بعد انتصار تموز، خاطب السيّد أهل المقاومة بـ”يا أشرف النّاس”. يومها هدرت القلوب حبًّا مسح غبار التعب عن كلّ جبين، وحلّ في الأرواح الشريفة عزًّا لا يُطال.
وبالأمس، لم تخلُ جملةٌ من حديث سيّدنا الأمين من مفردات الحبّ تجاه أهل الصبر والشرف؛ ففي مقاربته لكلّ المواضيع التي طرحها، من تثبيت معادلة الردع إلى حادثة شويّا، ومن مجزرة خلدة إلى مسلسل الاتهامات المسيّسة حول انفجار المرفأ، ذكر أهل الحبّ والمقاومة مثنيًا على صبرهم والتزامهم وشرفهم وتعبهم وانضباطهم، متفهمًا جراحهم وهي جراحه بل أكثر، مؤنِسًا غضبهم الذي هو غضبه الحكيم، مواسيًا حزنهم الذي هو حزنه وأكثر.
لم يعد من الممكن توصيف العلاقة بين السيّد والناس بالقرب وبالثقة المتبادلة وبالحب؛ فحديث الأمس كان حديث اللامسافة بين القلوب: قلبه الذي يتسع لقلوبنا جميعًا بكلّ ما فيها، وقلوبنا التي تنتظم في صفّ واحدّ منضبط، وتصيح بكلّ طاقة نبضها “لبيك”!
تثبيت الردع: المقاومون خاطروا بأنفسهم بالتحرّك نهارًا حرصًا على الناس
بعيدًا عن البيوت والمناطق المأهولة، بجوار الشجر والصخر، في وضح النهار، نفّذت مجموعة الشهيدين عملية الرد على العدوان الصهيوني ليل الخميس والذي استهدف منطقة مفتوحة غير مأهولة في جنوب لبنان. ردت المقاومة على قاعدة عينٍ بعين، لكنّها آثرت الردّ نهارًا حرصًا على عدم إيقاظ الناس والتسبّب لهم ولو بـ”نقزة”، لا سيّما النساء منهم والأطفال.
في حسابات العسكر، التحرّك النهاري ولا سيّما في ظلّ الحاجة إلى المرور من مناطق مختلفة هو تحرّك محفوف بالمخاطر، ومع ذلك كان هذا الخيار هو الذي اعتمدته المقاومة في تخطيطها لعملية الرد. وهذا ليس تفصيلًا. هذه الرحمة التي تضع الناس ومشاعرهم وأعصابهم فوق كلّ اعتبار ليست مجرّد توقيت؛ هي نمط في الحب والحماية
حادثة شويّا: الحزن والغضب والحبّ
لم يخْفِ السيد حزنه وتأثّره في ما يخصّ حادثة شويّا. لم يحاكم حزننا وتأثرّنا نحن الذين لا نملك قطرة من حكمته وهدوئه، بل لفَّ بصدقه العظيم كلّ ما اعترانا من مشاعر أمام الڤيديو الذي يصوّر اعتراض طريق المقاومين.
بالأمس، حين ملأ الغضب الصدور، حاول البعض تصوير غضبنا وكأنه حالة مذهبية أو ذات بُعد فئوي، لكن الصادق أنصفنا، كما دائمًا، وقيّم الغضب والحزن بكلّ حبّ، وكذلك الانضباط المشهود الذي رأيناه في الأبطال حاملي النهج الأخلاقيّ الأعلى، أو في أهلهم وناسهم.
لمعة عيني الأب الذي تمنى تقبيل رؤوس أبنائه المهذبين الخلوقين الأقوياء كانت كفيلة بتضميد كلّ جرح أوجع قلوبنا بالأمس، وحرص القائد الحكيم المسؤول على الإنصاف في تقدير مشاعر الناس كفى ليحلّ في أرواحنا سكينة واطمنانًا لا يقارنان.
مجزرة خلدة: الصبر الجميل
لم يبرد جرح مجزرة خلدة البليغ بعد. بل لن يبرد قبل أن يُساق كلّ من حرّض ونفّذ الجريمة إلى العدالة. توقّف السيّد عند حجم الصبر الذي رافق تداعيات الجرح، والتزام أهل المقاومة بالانضباط وبعدم السقوط في مستنقع الصراع الأهلي الذي تخطّط له أميركا والسعودية كرأس مدبّر يدير العصابة التي ارتكبت جريمة خلدة.
وجميعنا يعلم أن الثقة بحزب الله واليقين بحكمة السيّد هما عمودا الصبر على وجع كوجعنا يوم التعرّض لكمين غادر ومخطّط له وواضح الأهداف والمعالم.
انفجار المرفأ: مَن يعرف مشاعر أهالي الشهداء كالسيّد؟
بعد مسلسل الاتهامات الباطلة وغير المقترنة بأيّ دليل من أي نوع والتي وُجّهت إلى حزب الله وبدأت منذ اللحظات الأولى للانفجار في اختراع الأخبار المضلّلة، خاطب والد الشهيد أهالي شهداء انفجار مرفأ بيروت كافة. توجّه نحوهم بكمّ من الحبّ الذي لا يجيده إلّا قلب طاهر كقلبه. هو يعرف أنّ أولويتهم هي معرفة ما حدث، على الأقل من الناحية الفنيّة، ويعرف أنّهم بدورهم ضحايا لمن يحاولون استثمار وجعهم لتسييس الملف وتضليل التحقيق. وكان لا بدّ من وقوفه عند تفاهة فريق التضليل، فخاطبه بما يكفي لتحجيمه وكشف ضلاله وإظهار كمّ السخافة وعدم احترام العقول في كلّ حركة يقوم بها هذا الفريق.
“مسكين حزب الله مسكينة سوريا..” بهذه الكلمات الساخرة المهذبة الحقيقية دحض السيّد كلّ الحجج الباطلة التي يسوّق لها الخبثاء ضدّ حزب الله وسوريا، واصفًا إيّاها بأنّها كذب متعمّد لتضليل الناس والتحقيق على حدّ سواء.
الحكمة، الهدوء، القوّة، القدرة على الاحتواء، الشهامة، الصدق، الاتزان، الصبر.. هي بعض من المفردات التي تصلح عنوانًا عريضًا لخطاب السيد نصر الله بالأمس، خطاب النصر الذي حظيت قلوبنا بنعمة أن ورد اسمها فيه مقترنًا بالشرف وبالثناء على الصبر الحميل والبصيرة الحاضرة. هو خطاب الذاكرة المتجدّدة لحرب تمّوز، وهو خطاب يُدرّس في علم السياسة وفي بحر علوم العسكر. هو خطاب الأخلاق الأعلى في كلّ المقاربات، هو خطاب القلب الذي يثمر طهرًا ووعيًا وبصيرة.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.