية بما تذكره مذكّرات أصحابه وفريقه.
- هل يحق لمن خرج من السجن بعفو خاص أن يتكلّم باسم الشعب اللبناني؟
- هل إن رهانات جعجع على السياسة الأميركية تفيد الشعب اللبناني، ونحن ما زلنا نذكر انسحابها الذليل من فيتنام، وهروبها الأذلّ من أفغانستان وما حلّ بعملائها؟
- هل عمل جعجع يومًا، أو نطق بتصريح واحد عن هموم الشعب اللبناني بما يفيد العمل والأخذ به نحو سبيل النجاة الحقيقي، أو خاطب الشعب اللبناني لتفادي الانقسام؟
- هل اعترض جعجع على رفع الدعم عن المواد الغذائية والمحروقات والأدوية مقابل استعادة الأموال المنهوبة؟ أم أنه كان من الداعين إلى رفع الدعم لإغراق الشعب اللبناني بالأزمات المعيشية وتسهيل أمور الناهبين وما زال؟
- هل فكّر جعجع يومًا بموظفي الدولة اللبنانية ومآل رواتبهم التي لا تكفي ليوم واحد؟ أم بات الموظفون الرسميون من خارج الشعب اللبناني؟
- هل عمل جعجع على لمّ شمل الشعب اللبناني وإبعاد الانقسام السياسي عنه وحصره بالأحزاب السياسية دون أن ترتدّ سلبياته على الشعب؟
- هل ابتعد جعجع عن استغلال الشعب اللبناني من أجل تنفيذ مشاريعه، وخير دليل على ذلك، استغلاله لمطالب الشعب أثناء ثورة 17 تشرين أول 2019؟
ك. على الرغم من مرور فترة شاقة على الشعب اللبناني وانهيار عملته، لم نسمع من جعجع خطة عمل انقاذ أو تدبير مخارج فعلية من هذه الأزمة، إنما جاءت تصريحاته مهاجمة لحزب الله ورئيس الجمهورية، في وقت عمل حزب الله فيه على تأمين الحاجات الضرورية للشعب، بعدما تخلى الزعماء السياسيون عن واجباتهم، وشارك آخرون في حصار الشعب اللبناني وتجويعه.
ل. لقد قارب جعجع مقاربة خاطئة حول قلب إيران على الشعب اللبناني، فنحن نعرف ما تعرضه إيران منذ سنوات ويرفضه جعجع وفريقه، سواء من الكهرباء أو النفط أو التبادل التجاري أو المساعدات العسكرية للجيش اللبناني والقوى الأمنية، إلى ما هنالك من عروضات لا يمكن لأية دولة أن تقدمها، إلا أن السؤال لجعجع من هو المعترض والمانع لهذه المساعدات الإيرانية؟ ألست أنت ومن ورائك السفارة الأميركية في لبنان وإدارتها؟
م. في مقابل مقاربة جعجع حول قلب إيران، هل بمقدوره أن يرشدنا إلى حنان قلب الولايات المتحدة على لبنان أو أية دولة أخرى أو أي شعب في العالم استفاد منه؟
ن. بطبيعة الحال، فإن سفينة واحدة من المازوت لن تكفي الشعب اللبناني، لكن ما طرحه السيد نصر الله هو استمرار تدفق النفط الإيراني لتلبية حاجات الشعب اللبناني، ولطالما لا تكفي هذه السفينة الوحيدة احتياجات السوق المحلية، لم يعرض جعجع أية مبادرة حول استقدام النفط من أسياده في السعودية أو أميركا، أو من يدّعي حنان قلبه على لبنان.
س. ادعى جعجع أن إيران تخطف القرار اللبناني، هل سمع الشعب اللبناني أي مسؤول إيراني يفرض أوامره على الدولة اللبنانية؟ أم هل قام أي مسؤول أو سفير إيراني بزيارات إلى المناطق اللبنانية وأطلق تهديدات كما تفعل السفيرة الأميركية؟ هل نطق أي إيراني بشروط حول تأليف الحكومة اللبنانية؟ وهل قام أي أحد منهم بزيارات إلى الزعماء السياسيين لتحريضهم على مقام رئاسة الجمهورية أو رئاسة المجلس النيابي أو رئاسة الحكومة؟ فإن كل العنتريات والعرقلات واضحة للعيان من السفيرة الأميركية والمبعوثين الأميركيين بشروطهم التعجيزية ووضع لبنان تحت وصايتهم مقابل سحب سلاح المقاومة.
ع. هل باتت سفينة المازوت مكسبًا لإيران في المفاوضات النووية؟
ف. هل اتخذ سلاح الجو الإيراني الطائرات المدنية والشعب اللبناني متراسًا للهجوم على إسرائيل، كما تفعل الأخيرة باستباحة الأجواء اللبنانية باستمرار، وتعرض أمن اللبنانيين للخطر؟
ص. جاءت دعوته للناس بمحاسبة رئيس الجمهورية ورئيس حكومة تصريف الأعمال، بما تستبطن تحريضًا ودعوة للشغب وانقسام الشعب اللبناني حول نفسه لتنفيذ مصالح جعجع السياسية، لأنه يدرك أن لرئيسي الجمهورية وحكومة تصريف الأعمال حيثيات شعبية وسياسية تفوق جعجع ومناصريه.
ق. حتى اليوم لا يزال جعجع يجد أن الشعب اللبناني يعيش ترف الخمول والاتكالية، فهو يعيش في برجه العاجي الذي لا يمكّنه من النظر إلى الطوابير على محطات الوقود، لذلك لا توجد برأيه أزمة بنزين “ولا من يحزنون”، وكل مصائب الناس وخسارة أعمالهم وتعطيل أشغالهم تنتهي في اللحظة “التي يدخل فيها قرار مصرف لبنان برفع الدعم حيّز التنفيذ”، وكأن الشعب اللبناني ينقصه ارتفاع جديد في أسعار السلع الغذائية، من أجل تهريب أموال الزعماء السياسيين، ونهب أموال اللبنانيين. فهل هذا هو إصلاح سمير جعجع؟
ر. عاد جعجع إلى جوهر الأزمة اللبنانية بما ينسجم تمامًا مع المطالب الإسرائيلية والأميركية، مستغلًا وجع الشعب اللبناني، بإعادة سحب سلاح حزب الله المقاوم لإسرائيل والحامي للبنان وشعبه من الاعتداءات الإسرائيلية والتكفيرية، وربطه بحلّ أزمة المحروقات والمواد الغذائية. وهو كمن ينطق عن الأميركي بشروط طرحها الأخير من تحت الطاولة.
ش. تناسى جعجع أنه كان شريكًا في الحكومات السابقة التي شاركت في الفساد وهدر الأموال، فقد كان له ولحلفائه المشاركة الأكبر منذ حكومات 2005، ولم يزل أصدقاؤه وحلفاؤه أسياد الحكومات المتعاقبة حتى وإن خرج جسده منها، فإن روحه ما زالت حاضرة فيها، كذلك حضوره في المجلس النيابي. وفي كلا المؤسستين، التشريعية والتنفيذية، لم نجد منه قرارًا أو مرسومًا أو تشريعًا يطال الفساد والفاسدين، إن لم يكن هو وحزبه شركاء فيه.
ت. لم يذكر جعجع العلاقات مع الدول العربية المرموقة كالعراق والجزائر وغيرهما، التي لا تتوافق مع السياسة السعودية في حصارها على لبنان. وفي جانب آخر، هل إن سوريا دولة أجنبية تقع في جنوب القارة الأفريقية أو جنوب أميركا الجنوبية؟ أم أنها الجارة الوحيدة بالجغرافيا مع لبنان، فيما الحدود الجنوبية يقبع عندها الكيان الصهيوني المحتلّ لفلسطين، بخطر وتهديد دائمَيْن للبنان وشعبه؟
إن ما تقدّم من تفنيد مطوّل للتصريحات، لا يغطي كافة الاستنتاجات والتفسيرات لما قاله جعجع وأعوانه وحلفاؤه، فإن اللائحة تطول، وهذا ما يشمئز منه الشعب اللبناني، لكن تمّ عرض الأهم بما يمكن اختصاره.
وفي ختام الحديث عمّا نطق به جعجع نقول إن حديثه لا مكان له في العقلانية ولا في المنطق ولا في السياسة ولا في التأييد الشعبي، حتى وإن تداعى له أنصاره ومؤيدوه ترحيبًا، فهم لا يمثلون الأكثرية الشعبية، كما أن حيثيته النيابية والشعبية لا تسمح له بفرض آرائه وقراراته على الشعب اللبناني.
وإن من المعيب أن تأتي تصريحات زعيم سياسي عاش على أنقاض لبنان وشعبه بمزيد من الدعوة لأميركا باستغلال أحد الوجوه اللبنانية كذريعة لمزيد من الحصار على لبنان وشعبه، بما تستبطنه تصريحاته بعدما سارعت السفير الأميركية إلى إبلاغ الرئيس ميشال عون بقرار الولايات المتحدة مساعدة لبنان في الحصول على الطاقة الكهربائية من الأردن عبر سوريا عن طريق الغاز المصري، ولا يعني كسر الحصار عن لبنان فحسب، إنما يفتح أفقًا جديدًا لعلاقة لبنان مع الدولة السورية برئاسة بشار الأسد، بما يفيد الاعتراف بشرعيته وفك الحصار عنه أيضًا بكسر قرار “قيصر” ولو في جانب محدّد، وأن “المفاوضات جارية مع البنك الدولي لتأمين تمويل ثمن الغاز المصري وإصلاح خطوط نقل الكهرباء وتقويتها والصيانة المطلوبة لأنابيب الغاز”، كل ذلك يتناقض تمامًا مع تصريحات جعجع، الذي وضع نفسه وحلفاءه في مأزق وارتباك سياسي وخسارة شعبية بخطوة ناقصة وغير محسوبة النتائج كما هي عادته، وخير دليل على ذلك ما صرّح به عضو كتلته النائب سيزار المعلوف عن العلاقة مع إيران والحصار الأميركي والعربي للبنان.
إن كل هذا الضجيج والتصريحات المتسرّعة لجعجع وأعوانه وفريقه وحلفائه، الحيّ منهم والمنقرض في التاريخ والشعبية، وكذلك إسراع السفيرة الأميركية لتأمين الكهرباء وغيرها للبنان، هذا إن صدقت، ولكن يكفي ما سارعت للإعلان عنه، ما كان كل هذا إلا نتيجة المعادلة الجديدة التي فرضها السيد حسن نصر الله.
*الدكتور حسن محمد: دكتور جامعي وباحث سياسي.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.