بداية لتوصيف حدث ما، باعتباره حدثًا تاريخيًّا، لا أن يلاحظ ما قبله وما بعده، وما هي الآثار والتداعيات التي أملاها.
ما تقدم هو مجرد إشارة للنظر في الحدث وما كان قبله وما فرضه من تداعيات ذات ابعاد تاريخية تطال الثقافة أولًا وماهية المخطّطات التي كانت ترتسم في ميادين الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وما الأثر الذي فرضه عليها، وما إذا كان مجرد حجر عثرة في طريقها أم أنه أسس لمرحلة تاريخية جديدة يمكن الاستدلال عليها من خلال ما عطله وألغاه من المشاريع والمخطّطات السابقة عليه، وما هي القوّة التي كشف عنها وما تحمله من قوة تمكّنها من فرض مشاريعها هي.
عنوان موضوعنا هنا هو حدث السابع من تشرين الأول، والذي بات واضحًا ولا يدع مجالًا للشك بأنه أسس لمرحلة تحرر وطني – قومي لن تنتهي مفاعيله المباشرة – الحرب الدائرة – الا بانتصار أحد طرفي الحرب، بعد أن كان ما قبله حربًا بأساليب مختلفة تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية بعد تدجين غالبية القوى الوطنية الفلسطينية الممثلة بمنظمة التحرير والتي تحولت إلى “سلطة”.
ينخرط اليوم، بعد الحدث، في الصراع محور كامل يمتد من فلسطين إلى اليمن مرورًا بلبنان وسورية والعراق، ويستند إلى تحالف عضوي يتمثل بالجمهورية الإسلامية الإيرانية، وما لها من أبعاد إسلامية دولية، وفي ظلّ تحولات وأوضاع دولية يستحيل معها أن ينكسر هذا المحور أو يُهزم.
إن هذا التحول ما كان ليولد في لحظة غافلة عن صيرورة الأحداث ومسار تطوّرها وتراكماتها منذ الغزو الصهيوني للبنان عام ١٩٨٢.
وإذا كانت سلسلة الأحداث التي تلت السابع من أكتوبر وعلى مستوى المنطقة تكشف مستوى تعاظم قوى المحور ومدى استعدادها وجهوزيتها لمواجهة حرب شاملة، تفاجئ الصديق قبل العدو، يبقى من المؤسف أن الخطاب التعبوي والثقافي مكبل بمفاهيم ما قبل الحدث التاريخي في السابع من أكتوبر، حيث لا زال الوعي الكياني الضيق يشكّل حدود الخطاب الثقافي – السياسي، وخصوصًا في الساحة الفلسطينية. وإذا كان لبنان السباق بمقاومته إلى تجاوز الثقافة الكيانية لا زال يواجه إشكالية الفكر الكياني حتّى في البيئة الحاضنة. فإن اليمن قضى إلى حد كبير على الفكر التقسيمي والكياني وقدم نموذجًا يحتذى بالفكر والممارسة للوعي في طبيعة الصراع. وإن كانت إشكالية الوعي الكياني السائدة في لبنان ولو أنها عاجزة عن التأثير في حركة المقاومة، فإن حال العراق أكثر تعقيدًا. إلا أن سورية بصمودها لم ينجح الفكر الكياني والذي حملته “المعارضات” أن يجد له أرضًا خصبة فيها وتستمر قيادتها راسخة في عمق الوعي القوميّ التحرري.
هنا تكمن المعضلات التي تواجه الحركة الثقافية التحررية والتي عليها أن ترتقي إلى مستوى التحديات في الميادين الثقافية المختلفة والقطع مع الوعي الكياني الذي يمثل أصحابه بمن فيهم المنضوون بجبهة المحور بخلفية طائفية وبصفة “مستقلين”، لأنهم يشكلون تشويشًا للوعي. وإن الغالبية العظمى من هؤلاء يحتلون المنابر الإعلامية وأفضلهم مجرد لاهث خلف الأحداث التي تسطرها سواعد المقاومين، في حين أن دورهم يفترض أن يكون في الإضاءة على مآلات الأحداث وما ينتظر من بعدها من ردود فعل وتحديات كي لا يسكر جمهور المقاومة في لحظات التقدم ويحب في لحظات التراجع، لكون هذه الحرب هي حرب تحرير وهي طويلة الأمد ولو اختلفت أساليبها وأدواتها.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.