“أثناء قيامنا بواجباتنا، نحن فخورون بأن نرفع رايتنا التركية المجيدة في جميع بحارنا. أقر بأننا على استعداد لحماية كل مساحة من وطننا الأزرق البالغة مساحته 462 ألف متر مربع بتصميم كبير، والقيام بكل واجب ممكن قد يأتي”. بهذه الكلمات البالغة الدلالة، توجّه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للشعب التركي ومن خلاله إلى كل من يعنيهم الأمر في المنطقة والعالم، أثناء خطابه في عيد الجمهورية تشرين الأول 2019.
عكَسَ أردوغان الإصرار التركي على عقيدة “الوطن الأزرق”، التي تمثل المساعي القومية التركية نحو التوسّع والسيطرة على البحار الثلاثة، التي تحيط بتركيا من الشمال حيث البحر الأسود، والغرب، والجنوب حيث بحرا إيجه والمتوسط، التي أشار إليها الرئيس التركي بكلمة “بحارنا”.
بعيداً من سوريا والعراق وليبيا، وعلى مقربة من أرمينيا وأذربيجان، تقع أفغانستان، إحدى الدول التي تعمل إدارة أردوغان على تأمين موطئ قدم لـ”الأمة التركية” فيها، برزت تحديات كبيرة قد تقف عائقاً أمام المساعي التركية تلك. وقفت حركة طالبان بوضوح في وجه عرض كانت قد تقدمت به تركيا مؤخرًا لتأمين مطار كابل بقواتها المسلّحة، بعد انسحاب قوات الناتو من أفغانستان.
ردّ طالبان جاء حازماً وحمّال رسائل، إذ قالت إن تركيا “باعتبارها عضوًا في الناتو، يجب عليها سحب قواتها من أفغانستان على أساس اتفاق وقعناه مع الولايات المتحدة في 29 شباط 2020”.
وأضافت: “وبما أن تركيا دولة مسلمة كبرى، فإن أفغانستان لديها علاقات تاريخية معها، ونأمل أن تكون لنا معها علاقة وثيقة وطيبة بعد تشكيل حكومة إسلامية جديدة في بلادنا في المستقبل”.
غمْزُ طالبان من قناة “إسلامية” تركيا فتح نقاشًا واسعًا داخل أطر الحركات والفصائل الإسلامية العاملة على الأرض في أفغانستان، وتلك التي تتماهى فكريًا وعقائديًا مع الحركة. ركّز النقاش على علاقة تركيا بحلف الناتو، ومِن خلفه الولايات المتحدة الأميركية، بما يحمله هذان الطرفان من عداء لطالبان وأخواتها ونظيراتها في أفغانستان والعالم. وعلى الرغم من أن الوجود التركي في أفغانستان ليس جديداً، إلا أن الاستثنائي الآن هو الدور الجديد المرسوم لتركيا في أفغانستان، تزامناً مع انسحاب القوات الأميركية من البلاد، وربطاً بعلاقة تركيا بحلف الناتو وعلى رأسه الولايات المتحدة. وقد رأت طالبان أن القرار التركي الأخير “ليس حكيمًا، لأنه انتهاك لسيادتنا ولوحدة وسلامة أراضينا، وهو مخالف لمصالحنا الوطنية”.
من الواضح أن طالبان تقرأ المسعى التركي الجديد، في توقيته وملابساته، على أنه تنفيذ لأجندة أميركية – أطلسية. هذه “السُمعة السيئة” تضع تركيا في نظر الشعب الأفغاني، ومسلمي العالم، في الخانة الأميركية عينها التي توجد فيها السعودية. ولا يخفى على أحد التنافس التركي – السعودي المتصاعد على قيادة العالم الإسلامي، إذ تقدم تركيا نفسها على أنها دولة إسلامية منفتحة تسعى لحماية مصالح المسلمين في العالم، بخلاف السعودية التي تروّج الآلة الإعلامية التركية لكونها وكيلًا معتمدًا للسياسات والمصالح الأميركية في العالم العربي والإسلامي.
من هنا، تسعى تركيا عبر إعلامها ومسؤوليها إلى محاولة تطمين حركة طالبان، التي بسطت سيطرتها في الآونة الأخيرة على أجزاء شاسعة من أفغانستان، إلى أن وجودها على الأراضي الأفغانية ليس مرتبطاً بالأجندة الأميركية، بل لدعم استقرار أفغانستان ومساعدة شعبها.
وفي هذا الصدد، قال وزير الخارجية التركية الأسبق حكمت تشيتين، والذي عمل أيضًا ممثًلا سابقًا لحلف شمال الأطلسي “ناتو” في أفغانستان، إن بقاء القوات التركية في أفغانستان مرهون بموافقة طالبان، وإن ما دون ذلك، سيخلق مشاكل كثيرة. متحدثًا لوسائل إعلام تركية، عن صيغة أخرى لبقاء القوات التركية في أفغانستان بعيدًا عن الهوية الدولية، وبعد انسحاب جميع القوات الأجنبية من هذا البلد.
المساعي التركية هذه دونها عقبات كثيرة أهمها الأجندة الأميركية الفعلية لأفغانستان. إذ لم يستبعد القائد الأعلى للقوات الأميركية في أفغانستان سكوت ميلر، شن ضربات جوية ضد طالبان إذا واصلت هجماتها للسيطرة على مناطق جديدة في جميع أنحاء البلاد، مؤكداً أن الجيش الأميركي ما زالت لديه القوة النارية لشن ضربات جوية ضد مسلّحي طالبان حتى وهو يواصل انسحابه من أفغانستان. هذا الأمر يزيد معضلة جديدة في طريق أردوغان للتوسّع في “الوطن الأزرق”، وهذه المرة من بوابةِ “إسلاميةِ” تركيا.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.