سمير جعجع في زنزانة العزل!

14

ضجّت حسابات القواتيين منذ مساء أمس بالغضب والتململ جرّاء تجاهل حكيمهم من أيّ دعوة رسمية للمشاركة في مراسم استقبال الحبر الأعظم البابا ليو الرابع عشر سواء في المطار أو في القصر الجمهوري. وفيما برّر البعض ذلك بالبروتوكولات التي تحصر الدعوات بحاملي الصفات الرسمية، ذهب البعض الآخر إلى عدّ الأمر مقصودًا من جهة رئاسة الجمهورية، على سبيل تأنيب زعيم الوشاة وقائد أوركسترا بخ السمّ في لبنان والمهجر.

جُن جنون القواتيين معتبرين تجاهل من يحسبونه “زعيمًا” إهانة موصوفة. وغاب عنهم أنّه من المنطقي جدًّا ألّا يدعى صاحب الرقم القياسيّ في أذيّة “المسيحيين” إلى استقبال رأس الكنيسة الكاثوليكية. “الحكيم” على حدّ زعم مريديه، يواجه مرّة جديدة الحقيقة المرّة المتمثّلة بكونه لا يمثّل شيئًا ولا وزن له في موازين القوى، ويتلقى لمرة جديدة أيضًا صفعة الواقع التي ينبغي أن توقظه من وهم “الزعامة المسيحية” الطامحة إلى كرسيّ قصر بعبدا جيلًا بعد جيل. المضحك في الأمر أنّ الرجل بات الآن في مرتبة من تكون أقصى أمنياته أن يتلقى دعوة إلى القصر، لا تبوّؤ مقعد الرئاسة فيه.

ببسمة حزينة وبصوت مغرق بالخيبة، أجابت ستريدا جعجع، عن تساؤل الصحافيين عن سرّ غياب زوجها عن المراسم بالقول إنّه لم يُدعَ وإن الأمر استوقفهما، فهو رئيس أكبر تكتل مسيحي، وتناست أنّ تبعية بعض النواب المسيحيين له لا تمنحه صفة رسمية، ولا تعطيه وزنًا تمثيليًا، وهو الخاسر في الانتخابات البلدية والاختيارية في معقله معراب.

بالمحصّلة، عزّ على الزوجة أن يُعطى زوجها حجمه الطبيعي وأن يُعامل كما يستحق، في هذه المرحلة أقلّه، فما يستحقه جعجع ليس أقلّ من العودة إلى الزنزانة التي تكفّلت بلجم شراهته للحرب وللقتل طيلة ١١ عامًا، ولم يخرج منها سوى بعفو خاص فرضته الظروف السياسية عام ٢٠٠٥.

يستشيط إذًا القواتيون غضبًا. ولهم الحقّ، فالصفعات المؤلمة تثير الغضب بلا شك. وبما أنّهم لا يزالون في دوامة الصدمة، يمكن التخفيف عنهم بكونها ليست المرة الأولى التي يُهان فيها “زعيمهم”! (وهل من إهانة للذات تضاهي أن يكون زعيمك “جعجع”!؟). في السابق، ليس منذ زمان بعيد، خان جعجع سعد الدين الحريري وافترض أنّه بذلك سينجح في نيل رضا السعودية فتعيّنه على رأس أدواتها في لبنان، وخاب. ومنذ أيام قليلة، خان الرئيس جوزف عون عبر إرسال مجموعة “فسّيدين” لتقليب الإدارة الأميركية ضدّه والتحريض عليه، عسى يحقّق بذلك حلمه الموغل في القدم، وفي دم اللبنانيين ولا سيّما المسيحيين، وفشل المسكين حتى في نيل حظوة لدى مشغّليه رغم قربه من المبعوثة مورغان أورتاغوس والصلة “الخوش بوشية” بينه وبين سفراء الولايات المتحدّة الأميركية المتعاقبين. وبالطبع لا يتسع المجال لذكر خياناته السابقة والتي صُنّفت في ملفات الحرب الأهلية والتي في غالبيتها طالت من ساندوه أو تحالفوا معه.

ببساطة، شهد يوم أمس في لبنان، بالإضافة إلى حدث وصول الحبر الأعظم إليه في زيارة تستمر إلى يوم غد، حدثًا يمكن وصفه بتحجيم رأس مشروع أسرلة لبنان، وهو وإن كان مجرّد إجراء له مسوّغات تتعلّق بالبروتوكول، ولكنه أيضًا شكّل صفعة ينبغي أن توقظ جعجع من وهم الزعامة، وتشفيه من مرض الطموح للرئاسة، إذ ظهر أنّه ليس فاقدًا للقيمة التمثيليّة داخليًا وحسب، بل بلا أيّ قيمة حتى عند مشغّليه. عاد جعجع بالأمس إلى زنزانة العزلة، وهي ليست أفضل حالًا من زنزانته في مبنى وزارة الدفاع، فإن غضب لأجله بضع حسابات وهمية، فقد أضحك حاله جميع الناس، وتحوّل إلى “نكتة” السهرة!

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع

التعليقات مغلقة.